رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قبل أن ينتهى شهر الحب

 

فى خضم ما نواجهه من مشاغل ومشاكل يومية، وسعى فى العمل والرزق، ومواجهة مستجدات الحياة، ومحاولة فك طلاسم غلاء الأسعار المستمر لسد الاحتياجات الأساسية لنا ولأسرنا، والتحلى بالأمل فى أن القادم سيكون أفضل، وأن الجمهورية الجديدة ستحمل الخير لبلدنا، وأمام الجهد المتواصل لاستيفاء متطلبات أولادنا وتعليمهم وتنشئتهم- إذا بى أتوقف لأجد أننا وسط كل المشاغل والمسئوليات فإن شهر فبراير يكاد يمضى دون أن أتوقف عنده ككل سنة باعتباره شهر الحب أو الشهر الذى يحل فيه عيد الحب أو عيد الفالنتين الذى يحتفل به العالم كله يوم ١٤من فبراير. 

وعندما استرجعت ما حدث خلال هذا الشهر فى مواقع التواصل الاجتماعى فإننى وجدت أن العالم كله قد احتفل به وفى كل بلد على طريقة أهله رغم فيروس «كورونا»، ووجدت أن اللون الأحمر، أى لون القلوب، قد سيطر على المتاجر والمولات والمبيعات بالقلوب والدباديب والهدايا الصغيرة والكروت، رغم أخبار الصراعات والأزمات والأحزان والمخاوف بسبب فيروس «كورونا»، وفى مصر استطاع عيد الحب أيضًا أن يحيا رغم فيروس «كورونا» والأحزان والمخاوف من جرائه، فوجدت مواقع التواصل الاجتماعى هذا العام، ومنذ بداية شهر فبراير، مليئة بالتهانى وبالمعايدات، بما يعبر عن تمسك أهل مصر بمشاعر الحب وحرصهم على التعبير عن عواطفهم خلال هذا العيد الخاص بالحب، الذى أعتبره يضفى البهجة على البيوت ويكون فرصة سانحة لاستعادة الإحساس بآدميتنا وبقدرتنا على الحب، وبما يوطد مشاعر الحب بين الزوجين أو الخطيبين، بل أيضًا بين الأصدقاء وبين الصديقات، فقد انتشرت هذا العام فكرة التعبير عن مشاعر المحبة بين الصديقات والأصدقاء باعتبارها رابطة تستحق الحرص عليها، والحقيقة أننى قد حمدت الله على أن المصريين قد عادوا إلى بعض من ملامح هويتهم المعهودة أو بعض من طبيعتهم كشعب لديه عواطف جياشة ولديه تاريخ طويل من الحضارة والتاريخ والسبق فى كل شىء، بما فيها عاطفة الحب التى نجدها على جدران المعابد والمقابر الفرعونية المصرية القديمة، حيث نرى صورًا ولوحات ملونة تبين الملوك الفراعنة يجلسون وبجوارهم زوجاتهم اللاتى يكنون لهن المحبة والتقدير والعرفان، فنجد الملكة المصرية تجلس على العرش بجوار الملك فى أبهى حلة وفى أرفع مكانة.

ولقد حمدت الله أيضًا عندما تذكرت كيف حاول الظلاميون، بعد أحداث يناير ٢٠١١، أن ينشروا الكراهية بين شعب مصر، وأن يلغوا الاحتفال بعيد الحب وأن يحقّروا من شأن هذه العاطفة النبيلة، وأن ينتقصوا من شأن المرأة حتى يعزلوا نصف المجتمع عن الحياة العادية، وأتذكر جيدًا، واستأت كثيرًا، عندما كنت أرى أن المتاجر ومحلات الهدايا كانت تخشى عرض هدايا عيد الحب خلاله خوفًا من الاعتداء عليها من إخوان الظلام، الذين كانوا يريدون إلغاء أى احتفالات به، فكنت أحرص على إحيائه بالكتابة للقارئ عن عيد الحب طوال السنوات الماضية فى مقالاتى، تأكيدًا على أن مفهوم الحب عاطفة إنسانية نبيلة، وإعلاءً لشأنه رغم أنف المتشددين وكارهى فكرة الاحتفال به فى شهر فبراير، وكانت مواقع التواصل الاجتماعى بعد يناير ٢٠١١ قليلًا ما ترى عليها المعايدات خوفًا من الظلاميين والمتطرفين والمتشددين، أما هذا العام فمع عودة الاستقرار والأمان ورحيل الإخوان فإن المواقع وصفحات فيسبوك وتويتر وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعى كلها قد سيطرت عليها المعايدات والتهانى بعيد الحب، أما التناقض الذى لاحظته هذا الشهر فهو محاولات المتشددين الظهور من خلال العصابات الإلكترونية التى تعمل بطرق جديدة، حيث وجدنا على مواقع التواصل الاجتماعى محاولات للترويج لفكرة ضرب الزوجات وقبول هذا الأمر باعتباره أمرًا طبيعيًا بين الرجل والمرأة، فوجدنا صورة يتم تداولها بكثرة لرجل ريفى مع زوجته وعليها تعليق بأنهما قد تصالحا رغم أنه قد ضربها فى ليلة الدخلة، وبغض النظر عن أنه موضوع قد أُثير على الساحة الاجتماعية فى مصر وتداولته بعض البرامج فى الإعلام إلا أنه أمر غير مقبول فى دولة تدعو لاحترام المرأة وإعلاء شأنها، لأنه فى نظرى أن الرجل إذا كان يحب امرأة، أيًا كانت غنية أو فقيرة، متعلمة أو غير متعلمة، عاملة أو ربة بيت، شابة أو مسنة، فإنه لا بد أن يصون كرامتها وأن يعطيها قدرها الذى تستحقه أمام الآخرين، وأن يظهر لها الاحترام الذى تستحقه بينه وبينها، وأيضًا وقبل كل شىء أن يظهر لها الاحترام أمام الآخرين، وأن يجعلها تتقدمه إذا ما دخل مكانًا أو أن يجعلها تقف إلى جواره فى أى مكان خارج البيت، وأن يعمل على حمايتها ورعايتها فى المرض وفى المحنة، وأن يطمئن عليها حينما تغيب، وأن يربت على كتفها حينما يصيبها الإجهاد فى رعاية بيتها أو فى السهر عليه إذا ما مرض، وأن يقدر لها تعبها مع أولاده، وأن يساعدها فى البيت حينما تعود متعبة من عملها، إن الحب كلمة لها فعل السحر لدى المرأة، وبعض الرجال يجدون للأسف فى إظهار الحب لزوجاتهم ضعفًا بسبب التفكير الذكورى الذى نشأوا عليه رغم أنه دليل قوة ودليل ذكاء ودليل إنسانية.

إن بعض الحب قد يُجدى فى توطيد العلاقة بين اثنين، بعد سنوات من العشرة، من الأزواج، أما إظهار القسوة ومحاولات المتشددين التشدق بالعنف والقسوة وإرغام المرأة على قبولها بالترويج لفكرة التصالح بعد أن يضربها فى ليلة الدخلة، فهذا فى رأيى محاولة تسلل من أهل التطرف والظلام والتشدد للدخول إلينا مرة أخرى من الأبواب الخلفية بالترويج للعنف، ولتشويه البنات والسيدات وابتزازهن من خلال وضع صور ملفقة لهن على مواقع التواصل الاجتماعى مما أدى إلى انتحار فتاتين بريئتين خوفًا من المجتمع ومن سطوة الآباء، ومما أسفر أيضًا وللأسف عن طلاق مدرسة ذات كفاءة لأنها عبرت عن بعض البهجة ببراءة وعفوية شديدة وذلك فى رحلة ترفيهية مع زميلاتها وزملائها، وبدلًا من أن يحميها زوجها ويحتويها ويقف فى ظهرها سندًا ودعمًا لزوجته ضد ممارسات بغيضة ومقصودة، فإنه خذلها بكل قسوة وطلقها وتركها تواجه تيار التشدد والكراهية بمفردها، رغم أنه تيار بغيض ومتخلف وبعيد عن طبيعة المصريين السمحة، وهو تيار أرى أنه ينبغى أن نتصدى له إذا كنا نتطلع إلى مجتمع سوى يسعى للتقدم والاستنارة والاستقرار وتعزيز المرأة باعتبارها نصف المجتمع. 

وفى رأيى أن طريق الاستنارة والتقدم والتحديث طويل وصعب، لكنه ممكن الوصول إليه فى تقديرى، لأن المصريين قد احتفلوا هذا العام بعيد الحب بشكل واضح وظاهر وجميل ومبهج على مواقع التواصل الاجتماعى، التى أعتقد أنها تعتبر ترمومتر للعلاقات بين الناس، ومما يعنى أن تيار التقدم قد أصبح أقوى من تيار التخلف، ومما يعنى أن نشر الحب على المواقع والجروبات أيضًا قد انتصر على نشر الكراهية التى كان المتشددون يروجون لها ويريدون أن تكون منهجًا بين الناس، ومما يعنى أيضًا أننا كبشر وسطيين وطبيعيين ومصريين ذوى حضارة عريقة، لا بد أن نستكمل السير حثيثًا فى اتجاه الوصول بمجتمعنا إلى مجتمع نجد فيه أن معظم الرجال والنساء فى بلدنا يعبرون عن احتفالهم بالحب وبعيد الحب باعتباره أنبل شعور إنسانى منذ بدء الحضارة الإنسانية، وباعتباره أنبل شعور يجمع بين الرجل والمرأة ويربط بينهما على أسس من المودة والرحمة والعطاء. 

وكل عام وأنتم جميعًا تنعمون بالحب فى حياتكم وتنشرون الحب كعاطفة إنسانية نبيلة فى كل مكان وفى كل وقت فى مواجهة أعداء الإنسانية وفى مواجهة أنصار الكراهية.