رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى رحيله.. أبرز ملامح شخصية البابا شنودة الثالث

البابا شنودة الثالث
البابا شنودة الثالث

تٌحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم الخميس، الذكرى العاشرة لرحيل البابا شنودة الثالث البطريرك الـ117.

وقال ماجد كامل عضو اللجنة البابوية للتاريخ الكنسي، والباحث في التراث الكنسي: "إنه  كان قداسة البابا شنودة الثالث نموذجًا رائعًا لهذا التكامل فنحن نرى في حياة قداسته هذا التكامل الرائع.

ممتليء روحيًا:- 

وتابع ماجد كامل: فقداسته كان نموذجًا رائعًا للشخص الممتليء روحيًا؛ فلقد نذر نفسه للحياة التكريس منذ فجر شبابه؛ وفور تخرجه من الكلية الإكليركية عام 1949، وكان عمره وقتها حوالي 26 عامًا، فلقد استقال من عمله ليتفرغ لخدمة الرب من خلال تكريس حياته للتدريس في الكلية الإكليركية، كذلك خدمة التربية الكنسية في كنائس شبرا، ولم يكتف قداسته بذلك، بل اشتاقت نفسه أكثر للحياة الرهبنة، فتوجه إلى دير السريان طالبًا الرهبنة في 18 يوليه 1954، وكان عمره وقتها حوالي 31 عامًا.

وأضاف: "ولم يكتف بذلك بل خرج إلي حياة الوحدة طالبًا التوحد في مغارة في الجبل، ولم يخرج من المغارة إلا عندما طلبه قداسة البابا الراحل المتنيح البابا كيرلس السادس لينضم إلى  السكرتارية الخاصة بقداسته تمهيدًا لرسامته أسقفًا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية في 30 سبتمبر 1962، ومن يومها وهو يقيم اجتماعًا أسبوعيًا لدراسة الكتاب المقدس والعظات الروحية المتنوعة، وبعد أن أقامه بابا وبطريرك للكرازة المرقسية في 14 نوفمبر 1971، لم ينقطع قداسته عن الاجتماع، بل استمر يقيمه أسبوعيًا كل يوم جمعة، ثم كل يوم أربعاء بعد ذلك، ولم ينقطع قداسته عن هذه العادة، فمازال يقيم اجتماعه الأسبوعي الذي يحضره الآلاف، هذا غير الملايين الذين يتابعونه على القنوات الفضائية، متلهفين لسماع  عظات قداسته المشبعة، ومن يتأمل كتابات قداسته المتنوعة، يجد فيها عمقًا روحيًا، فكتب مثل انطلاق الروح، حياة التوبة والنقاوة، معالم الطريق الروحي، التلمذة الروحية، 100 كلمة منفعة.

 

ناضج عقليًا:- 

وأوضح أن من يتأمل حياة قداسته يجد نموذجًا رائعًا للنضج العقلي، فقداسته كما يقول عنه كل الكتاب والمفكرين دائرة معارف متنقلة، فهو يقرأ منذ فجر شبابه ؛ فلقد ذكر أنه قرأ في مرحلة الثانوي كتاب "قادة الفكر "لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وجميع كتابات العقاد وتوفيق الحكيم وسلامة موسى، كذلك اهتم قداسته بكتابة الشعر منذ فجر شبابه، حتى أنه امتحن في شعره وهو في مرحلة البكالوريا.

وواصل: ولقد حرص قداسته على تعلم بحور الشعر من خلال تردده على دار الكتب بباب الخلق، وكذلك من يتأمل السيرة الذاتية لقداسته نجد أنه حصل على ليسانس الآداب قسم التاريخ عام 1947، بكالوريوس الكلية الإكليريكية عام 1949، ولقد اعترفت الجامعات العالمية بثقافة قداسته الواسعة، فحصل على تسع شهادات دكتوراة فخرية من كبرى الجامعات العالمية، وفي مكتبته الشخصية يحتفظ بجميع دواوين الشعر لكبار الشعراء مثل أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، خليل مطران، جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، ميخائيل نعيمة. 

وتابع: “ويحتفظ قداسته بمكتبته الخاصة بمجموعة كبيرة من دوائر المعارف والموسوعات  بلغات مختلفة وطبعات مختلفة، ولقد أهدى قداسته المركز الثقافي القبطي بعض من هذه الموسوعات ولقد انعكست هذه الثقافة الموسوعية على كتب وعظات قداسته، فنراه متابعًا لجميع الإنجازات العلمية معطيًا رأي المسيحية فيها كذلك أعطت هذه الثقافة الموسوعية لقداسته مقدرة هائلة على التفكير العقلاني والمنطقي، وتظهر هذه المقدرة عندما يعرض عليه الشعب بعض المتاعب والمشكلات، كذلك المشاكل الطائفية التي واجهت الكنيسة في عصر قداسته وكيف واجهها بعقلانية شديدة، وأيضًا بهدوء نفسي شديد، وهذا ينقلنا إلى السمة الثالثة في شخصية قداسته”.

متزن نفسيًا 

مستكملاً: “فقداسته يتمتع بهدوء وسلام عجيب، وعندما سأله أحد المذيعين متى تنزعج قداستكم؟ أجاب أنا لا أنزعج أبدا، فلقد دربت قلبي منذ فجر شبابي على أن يتسع  قلبي ليبتلع أي مشاكل أو ضيقات أو أحزان، فالضيقة هي التي يضيق القلب على احتمالها، أما أنا فقلبي متسع دائمًا لتحمل جميع الضيقات،  لذلك فقداسته دائمًا مُضيفًا: إن البابا شنودة الثالث كان هاديء ومبتسم وبشوش، حتى في أشد الأزمات والاضطرابات نجد قداسته يتقبل الأمور بهدوء وابتسامة ومرح، وشعاره المفضل الذي يردده دائمًا:- (ربنا موجود - كله للخير – مسيرها تنتهي) 

وتابع: وبهذا الهدوء والسلام النفسي العجيب استطاع قداسته أن يعبر بالكنيسة وبشعبه العديد من الأزمات والمتاعب والضيقات بدون مشاكل أو أزمات ؛كذلك أنعكس هذا الهدوء علي شعبه وعلي الكنيسة فلم تضطرب  ولم تقلق، فبسلامه يكون للكنيسة سلام. 

سليم جسديًا 

وأضاف أن رغم أن قداسته عاش حتي وصل إلي نهاية الثمانينات تقريباً إلا أن جهد قداسته لم يتأثر بل على العكس  كان يزداد نشاطًا وتألقًا  فكنا نراه يخرج ويفتقد شعبه في مصر والمهجر بدون ملل ولا كلل وفي القداسات  كنا نراه واقفًا في خشوع مهما كان متعبًا أو مرهقًا. 

وتابع: وفي الاجتماعات يقف ليسلم على شعبه واحدًا فواحدًا وفي كل عظات قداسته يدفع الشباب دفعًا إلى الاهتمام بصحتهم الجسدية عن طريق البعد عن الخمر والمخدرات والشهوات الشبابية ؛كذلك يطالبهم بالاهتمام بالغذاء المتوازن والرياضة الجسدية.

 

ناجح في علاقاته الإجتماعية

وواصل: فقداسته كان محبوبًا من الجميع مصريين وأجانب  مسيحين ومسلمين آرثوذكس وغير آرثوذكس فالجميع أحب  قداسته وافتخر به.

وتابع: وهذا واضح كأشد ما يكون الوضوح في محاضرات وقداسات قداسته الأسبوعية  وكيف  كان يستقبله يستقبله الشعب بالهتاف والتصفيق، ولقد حرص قداسته منذ بداية رسامته بطريركا للكنيسة القبطية الآرثوذكسية في 14 نوفمبر 1971 على حسن العلاقات مع الكنائس كلها ؛فقام بزيارة بطريرك موسكو عام 1972.

مٌختتمًا: وأعقبها بزيارة بطريرك بلغاريا في نفس السنة، وفي عام 1973 قام بزيارة تاريخية للفاتيكان تم على إثرها إحضار جزء من رفات القديس أثناسيوس الرسولي، كذلك تم توقيع اتفاقية إيمان مشترك بين الكنيستين تم فيها الاتفاق على تعاليم القديسين أثناسيوس الرسولي البطريرك الـ20، القديس كيرلس الكبير البطريرك الـ24، كأساس مشترك للإيمان بين الكنيستين.

كذلك يرتبط قداسته بعلاقات محبة قوية مع رؤساء الطوائف الإنجيلية والأسقفية، أما عن علاقاته مع أخوتنا المسلمين، فهي واضحة كأشد ما يكون الوضوح في علاقات المحبة التي تربطه بشيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي، كذلك سائر شيوخ ورؤساء الأزهر ومفتي الجمهورية، كذلك يرتبط قداسته بعلاقات محبة قوية مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والرئيس الحالي محمود عباس أبو مازن.