رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الترند».. فخ يبرع فيه «الإخوان المنبوذون» فاجتنبوه

منذ سنوات غير قليلة، لا يمر يوم دون حكاية أو مشهد، من حكايات الحياة الثقافية والفنية المصرية التى توجع القلب، وتؤذى النفس، خصوصًا مع ما تحمله من دلالات على بؤس حال الثقافة والفن المصريين، إن كانت لا تزال هناك بقية من ثقافة أو فن فى أرض مصر. على أن أشد تلك العلامات بؤسًا، وإثارة للشفقة، ما يمكن أن تلاحظه على وسائل التواصل الاجتماعى، من سقوط مدهش لأعداد كبيرة من الكتاب والفنانين فى فخ ما يعرف بالترند، حتى إن غالبية برامج الكلام التى تسيطر على ساعات المساء كل ليلة، تعتمد بصورة كبيرة على حكايات المنتشر من «ترندات»، غالبيتها، إن لم كلها، مصنوعة ومقصودة وموجهة، وهو ما أرى أنه سقوط غير واعٍ فى فخاخ تنصبها لهم جماعات لا تريد الخير لمصر، بل وتستهدف القضاء على قوتها الناعمة بكل ما تملك من أدوات.

ولعله بات من المعلوم للجميع أن صناعة غالبية ما تضج به مواقع التواصل من «ترندات» مصنوعة، هو من صناعة كتائب تنظيم «الإخوان» ومن لفّ لفّهم، لا أحد غيرهم، تتبعهم قوافل الصبية والمراهقين، ومن تأخذ بعقولهم عبارات التدين الحماسية، التى تبرع قواعد ذلك التنظيم فى بثها بين السطور، وتستقطب بها الصغار.

عندما كانت لديهم مساحات للوجود على الأرض، لعبت صفوف التنظيم على المدارس ومراكز الشباب والجامعات والنقابات المهنية، ويعلم الجميع أنهم فى فترة من الفترات انتقلوا إلى دس عناصرهم داخل الوسطين الفنى والأدبى، فظهرت موجات «السينما النظيفة»، و«الأدب الهادف»، وروايات الحكم والمواعظ، وكلها تحت مسميات عجيبة ومدهشة، لكنها تلقى قبولًا لدى عموم المتلقين من متوسطى الخبرة والتعليم والمعرفة بالآداب والفنون.

الغريب أنه مع انتقال أفراد ذلك التنظيم الحقير «الإخوان المنبوذون»، إلى ملاعب السوشيال ميديا، كان الجميع على علم بذلك. انتبهت إلى ألاعيبهم غالبية الوجوه العاملة فى الإعلام وبرامج «التوك شو» على وجه التحديد، وحذرت منه، وعمل كثيرون منهم على الرد على تلك الشائعات وتفنيدها وتتبع مصادرها والتحذير منها، إلا أنك عندما تجلس اليوم أمام شاشة التليفزيون، لا تملك إلا أن تضرب كفًا بكف، ولا تعرف كيف نجح هؤلاء القتلة فى جر الجميع إلى مستنقعات «الترند»، وإغراقهم فيه، فلا يكون هناك حديث فى عموم القطر المصرى إلا عنه.

والحقيقة أننى أتفق تمامًا مع ما قاله أحد الكُتاب والباحثين فى تغريدة له على موقع «تويتر» من أنه «يوجد فى مصر تيار إخوانى سلفى قوى هو الذى يصنع الترند ضد المثقفين والفنانين»، ويمكن أن تلاحظ ذلك من تكفير سيد القمنى ومحمد شحرور ووائل الإبراشى إلى تكفير أحمد حلمى وزوجته وغيرهما من الفنانات والفنانين، وصولًا إلى التقليل من دور مؤسستى الأزهر الشريف ودار الإفتاء، واجتزاء مقولات أى من شيخيهما، وبثها بكثافة فى سياق تهكمى على مواقع التواصل الاجتماعى، ما يقود إلى حملات مضادة للمؤسستين، ينخرط فيها الكثير من الصبية والمراهقين، ومغيبى العقول، على أن الأشد بؤسًا أن تجد بين ذلك «القطيع» أعدادًا مدهشة من الكتاب والفنانين والمثقفين ودعاة التنوير. حالة «سقوط» مدهشة وغير مفهومة، لعدد كبير من الكُتاب والفنانين فى فخ ما يعرف بـ«الترند».. كتابات وتعليقات وتغريدات لا حصر لها، ولا تصدر إلا عن جهل، أو سوء فهم أو تقدير، ولا هم لها سوى استدرار الإعجابات، وجمع المتابعين، بلا منطق، حتى إن بعضهم يعيد نشر «تغريدات» و«بوستات» يبدو واضحًا تمامًا، وبصورة لا لبس فيها، أن مصدرها لجان إلكترونية تعمل وفق مخططات لم تعد خافية على أحد.

أمر متكرر وغريب وغير مبرر، حتى إنه لم يعد يمر يوم دون أن أقرأ عددًا من الكتابات لأدباء ومثقفين لا يمكن أن تصدق أن كتابها يعرفون موقعهم من المشهد العام، خصوصًا أن منهم «روائيين وشعراء كبارًا»، ويقال إنهم مهمون، وحاصلون على جوائز وتقديرات من جهات يقال إنها جيدة، ويكتب عن أعمالهم نقاد يقال إن لديهم درجات علمية مرموقة، ويفهمون ما يقرأون.

فماذا يدفع أديبًا كبيرًا ومتحققًا للانشغال بـ«الترند»، سواء كان على «فيسبوك» أو «تويتر» أو «جوجل» أو غيرها من مواقع التواصل الاجتماعى؟

ماذا يدفع روائيًا أو شاعرًا أو فنانًا مشهورًا وكبيرًا إلى أن يعيد نشر تغريدات لجان الجماعات الإرهابية، دون حتى أن يقرأها، أو يفهم ما بها من سموم، ودون أن يدرك أنه لم يعد لدى ذلك الفصيل من القتلة والكارهين للحياة، غير مادة «الترند» التى يستخدمونها بكثافة و«استموات»، ويركزون من خلالها على القضاء على ما تبقى من الثقافة والفن المصريين، أو دون أن يدرك أحدهم أن طريق هؤلاء القتلة للسيطرة على الحياة فى مصر يبدأ من القضاء على ثنائية «المثقف والفنان»، وكلما زاد انخراطنا فيما يبثونه من سموم، زادت مساعدتنا لهم على التوغل فى عقول شبابنا، والسيطرة عليها، وزادت سرعة سقوطنا فيما ينصبونه لنا من فخاخ.

الحقيقة أن بعض النخب، للأسف الشديد، أصبحت أكثر جهلًا وغوغائية وسوءًا.. والحقيقة أنه ربما آن الأوان لكى نعمل بجد على تجاهل تلك الفخاخ المنصوبة ضد قوة مصر الناعمة على مواقع التواصل الاجتماعى، سواء بالرد والتفنيد، أو التصدى لها بـ«ترندات» مضادة، أو بالبحث عن طريقة أخرى للتعامل مع هذه الظاهرة، والحقيقة أنه على وسائل الإعلام، وبرامج «التوك شو» أن تكون فى مقدمة صفوف الدفاع عن الثقافة والفن المصريين، ومواجهة كتائب صناعة الفوضى والجهل تلك، وإلا فقُل على قوة مصر الناعمة السلام.