رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تصنع متطرفًا في البيت؟.. هكذا عارض شاكر عبد الحميد «شيطنة العدو»

شاكر عبد الحميد
شاكر عبد الحميد

قبل عام، تحديدا في مثل هذا اليوم، رحل عن عالمنا وزير الثقافة الأسبق، الناقد الدكتور شاكر عبد الحميد، بعد أن أثري المكتبة العربية والحركة الثقافية المصرية بالعديد من الدراسات والمؤلفات النقدية والنفسية.

ولم تقتصر مؤلفات شاكر عبد الحميد علي التناول النقدي النفسي للعملية الإبداعية فقط، بل تطرق أيضا إلي تفسير وتفكيك التطرف والإرهاب من الناحية السيكولوجية. ففي دراسته المعنونة بــ “التفسير النفسي للتطرف والإرهاب”، وتحت المبحث الذي خصصه عن تناول النظريات النفسية لظاهرة التطرف والإرهاب، يشير شاكر عبد الحميد إلى أن هناك عمليتين أساسيتين في تحويل الإنسان، أيا كان انتماؤه الديني أو العرقي، إلى كائن متطرف يمارس العنف والتعذيب للآخرين، وربما القتل لهم، على نحو مجرد من الإنسانية.

ويلفت “عبد الحميد” إلى أن عمليات التعذيب التي قام بها الجنود الأمريكيون للعراقيين في سجون “أبو غريب” وإلى غير ذلك من الأمثلة التي يتحول من خلالها الإنسان إلى ما يشبه الوحش أو المسخ المجرد من الإنسانية.

وهناك عدد من العمليات النفسية والاجتماعية لها دور هنا، مثل خلع الهوية ونزع التفرد والتجرد من الإنسانية وغيرها.

ويقصد بعملية خلع الهوية تلك العملية التي تحدث عندما يتم التخلي عن الهويات الجمعية السابقة أو خلعها، وهناك أيضا عملية نزع التفرد وهي العملية الخاصة بالفقدان أو التخلي عن الوعي الذاتي الفهم التقييمي أو النقدي، والذي قد يحدث لأفراد يشعرون به عندما يلتحقون بالجماعة، من ثم فأنهم يصبحون مجهولين أو مجرد أعضاء. 

ويضيف “عبد الحميد”:  ولعمليات التبرير الأخلاقي دور كبير هنا، كما يكون للأماكن والمواقف التي يتم التجنيد من خلالها دور مهم أيضا خلال محاضرة في الجامعة، أو في نا، أو كافيهات الإنترنت، أو أماكن العبادة، أو الفنادق الرخيصة، أو المنظمات  غير الحكومية، أو المقاهي، أو مع الأقارب والأصدقاء وغيرهم، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت وبيوت الشباب.. ألخ. وقد يتم تصميم مواقع تفاعلية، تشبه المواقع التجارية ويتم استكشاف من تتفق خصائصه وصفاته مع الجماعة ومعاييرها ومخاطبته، بعد ذلك، بأشكال مباشرة وغير مباشرة، وذلك في المواقع الفعلية أو الافتراضية عن طريق من يسمون بالمراقبين أو المستكشفين. وقد يتم ذلك بشكل إجباري كما في تجنيد الأطفال إجباريا لدى جماعة نمور التاميل الانفصالية في سيريلانكا مثلا.        

كذلك فإن لمحاضرات بعض الدعاة في المساجد وخطب يوم الجمعة دورا كبيرا في انتماء الشباب لمثل هذه الجماعات في البلاد الإسلامية. والأمر نفسه صحيح بالنسبة للبرامج والقنوات التليفزيونية التي أصبحت تتوالد كل يوم على نحو يصعب حصره. وقام السادات ونظامه أيضا بدور في مصر جدير بالاعتبار، من خلال تدعيمه للجماعات الدينية من أجل ضرب أصحاب التوجهات اليسارية والاشتراكية والناصرية.

ــ عمليات تغيير الأفكار وغسيل المخ

ويشدد “عبد الحميد” على: ولعمليات تغيير الأفكار وغسيل المخ دور مهم أيضا، ويتمثل ذلك في الرسائل والوسائل الإعلامية التي تنقلها المحاضرات العامة، وخطب الجمع في المساجد، وفي النوادي، وفي وسائل الإعلام، وأشرطة الفيديو والكاسيت، والكتب الموجودة في المكتبات وعلى الأرصفة، وفي وسائل المواصلات العامة والسيارات الخاصة، والأغاني والأناشيد والقصائد الشعرية، ومواقع الإنترنت، والرسائل النصية (  sms )..  ألخ ورسائل بن لادن والظواهري وغيرهما التي تحرص قناة الجزيرة دائما على بثها هي نموذج على ذلك.

وهناك عملية أخرى مهمة في تحويل الإنسان العادي إلى إنسان متطرف في عنفه، ويقصد بها عملية تجريد أو تجرد العدو من الإنسانية. وهي أداة قوية في جعل المجندين المحتملين في جماعة ما، يفهمون مدى قسوة ووحشية عدوهم وتجرده من الإنسانية، أو يوظف ذلك أيضا من أجل تدعيم / تعزيز المعتقدات الموجودة بالفعل لدى الذين اندرجوا في الجماعة.

فمن خلال عمليات الدعاية التي تقوم بها الجماعة، ومن خلال لغة أعضائها يتحول العدو إلى شيطان يعرف بأنه مجرد من الإنسانية، أو أنه وحش، ومن ثم يكون التهديد بالعنف ضده أمرا مقبولا بل ومرغوبا أيضا.  

ويوضح “عبد الحميد”: ذلك فإن «التجريد من الإنسانية» هو المكون الرئيسي في فهمنا. ذلك السلوك غير الإنساني الذي يقوم به إنسان نحو إنسان، إنه يحدث عندما تقوم جماعة من البشر باعتبار جماعات أخرى، جماعة مجردة من الأخلاق بل ومن الإنسانية. هكذا تفقد الجماعة الأخرى من الخصوم مبرر وجودها كبشر ومن ثم يكون من الضروري التخلص منها، وإبادتها دون معاناة ذلك الشعور الخاص بالذنب أو الخجل، بل أن المرء يثاب هنا أيضا علي ما قام به.

هكذا تدفع عملية «تجريد الآخرين من الإنسانية» إلى وصم الآخرين من المناوئين لجماعة ما بصفات شيطانية، كما تعزو لهم «هوية فاسدة» أو شريرة. وتحت مثل هذه الظروف يكون ممكنا بالنسبة للناس الأسوياء العاديين، الذين يمتلكون قيما أخلاقية عالية (دينية غالبا) بل ومثاليين أيضا أن يرتكبوا أفعالا مدمرة على نحو وحشي.