رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فالنتين جديد

"عيد الحُب" هو أهم مُناسبة يتميز بها شهر فبراير، ولذا اعتدنا أن نحتفل بتلك المُناسبة بأجواء رومانسية، مثل الأغاني والأفلام العاطفية، وباقات الورود، والقُلوب الحمراء، وغيرها من المظاهر التي تُشعرنا أن كلمة الحُب خُلِقَتْ من أجل الرجل والمرأة، أي العُشاق فقط، وربما يرجع السبب في ذلك المفهوم الذي تربّع بداخلنا لعشرات السنين هو قصة عيد الحُب، أو بمعنى أدق قصة "فالنتين"، والذي تم اقتباس اسمه ليكون عُنوانًا لعيد الحُب، فـ"فالنتين" كان كاهنًا يعيش في روما خلال القرن الثالث، فهو شهيد مدينة ترني الإيطالية، وكان حامي العشاق والمُحبّين، فقد ولد "فالنتين" في عام 176م لعائلة وثنية، ولكنه اعتنق المسيحية، وكان يُكرس حياته للجماعة المسيحية، وأصبح أسقفًا لمدينة ترني عام 197م على يد البابا "سان فيليسيانون"، ثم أصبح حامي الحُب في جميع أنحاء العالم، وتصادم "فالنتين" مع مُعاداة المسيحية، لا سيما بين الأباطرة "كلوديوس الثاني" و"أوريليانو".

وعلى الرغم من إنقاذه من يد "كلوديوس الثاني"، إلا أن "أوريليانو" تمكن من اعتقاله وقتله في روما في 14 فبراير عام 273م على يد الجندي "فوريوس بلاسيدوس" وتوفي على طريق "فيافلامينيا"، حيث دفنت رفاته، وبنيت كنيسة في ذلك المكان في القرن الرابع، حيث لا تزال تضم رُفات الأسقف الذي أصبح قديسًا لشهادات مختلفة من معجزاته وقدرته على حماية الخطيبين والمُحبين من أجل الزواج. وخلال فترة اعتقاله وقع "فالنتين" في حب ابنة مأمور السجن الكفيفة، وبفضل صلاته لها استعادت بصرها، وكانت رسالته الأخيرة إلى حبيبته مُوقعة بـ "من قلب فالنتينو حبيبك".

وهكذا تحول يوم 14 فبراير وهو يوم استشهاد "فالنتين" إلى يوم مُقدس لدى العالم كله، وهو يوم عيد الحُب، فلقد أصبح ذلك القديس رمزًا للحب على مر القرون، ولكن من يقرأ قصته يكتشف أنه دافع عن الحُب بكل أشكاله، فهو لم يقصره على العشق والهوى، وإنما دافع عن وطنه، وعن ديانته وعقيدته، فكل تلك التصرفات هي دليل على الحُب، فالحُب هو حُب الله، وحُب الوطن، وحُب الأصدقاء، وحُب الحبيب، ولكننا للأسف اقتصرنا في احتفالنا على الحُب الرومانسي فقط، بدليل أن تلك المُناسبة عالمية لا تقتصر على دولة بعينها، ورغم ذلك ما زالت الحُروب بين الدول، وما زال هناك اضطهاد دول لغيرها، فنحن نُعاني من الحرب الباردة، ومن الحُروب البيولوجية التي تصنع الفيروسات الفتاكة، ومن الحرب النووية التي تدعم الدمار الشامل، ومن الحرب الإلكترونية التي باتت أحدث وأسرع أنواع الحُروب.

فأين الحُب من كل هذا، لماذا لم يُؤثر عيد الحُب في تلك الأفكار القاتلة، لماذا لا نجعل الحُب يقضي على التطرف بكل أنواعه، ويُقنّن الحُروب بشتى أشكالها؟ لماذا لا نجعل عيد الحُب لا يقتصر على العُشاق فقط، بل نجعله دعوة للحُب والإخاء والسلام بين العالم بأسره؟!

والأهم والأبسط من ذلك هو خلق الحُب في قُلوب الناس بين بعضهم البعض، فليس معنى ذلك أن الكُره سينقرض، ولكن على الأقل سيُقنّن، فمن حق كل إنسان أن يَكره، فهذه مشاعر طبيعية خُلِقَتْ ولن تنتهي، ولكن هناك فرق بين أن تكره وتبتعد، وبين أن تكره وتُدمر وتنتقم، فهذا هو المنبوذ في كل الأديان والشرائع والقوانين والمواثيق الإنسانية والأخلاقية.

ابتعد عن الشخص الذي تبْغضه، فهذا من حقك، ولكن لا تنتقم منه وتُدمره، وللأسف، كل أشكال الحُروب، وشتى أنواع التطرف هي أساليب مُتنوعة للانتقام والدمار، فهل من المنطقي أن يظل العالم يحتفل بعيد الحُب يوم 14 فبراير من كل عام، في حين أنه يستمر في تدمير بعضه البعض في كل لحظة، ولا يتوانى عن اختراع أحدث أنواع الأسلحة من أجل ذلك الدمار؟.

فهل نحن في حاجة إلى "فالنتين جديد" لكي يستشهد في سبيل حماية الإنسانية، وإشاعة السلام بين العالم؟!