رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أفراح القبة نحن جميعًا ممثلون

الدنيا مسرح كبير ونحن جميعًا ممثلون، والعرض مستمر، يصمد من يصمد ويسقط من يسقط والعرض مستمر، فالجمهور متأهب لمشاهدة الألم والفرح، الدموع والضحكات، الجمهور متحمس ونحن أيضًا متحمسون لأداء أدوارنا.. لماذا لا يتوقف العرض قليلًا لنفكر، هل هذا الدور هو ما نريده حقًا لأنفسنا؟ هل يرانا الآخرون على نفس النحو الذى نرى به أنفسنا؟ لماذا لا تعطينا مدرسة الحياة الفرصة لنعيد عامًا لم ننجح فيه؟ لماذا نظل نبنى على خيباتنا بلا توقف لنتورط فى قدر أكبر من الخيبات التى يظنها البعض نجاحات ساحقة لأن الجمهور صفق لها؟

الجمهور الذى لا يعاين سوى المشهد المعروض ولا يدرى شيئًا عما يحدث فى الكواليس، فحليمة الكبش، الفتاة التى ضاع حلمها فى أن تكون ممثلة شهيرة عقب اغتصاب مالك المسرح لها، تقولها للجمهور:

«تحت قبة المسرح ده كلنا ممثلين بنقول الكلام الحلو والخطب، واللى حوالينا يصقفوا، ومحدش عارف إيه اللى بيحصل فى كواليسنا». 

تدور أحداث مسرحية «أفراح القبة» فى الفترة من ١٩٥٢ إلى ١٩٧٩ بتقنية المسرح داخل المسرح، حيث تستعد الفرقة المسرحية لتقديم عمل جديد، إنه مسرحية «أفراح القبة» التى كتبها عباس كرم، الذى تربى فى المسرح، حيث يعمل أبيه كرم ابن زبيدة ملقنًا، وأمه حليمة الكبش ممثلة ثم بائعة تذاكر، وحيث قابل هو تحية الممثلة الجميلة التى افتتن بحبها طارق الممثل وصديق سرحان مالك المسرح، الذى نكتشف فيما بعد أنه أيضًا شريكه فى قتل الخواجة مالك المسرح، واستخدام ختمه على عقد لبيع المسرح لسرحان، يحب عباس تحية ويتزوجها بعدما تخلى عنها طارق، لكنها تُقتل بعدما تنجب طفلها بشهور ويختفى الطفل، وتحوم الشبهات حول كثيرين، فربما هو طارق، وربما درية بطلة الفرقة التى كانت تغار منها، وربما هى حليمة الكبش التى اختطفت منها تحية ابنها، وربما هى أم وائل عشيقة طارق، وربما هو عباس نفسه الذى لم يحتمل ماضى تحية وحبها السابق لطارق. 

مَنْ قتل تحية؟ سؤال يشعل الصراع أثناء العرض بين أطراف متعددة، ويكتب عباس مسرحيته «أفراح القبة» لتكون بمثابة قربان لروحها، فيفضح فيها الزيف والخواء والفساد الدائر فى كواليس هذا المسرح، يفضح العلاقات الإنسانية المزيفة والمشوهة، الصراعات الخاوية من أجل لا شىء سوى مَنْ منا يحتل بؤرة الضوء، حيث القادر على ذلك سيروى الحكاية من وجهة نظره ويصير هو البرىء وسط حشد من المدانين، وفى خضم هذا الصراع تضيع الحقيقة. 

بدا لى أن «محمد يوسف» المخرج والمعد الواعد قد بذل جهدًا كبيرًا وناعمًا فى تكثيف أحداث رواية «أفراح القبة»، وهو أمر بالغ الصعوبة مع رواية يستند تكنيكها إلى إعادة حكى نفس الأحداث من وجهة نظر أكثر من شخصية، واستطاعت الرؤية الإخراجية كذلك أن تكثف المشهد وأن تخلق إيقاعًا شعوريًا متناغمًا ومترابطًا، وقد كان لتوظيف الديكور والإضاءة «تصميم عمرو الأشرف» دورًا مهمًا فى التكثيف المشهدى ونعومة الانتقال، حيث اتسم الديكور بالمرونة وتعدد الاستخدامات، ووظفت الإضاءة فى مشهدى الاغتصاب والقتل ولحظات الاضطراب توظيفًا نفسيًا جذب انتباه المتفرجين. 

أداء الممثلين كان مبهرًا «عبدالمنعم رياض، محمد عبدالقادر، ياسمين وافى، هشام عادل، فاطمة عادل، هايدى عبدالخالق، سمر غانم، جيهان أنور، باسم سليمان...»، تميزوا جميعًا بقدرة على استيعاب تاريخ الشخصية التى يؤدونها ويجسدونها بصدق واندماج كبير، أشفقت كثيرًا عليهم حين تخيلت مدى صعوبة ما بذلوه من جهد للتعايش على مدار ٣ سنوات، منذ بدأ تقديم العرض، مع تلك الشخصيات الصعبة التى يزيد من صعوبتها اتصالها بمجالهم المهنى وتقاطعها مع واقع المسرح وتفاصيله اليومية، وكيف قاوموا انزياحات تلك الشخصيات المعقدة وتعاطيها مع واقعهم الشخصى والمهنى. 

ويبقى السؤال الذى يتطلع إليه القارئ الآن: مَنْ قتل تحية؟ اذهب إلى المسرح العائم بالمنيل ربما تستطيع أن تعرف وتعود لتروى لنا أنت الحكاية.