رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«محاولات للحياة».. 4 رحلات في اتجاه الحنين والكتابة والاختلاف والموت

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

عن دار الشروق للنشر والتوزيع صدر كتاب "أربع محاولات للحياة" في 244 صفحة من القطع المتوسط لكل من أسامة علام، أحمد عبد المجيد، نشوى صلاح، مروة سمير.

الكتاب يناقش الكثير من الرؤى حول الحنين، الكتابة، الأبناء، نظرة الآخرين، الندم، الرسائل، العزلة، القراءة، الإلهام، الاختلاف، القارئ، المنافسة بين الكتاب، الموت، الاعتراف، وذلك من خلال أربع وجهات للنظر، وهي فكرة جديدة خاصة وأن كل كاتب غير منوط بالتعبير بحسب رؤية واحدة تجمع الكتاب، وإنما يتدخل في الأمر من حيث رؤيته الشخصية، وبالتالي أصبحت الكتابة عن الحنين ممثلا مملوءة بالحنين إلى أشياء وأشخاص وأيام قديمة.

كل كاتب منهم كان يشرح في مقال له رؤيته حول الموضوع المطروح، ويتحدث عنه بذاتية وتجارب لذلك مثلا كانت هناك الكثير من الذكريات التي وجدت ملاذا آمنا على الورق فراحت تنساب بسهولة وتنصهر على الورق في شكل جمل تعبر عن رؤية الكاتب في هذا الأمر، غير أنه وبما أن الكاتب يعبر برؤيته وقلمه وعصارة قراءاته وتراكماته في هذا الموضوع فجاء مختلفا لا تجمعه لغة واحدة ولا رؤية واحدة وإنما اربع رؤى وأربع طرق لتضمين مفردات تختلف كلية من كاتب لآخر.

وبإمكان القارئ أن يتمعن بعد قراءة أكثر من مقال لشخص واحد ثم يحذف الاسم ليعرف لمن قرا، خاصة أن التفكير واضح في المكتوب برغم انصهاره في اللغة، بإمكانك مثلا أن تعرف في الفصل الأول عن طفولة أحمد عبد المجيد في السعودية، والبيت القديم لنشوى صلاح، وذكريات مروة سمير في البيت، وطفولة اسامة علام في شتاء مدينته الصغيرة.

وكأن كل منهما يواكب حالته في الطفولة، وسيطر عليه الحنين أثناء الكتابة فرجع في السن صغيرا حتى أنك تشعر أن هناك أربع اطفال يلعبون بين ثنيات الفصل الأول، وفي فصل الأبناء يرسل علام رسالة مستقبلية إلى أبنائه، وتتساءل نشوى صلاح عن ماهية هذا الحب العظيم، ويتناول عبد المجيد علاقته بابنته بسنت، وتحكي مروة سمير عن الأمومة.ومجئ بسنت وعلي.

وبالرغم من ارتباط مروة سمير وأحمد عبد المجيد كزوجين ولكن في فكرة الأبناء عبر كل منهما عن محبته بطريقته وباختلاف واضح وفي موضوعات أخرى مثل الكتابة كان لكل منهما رؤية خاصة بحيث تكونت في كل الموضوعات أربع رؤى يمكن مقارنتهم فيكون هنا كأربع وجهات للنظر.

وحين يتناول الكتاب الموت يعبر كل منهما عنه فيذكر علام أن الموت ضيفا دائما في رواياته، الموت الذي يخشاه كل انسي وكيف سيترك من خلفه أرواحا تحتاج له، وكيف واجه علام الموت الرحيم للحيوانات التي يعمل طبيبا لها، كيف يكون الموت هنا علاجا حقيقيا وبالتالي تصطدم أمامه كل التعريفات، الموت هنا للحيوان راحة أبدية من ألم ووجع عظيم وإن كان الموت للإنسان أشبه بقطار يطلق صفيرا حين تهل محطة النهاية فإن الحيوان لا يتظر الصافرة وإنما يرسل للقطار الذي ينتظر على المحطة في كل وقت، وسردت نشوى صلاح تجربة عجيبة للموت أثناء ولادتها لطفلها، وكيف صعدت ورات بعينيها جدسها مسجى على الفراش والاطباء من حولها، كيف غادرت روحها ونظرت لنفسها بعين الروح، وكتب أحمد عبد المجيد مرثية إلى جدته، والمرثية مشبعة بالحنين للحظات قديمة كانت الجدة فيها ملء الروح، وتكتب مروة سمير عن رحيل والدها، وكيف ان الحزن الكبير تصنعه في البدء فرحة كبيرة وهي القاعدة الشهيرة لصنع حدث مأساوي درامي.

لو أن القارئ نزع أسماء الكتاب وعناوين مقالاتهم لجاءت المقالات قصص قصيرة تمتلئ بالألم والفرحة والحزن والسعادة، وقام الكتاب بتضمين مفردات يضمنون بها بقاء القارئ معهم، فيحكون له عن تفاصيل دقيقة بالرغم من انها في حياتهم لكنها عامة وتتشابه مع الكثيرين.

الكتاب في النهاية ولانه لم يكن مقدرا له أن يكون كتابا ولهذا السبب فقد جاء محملا بشحنات كبيرة من هواجس ومخاوف ومعبرا عن أربع رؤى مغايرة مهمة، فهي رؤى كتاب لكل منهم العديد من الأعمال الأدبية لذلك فحتى كتابتهم العادية جاءت سردية جميلة، ومن هنا كان النشر والتضمين جديرا بها حتى تخلد وتوثق، وكان اهم ما فعله الكتاب هو أنهم لم ينساقوا خلف رؤى تعبيرية فلسفية نتاج قراءاتهم، فلم يعبروا عن الموت مثلا بطريقة الفلاسفة وإنما عبروا عنها كأن الموت ليس هو انتقال لجسد لكنه الفقد بمعناه الشمولي، موت الأحباب وفقدانهم وكيف تصلح الحياة من بعدهم؟.

download
download