رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لنا الله..

واقعة مؤسفة تستدعي التوقف أمامها كثيراً، لأنها تعكس ما وصلنا إليه من تدنٍ أخلاقي، وشيوع ثقافة الغش والجهل بسبب عقود من التسطيح وترسيخ هذه الأمراض المجتمعية..
إنها واقعة احتجاز والتعدي على معلمة الدقهلية المسئولة عن لجنة امتحانات الشهادة الإعدادية بإحدى المدارس التابعة لإدارة السنبلاوين التعليمية من قبل أولياء أمور، لم يعجبهم رفضها تسهيل الغش لأبنائهم!
يا لها من مأساة حقيقية، ليست فقط المتمثلة في الاعتداء على معلمة فاضلة تؤدي واجبها بنزاهة وشرف، ولكن مأساة آباء وأمهات يرسخون الغش في أبنائهم كوسيلة للنجاح، ويربونهم على هذا الأساس..
أعرف أن النيابة العامة لا تزال تحقق في الواقعة بعد قرارها بحبس ستة من أولياء الأمور المتهمين في الواقعة، ولن أقفز على نتائج هذه التحقيقات، لكن أتمنى سرعة إحالة من يثبت تورطه منهم للمحاكمة لإنزال العقوبات المناسبة بهم، حتى يكونوا عبرة لغيرهم، فهؤلاء وأمثالهم سبب مباشر في عرقلة كل الجهود التي تقوم بها الدولة لإنقاذ المنظومة التعليمية والتربوية في بلادنا بعد سنوات من التجهيل والإسفاف والفساد!
ولا شك أن بإمكاننا تخيل المستوى النفسي والعلمي والقيمي لأبناء هؤلاء المعتدين، وأتحسر على تلك الأيام التي كنا نهرب فيها حين نقابل المعلم بالصدفة في الشارع، في زمن كان يتمتع بالهيبة والحصانة والاحترام من أولياء الأمور قبل أبنائهم!
لكن الوضع تغير الآن، ليس فقط على مستوى الطلبة الذين يستخفون بمعلميهم ويتطاولون عليهم، ولا حتى على مستوى المدرسين الذين استهانوا فهانوا، ولكن أيضاً على مستوى أولياء أمور محدودي الأفق والنظر وغير مدركين أن تربية الغش اليوم لن ينفع غداً!
ومن باب الحسرة، دعوني أخبركم بشيء ربما يكون جديداً على البعض ومعروفًا لآخرين، في الماضي كان التكنوقراط المصريين من مهندسين وأطباء ومعلمين مطلوبين في كافة دول العالم، وكان طبيبنا تحديداً يتمتع بسمعة عالمية، لكنه الآن يجب أن يخضع لامتحان قبول حتى يسمح له بمزاولة المهنة في الخارج!!
إننا نحتاج إلى وقفة على كل الأصعدة، نحتاج إلى جرأة فيما يتعلق بملف التعليم، فدولة مثل سنغافورة نهضت من العدم، حين قرر مؤسسها -بعد أن تخلت عنها ماليزيا- النهوض بالتعليم فقط وصارح شعبه بذلك فتبرع له الناس بأغلى ما لديهم لتأسيس منظومة تعليمية تنقذهم من الفقر والجهل والذل والإنكار..
تخيلوا أن الشعب تبرع بأمواله ومقتنياته من أجل تعليم أفضل، ونحن لا يزال لدينا من يضرب المعلمين لأنهم يراعون ضمائرهم في التربية والتعليم.. لنا الله!
محام بالنقض–مستشار قانوني أول بدبي