رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأزمة الروسية الأوكرانية تُهدد التضخم العالمى

روسيا
روسيا

وضعت الأزمة الروسية-الأوكرانية سوق الطاقة العالمي في حالة تأهب قصوى لاحتمال حدوث اضطرابات في إمدادات الطاقة الروسية من المنتجات النفطية والغاز إلى أوروبا التي تُعاني بالفعل من أزمة في الغاز والكهرباء، وسط توقعات من عددٍ من المحللين بارتفاع أسعار النفط لتُسجل 120 دولارا للبرميل.

وارتفعت أسعار النفط خلال جلسة تعاملات اليوم الإثنين صوب أعلى مستوياتها في أكثر من سبع سنوات وسط مخاوف من أن يؤدي غزو محتمل لروسيا لأوكرانيا إلى عقوبات من الولايات المتحدة وأوروبا وتعطيل صادرات الطاقة من أكبر منتج في العالم.

وبلغت العقود الآجلة لخام برنت 95.73 دولار للبرميل، مرتفعة بمقدار 1.29 دولار أو بنسبة 1.4%، بعد أن سجلت في وقت سابق أعلى مستوى خلال اليوم عند 95.91 دولار، كما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 1.49 دولار أو 1.6% إلى 94.59 دولار للبرميل، بالقرب من أعلى مستوى في الجلسة عند 94.92 دولار.

 

النفط يتجاوز 100 دولار للبرميل

ويرى إدوارد مويا، كبير محللي السوق في شركة "أواندا" للخدمات المالية، أنه في حال بدء تحرك القوات على أرض الواقع، فلن يواجه خام برنت أي مشكلة في الارتفاع فوق مستوى 100 دولار.

ويتوقع المحلل الاستراتيجي المخضرم ديفيد روش أن يصل سعر النفط إلى 120 دولارًا للبرميل وأن يتغير شكل الاقتصاد العالمي "كليًا" إذا هاجمت روسيا أوكرانيا.

ووصف روش في مقابلته مع شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية حالة عدم اليقين بشأن التحركات الروسية ضد أوكرانيا بأنها بمثابة "شبح" قادر على تعطيل الأسواق العالمية، وخاصة النفط والغاز.

وتضع روسيا شرطًا أساسيًا على كييف بمنعها من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"؛ ففي حال اعتراف الناتو بكييف، ستُسبب أزمة شبه جزيرة القرم حربًا شاملة بين الحلف وروسيا، نظرًا لعدم اعتراف أوكرانيا بالاستفتاء في شبه الجزيرة الذي نص على إعادتها لروسيا.

وتتزايد المخاوف بشأن الخلافات حول شبه جزيرة القرم من تفعيل الفصل الخامس في ميثاق الناتو والذي سيؤدي بدوره إلى اندلاع حرب بين الحلف وروسيا، ونظرًا لوجود كمية هائلة من الرؤوس الحربية النووية على الجانبين، فإن الحرب مع روسيا هي شيء لا يمكن لأحد التنبؤ بعواقبه.

وتتوقع بنوك الاستثمار الكبرى في وول ستريت، ومن بينهم "جولدمان ساكس" و"بنك أوف أمريكا" و"جي بي مورجان" و"مورجان ستانلي"، أن تصل أسعار النفط عالميًا إلى 100 دولار للبرميل في وقت قريب للغاية.

ويرى "مايكل ويلسون" كبير استراتيجي الأسهم الأمريكية لدى "مورجان ستانلي" أن الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا قد يدفع الاقتصادات إلى حالة ركود، مما يشكل مخاطر كبرى إضافية على أسواق الأسهم.

 

القارة العجوزة تعتمد على صادرات روسيا من النفط والغاز

وأظهرت الأزمة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا مرة أخرى اعتماد القارة العجوزة الكبير على إمدادات الطاقة الروسية، والتي لا يوجد بديل فوري لها، رُغم جهود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في البحث عن إمدادات إضافية من الغاز الطبيعي المسال لإرساله إلى القارة العجوزة في حال تصاعد الأزمة وتحولها إلى حرب.

وبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لعام 2020، تُصدر روسيا - ثاني أكبر مُصدر للنفط في العالم بعد السعودية - نحو خمسة ملايين برميل يوميا من النفط الخام، وتذهب نصف هذه الصادرات إلى الدول الأوروبية، ما يجعل القارة العجوزة هي سوقها الرئيسي والمصدر الرئيسي لإيراداتها.

وتُشكل عائدات النفط الخام والغاز الطبيعي 43% في المتوسط من إجمالي الإيرادات السنوية للحكومة الروسية بين الأعوام 2011-2020، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

وأظهر مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات) أن صادرات روسيا في عام 2019 إلى الاتحاد الأوروبي من النفط الخام سجلت 26.9%، وسجلت 41.1% صادرات من الغاز الطبيعي، فيما تُمثل المنتجات البترولية، مثل زيوت التدفئة والبنزين ووقود الديزل، 41% من الاستهلاك النهائي للمستخدمين للطاقة في الاتحاد الأوروبي.

وفي عام 2021، ظلت روسيا أكبر مورد للغاز الطبيعي وزيوت البترول إلى الاتحاد الأوروبي.

 

المصالح المُشتركة تقف حاجزًا ضد اندلاع حرب بين الغرب وروسيا

ويُرجح الكثير من المحللون أنه من المستبعد حدوث اضطراب كبير في تدفقات النفط من روسيا إلى أوروبا في المرحلة الحالية نظرًا للاعتماد المتبادل بين أوروبا وروسيا على النفط والغاز؛ حيث أن أي تصعيد للأزمة الأوكرانية سيأتي بتكلفة باهظة الثمن على كلٍ من الاتحاد الأوروبي وموسكو، وذلك في ظل تصدير روسيا لنصف إنتاجها من الخام إلى أوروبا واعتمادها على عائدات النفط بشكل رئيسي والتي تُشكل حصة كبيرة من عائداتها الحكومية، كما تستورد أوروبا أكثر من ثلث الغاز الطبيعي وأكثر من ربع النفط الخام الذي تستهلكه من روسيا.

ويتوقع المحللون أن يتسبب أي فرض من الجانب الأوروبي لأي عقوبات صارمة على صادرات النفط الروسية إلى أوروبا في حرمان القارة العجوزة من أكبر مورد نفطي لها في وقت تكافح فيه حكوماتها في ظل ارتفاع أسعار الطاقة، والتي من المُمكن أن تؤدي بالتالي إلى ارتفاع معدلات التضخم وتباطؤ الأنشطة في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.

وعلى صعيد سوق الأوراق المالية، انخفضت الأسهم الروسية خلال تعاملات اليوم الاثنين قرب أدنى مستوياتها في 3 أسابيع، في ظل مخاوف بشأن غزو روسي وشيك لأوكرانيا؛ حيث تراجع مؤشرها الرئيسي المقوم بالروبل "إم أو إي إكس" بنسبة 3.9% إلى أدنى مستوياته في 18 يومًا، في حين هبط المؤشر المقوم بالدولار "آر تي إس" بنسبة 5.2%، فيما ارتفعت العملة الروسية هامشيًا بنسبة 0.11% عند 77.1219 روبل مقابل الدولار الأمريكي.

 

ارتفاع النفط إلى 100 دولار قد يُفاقم التضخم العالمي

ويتوقع بيتر هوبر، المسؤول في مجلس الاحتياطي الفيدرالي ورئيس الأبحاث الاقتصادية العالمية لدى "دويتشه بنك ايه جي"، أن تُغذي الصدمة النفطية أزمة التضخم واسعة النطاق عالميًا وأن تتسبب في حدوث تباطؤ كبير في النمو العالمي.

ويحذر البنك الأمريكي "جي بي مورجان" من احتمالية تسجيل النفط الخام زيادة إلى 150 دولارا للبرميل والذي سيوقف بالتالي النمو العالمي تقريبًا، ويدفع التضخم إلى مستوى 7%، وهو مستوى أكثر من ثلاثة أضعاف المستهدف من قبل معظم صانعي السياسة النقدية.

وبحسب تحليل بيانات وحدة "بلومبرج إيكونومكيس " للأبحاث الاقتصادية التابعة لوكالة "بلومبرج" الأمريكية، فإن التوقعات بزيادة أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل بحلول نهاية الشهر الجاري من 70 دولارا للبرميل في نهاية عام 2021، ستدفع بمعدلات التضخم بما نسبته نصف نقطة مئوية في الولايات المتحدة وأوروبا خلال النصف الثاني من العام الحالي.