رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«عمالة الأطفال الإلكترونية».. خطر «البلوجر» الصغير في سوق الشبكة العنكبوتية

أطفال يوتيوبرز
أطفال يوتيوبرز

لا تتعجب حينما تجد طفلًا تحول فجأة ليصبح واحدًا من الأثرياء، ولا تتعجب أيضًا حينما تكتشف أن هذا الطفل مالكًا لواحدة من قنوات «اليوتيوب» تصل أعداد مشاهداتها ومتابعيها إلى ملايين، فأنت إذن أمام طفل ثري شهير على وسائل التواصل يعمل «بلوجر أو يوتيوبر».

وفي الوقت الذي مازال فيه لقب «البلوجر أو اليوتيوبر» يُلاقي مزيد من الجدل حوله، لامتهان كثيرين به نظرًا لمردوده المادي الضخم من مجرد «لايكات» ومشاركات لمحتوى قد لا يقدم شيء على الإطلاق، سرعان ما انتقل الأمر إلى الأطفال ليعملون به هم الآخرين تاركين طفولتهم البريئة سواء رغمًا عنهم أو بإرادتهم باحثين وراء الأرباح السريعة، لنجد أنفسنا وكأننا أمام عمالة جديدة لهم هي «العمالة الإلكترونية» التي تتخذ من شبكات التواصل سوقًا لها.

في «الدستور» نفتح ملف العمالة الإلكترونية للطفل، ومدى تأثيرها على مستقبله النفسي والمهني والأخلاقي.

قد يهدد حياة الطفل 
أوضحت أمل جودة استشاري دعم وحماية حقوق الأطفال أن عمل الطفل كـ«بلوجر أو يوتيبر» قد يهدد حياته الشخصية بتعريضها للخطر نظرًا لكونها تُصبح مُعلنة دائمًا إلى الملايين، ومتاح تفاصيل عنها كثيرة بأغلب الوقت.
وتابعت أن الطفل «اليوتيوبر» في الغالب لا يعيش حياة طبيعية فهو يُردد كلام مُلقن له من قبل ذويه، فيصبح «كالبغبغان» لذا فهذا قد يعرضه لافتقاده عيش المعاني الحقيقية للطفولة. 

أمل جودة/ استشاري دعم وحماية حقوق الأطفال

 

كما أشارت إلى أن وظيفة «اليوتيوبر» تجعل من الطفل نموذجًا للشخص الذي يرغب بالربح والثراء السريع، وبالتالي تفقده الطفل حلم بأن يصبح في كبره ممتهنًا لأعمال تحتاج إلى التعب والمجهود والدراسة مثل مهنة الطبيب والمهندس وغيرها، مما يتسبب كذلك في تراجع مستواه الدراسي.

كما يؤثر هذا الوضع أحيانًا على الجانب الأخلاقي للطفل حسب جودة، حيث ضربت مثلًا أنها شاهدت بإحدى القنوات على اليوتيوب والمملوكة لطفلين ويشترك معهم والدهما بتصويره لفيديوهاتهم، تصوير الطفلتان لنفسيهما فيديو بإحدى المرات وقولهما ما المانع أن نستغن عن «وذكروا اسم أبيهم»، ونأخذ أرباح المشاهدات كاملة، فأوضحت استشاري دعم وحماية حقوق الأطفال أن تلك العبارات ورغم بساطتها وقولها منهم على سبيل الفكاهة إلا أنها قد تحمل معنى انهيار حقيقي في أخلاق هؤلاء الأطفال بتفضيلهما الأموال على علاقتهم بأبيهم، وعدم احترامهم له.

«البلوجرز» هم أشخاص يقدمون محتوى معين يختلف من واحد إلى آخر ويتميزون بتكوين شبكة هائلة من المتابعين.

صدمة حضارية

وأشارت الخبيرة التربوية الدكتورة بثينة عبد الرؤوف في حديثها لـ«الدستور» إلى أنه حتى الآن غير معلوم تأثير عمل الطفل «اليوتيوبر» عليه وعلى مجتمعه وشبهت الأمر بكونه مثل الصدمة الحضارية، موضحة أن ردود الأفعال على هذا العمل قد تكون جيدة بأن تخلق جيلًا ذكيًا من الأطفال يستطيع أن يتعامل مع الوسائل التكنولوجية المختلفة ويسخرها لنفسه، وقد تكون في الوقت نفسه سلبية بخلق جيلًا يعاني من التوحد والعزلة المجتمعية بعيشه في المجتمع الافتراضي فقط.

أما بالنظر للأمر من منظور كونه عملًا للأطفال فأوضحت بثينة أن عمل الأطفال ليس بالأمر الجديد على الإطلاق، بل هو موجود من مئات السنين، مشيرة إلى أنه في القرى والأرياف يخرج الأطفال للعمل على سبيل المثال بموسم جمع القطن ويشاركون في جمعه محققين أرباحًا ليست بالقليلة تمكنهم من مساعدة ذويهم، وفي الوقت نفسه شراء ما يرغبون به، وفوق ذلك يمنحهم هذا شعورًا جيدًا بالاستقلالية، كما أن هذا العمل لا يتسبب في أي ضير للطفل أو إهانة له.

وختمت عبد الرؤوف حديثها موضحة أنه ربما يكمن مربط الفرس هنا في المحتوى الذي سيوجه الطفل لتقديمه من خلال هذه القنوات، مشيرة إلى أنه يجب ألا يتنافى مع القيم والمبادئ التربوية السليمة، بل من الممكن أن يُستغل في نشر قيم ومبادئ تخدم المجتمع وتربي النشء كتوجيه هؤلاء الأطفال على سبيل المثال لاقتطاع جزء من أرباح قناته والتبرع به للفقراء والمساكين وبالتالي، سنكون بذلك صنعنا جيلًا مفيدًا لمجتمعه من صغره حتى ولو كان من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي لا نستطيع أن ننكر تأثيرها.

ولا تتطلب مهنة «البلوجر» مؤهلات خاصة أو إمكانيات خارقة بل كل ما في الأمر جمع الآلاف المتابعين والتفرغ بعض الوقت في اليوم لنشر صورك وتوجيه النصائح، والإرشادات للمتابعين، وتختلف مهنة «البلوجر» وفقا لما يروج له.

لا يوجد قانون يمنعه

من الناحية القانونية، أوضح المستشار نجيب جبرائيل رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان أنه حتى الآن لا يوجد قانون يمنع ظهور الطفل على وسائل التواصل الاجتماعي للعمل كـ«بلوجر أو يوتيوبر»، مشيرًا إلى أن القانون فقط يحظر تعريض الطفل لأي إيذاء بدني ضار أو ممارسة ضارة أو غير مشروعة أو تعريضه للخطر، موضحًا أنه حتى ولو كان في حال فرض القانون عقوبة على أولياء الأمور التي تجعل من أبنائهم «يوتيوبرز» فإن هذا الأمر في الحقيقة من الصعب بل يكاد يكون من المستحيل تحقيقه لكونه متعلق بوسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت التي لا يمكن السيطرة عليها، إلا إذا كان في حالة تقديم الطفل محتوى لا يتناسب مع القوانين المتفق عليها دوليًا كتقديم محتوى يخالف الأخلاق والدين.

 

المستشار نجيب جبرائيل رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان

 

حسب قائمة مجلة «فوربس» لأصحاب أعلى قنوات اليوتيوب مشاهدة جاء على رأس القائمة الطفل «راين كاجي» ذي الـ8 سنوات وربح خلال عام 2019 فقط 26 مليون دولار.

وتضيف المجلة أن الطفل راين تصدر أغنياء اليوتيوب عام 2018 أيضا حينما ربح 22 مليون دولارًا، وأنشأ القناة والده عام 2015 وسماها عالم الراين ليبلغ عدد المشتركين فيها عبر 3 أعوام قرابة الـ23 مليون مشترك.

ووفقًا لموقع «سوشيال بليد» المتخصص في تحليل المحتويات الرقمية فقد نالت فيديوهات راين مجملها 35 مليار مشاهدة بينما تجاوز عدد مشاهدات البعض منها المليار للفيديو.
ويقوم راين في قناته بتحليل وشرح لعب الأطفال، حيث يفتح اللعب أمام الكاميرات، ويشرح طريقة عملها ويقيم مدى جماليتها أو سوء صنعها للأطفال.

كما كشف تقرير أعده موقع «بي بي سي» عن إحصائيات جديدة، حول مكاسب ونسب مشاهدات الأطفال الصغار عبر موقع مشاركة الفيديو الأشهر في العالم يوتيوب، وتوسع صناعة المحتوى الخاص بالأطفال، والعوائد المادية الضحمة التي يجنوها من أرباح صناعة المحتوى.

وذكرت الإحصائية أن نحو 40% من الأطفال الذين بلغوا 14 عامًا أو أقل يشاهدون مقاطع فيديو عبر موقع يوتيوب أو موقع يوتيوب المخصص للأطفال على الأقل مرة في الأسبوع، وأكثر من 60% من هذه الفئة العمرية اشتروا شيئا مما شاهدوه في مقطع فيديو.