رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خلطة بروس فيلر لحياة سعيدة دون ملل

 الكاتب بروس فيلر
الكاتب بروس فيلر

أكثر ما يمكن أن يظلم به الإنسان نفسه، هو اعتقاده بأنه جاء الحياة للسير على سيناريو واحد، من الميلاد إلى البلوغ ثم التخرج إلى العمل فى مهنة واحدة، وخوض علاقة حب واحدة طوال العمر، دون أن يدرك أنه بهذا يحبس ذاته ويمنعها من خوض تجارب جديدة قد تجعله أكثر سعادة.

بهذا يلخص الكاتب بروس فيلر، صاحب الكتب الأكثر مبيعًا فى مجال التنمية البشرية بالولايات المتحدة الأمريكية، خلاصة تجربته، التى بدأت بعبارة صعبة هى: «والدك يحاول الانتحار».

وقال «فيلر»: «اعتدت القول إنه لا يمكن أن تأتى إلى الإنسان مفاجأة أو مكالمة تغير حياته، لكن ذلك حدث لى حين هاتفتنى والدتى لتخبرنى بأن والدى يحاول الانتحار، وعندها تغير كل شىء».

وأوضح أن أباه لم يمر يومًا بمثل هذه الحالة النفسية السيئة، ولم يكن يعانى من الاكتئاب، حتى أصيب بمرض خطير، ما جعله يحاول الانتحار ٦ مرات فى غضون ١٢ أسبوعًا، لذا كان لزامًا على «فيلر» أن يجد شيئًا يعيد لأبيه الثقة والإقبال على الحياة.

«ما ألعابك المفضلة عندما كنت طفلًا؟»... كان هذا هو نص السؤال الذى سأله الكاتب لوالده، وحينها ارتسمت على شفتى الأب بسمة كبيرة، وبدأ يستعيد ذكريات الطفولة، مبتعدًا عن أفكاره السيئة.

من تلك اللحظة، بدأ بروس فيلر البحث عن كيفية دخول الإنسان فى مثل تلك الحالة السيئة التى مر بها أبوه، متسائلًا: «ماذا لو توقف الإنسان لحظة عن الحياة اللاهثة وسأل نفسه هل أسير فى الطريق الصحيح، وهل هذا ما أريده حقًا؟».

وعلى مدار ٣ سنوات، جمع الكاتب مئات القصص من أشخاص يعيشون فى مختلف الولايات الأمريكية، والتقى عددًا من الذين فقدوا منازلهم أو وظائفهم أو حتى أطرافهم، خاصة هؤلاء الذين استطاعوا أن يتصالحوا مع الحياة ومع أنفسهم بعد المرور بحالات سيئة.

وخلص الكاتب، بمعاونة فريق مكون من ١٢ شخصًا، وبعد إجراء ١٠٠٠ ساعة من المقابلات، وقراءة ٦٠٠٠ صفحة من النصوص، إلى عدة نتائج يمكنها أن تساعد الإنسان فى حياته. 

النتيجة الأولى، كما يرى «فيلر»، هى أن الحياة الرتيبة التى تسير على خط واحد «قاتلة»، بعدما لاحظ أن جميع الناس يمرون بالأشياء ذاتها، وأن ما يفعله الإنسان فى شبابه، هو نفس ما يفعله فى شيخوخته، وأن الإنسان يمر بأزمة فى منتصف العمر، وأن حياته كلها تتمحور حول ٢٠ سنة أو فترة انتقالية، يحاول فيها أن يتخطى عقبات بعينها، لكنه لا يستطيع فيكرر بذلك سيناريو حياة من سبقه.

أما النتيجة الثانية التى يراها «فيلر»، فهى أن الحياة «اللاخطية» تكون دائمًا مليئة بالتحولات والمفاجآت، مشددًا على أن الإنسان يستطيع تغيير حياته بصورة نسبية، وأن هذا الأمر يختلف من شخص إلى آخر، خاصة أن الأشخاص الذين يثورون فى حياتهم، يمثلون فقط نسبة ١٪ من بين البشر.

وأضاف الكاتب: «نعتقد عادة أن الحياة تسير على خط واحد، ونشعر بالقلق عندما لا يحدث ذلك، وهذا أمر غير صحيح، فنحن نقارن أنفسنا بمثل أعلى غير موجود، ونلوم أنفسنا لعدم تحقيقه».

النتيجة الثالثة تتمثل فى أن إدارة التحول فى الحياة مهارة يجب إتقانها، وينصح بالبحث عن المساعدة على ذلك، خاصة أن معظم الناس عندما يدخلون فى دورة الاضطراب والتجدد يشعرون بالإرهاق، ومنهم من يكلف نفسه بقائمة مهام طويلة وكبيرة لإنجازها فى وقت واحد، ومنهم من يستسلمون لوضع الجنين ويقولون لأنفسهم: «لن أتجاوز أى شىء أبدًا»، وكلاهما فى رأى الكاتب على خطأ. 

وتابع: «علينا أن ندرك أن الحياة غير خطية، وأن التحولات الحياتية أيضًا لا تسير بالترتيب، لأن كل شخص ينجذب إلى المرحلة التى يتفوق فيها، لكنه يغرق فى المرحلة التى يكون فيها أضعف».

وكشف عن أنه استخلص، من المقابلات الكثيرة التى أجرها فى بحثه، أن نصف الناس يكرهون فكرة التخلص من العادات القديمة، لكن البعض ينجح فى ذلك، مضيفًا: «إذا كنت من هؤلاء، فابدأ رؤيتك الخاصة فى الحياة».

ونوه بأن ٤ من كل ١٠ أشخاص يشعرون بالحزن على مرور العمر، لكن البعض، عند الكبر، يستطيع تجاوز ذلك، ناصحًا بمواجهة مشاعر الحداد على الماضى، وبناء القوة بثقة، والانطلاق مجددًا فى مرحلة التحولات الصعبة عبر تقبل المشاعر. 

ورأى «فيلر» أن أكبر مشكلة تواجه الناس وقت التغيير هى الخوف من التجربة، وبعدها يأتى الحزن على ما قد مر من الحياة، ثم الشعور بالخزى والعار من طلب المساعدة من الآخرين، لذا ينصح كل إنسان بتقبل ذاته وتقبل المرور بالتغيير والاستعداد لما يأتى. 

كما نصح بطلب الحكمة من الآخرين، لأن الجزء الأكثر إيلامًا فى التحولات الحياتية هو الشعور بالوحدة، وهو شعور يسيطر على الناس فى معظم أنحاء العالم فى الوقت الحالى، لذا من الضرورى أن يعمل الإنسان على مشاركة تجاربه مع الأصدقاء والزملاء وأفراد الأسرة، وحتى الغرباء.

واختتم: «على كل إنسان أن يعيد كتابة قصة حياته من جديد، فالتحولات التى نعيشها فى الحياة هى فى الأساس تمرين لبناء النفس، لذا فلكتابة سيرة ذاتية، تجب مراجعة النفس وإعادة سرد قصة الحياة، وإضافة فصل جديد عن معناها، عبر إعادة تصور ما مر به الإنسان من أزمات وتحولات على أنها تمرين وليس مجرد فترات بائسة، وكذلك النظر إلى الفترة الحالية باعتبارها فترات استشفاء لإصلاح ما أصيب فى فترات الحياة السابقة».