رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نعم هناك أمل

 

حتى الأسبوع الماضى لم أكن أرى فى مواقع التواصل الاجتماعى أكثر من مساحة للتنفيس وقتل الوقت والفراغ، خصوصًا مع انتشار ظاهرة التعليقات المستفزة لبعض الصبية والمراهقين، وتطاولات «كل من هب ودب» على كل من يكتب رأيًا، أو يدلى بتصريح لا يعجب البعض، وتفشى ظاهرة القطيع و«ركوب التريند» بين مستخدمى هذه المواقع، على أن أكثر من حادثة تداولتها تلك المواقع خلال الأسبوع الماضى، أكدت لى إمكانية ترشيد هذه المواقع، وتحويلها إلى منصة مهمة، يمكن من خلالها بث بعض الوعى، والأفكار والقيم النبيلة، ولعلها المرة الأولى التى وجدتنى فيها ألتفت إلى سطوة هذه المواقع، وسيطرتها على العقول، وأجد فيها أن لهذه المواقع أهمية، يمكن توظيفها لكى تلعب أدوارًا جيدة فى مجتمعاتنا.

كانت البداية من واقعة الطفل المغربى ريان، وحالة التضامن واللهفة التى انطلقت لتكسو الفضاء الإلكترونى أملًا ورجاءً فى عودته إلى أهله، حتى كدت أظن أن العالم كله قد أصبح على قلب رجل واحد، يتابع عملية إنقاذ ذلك الملاك المسكين، وهو يجلس وحده فى عمق البئر، ويدعو له.

لم يخلُ الوضع بالطبع من بعض المنغصات، و«المشاركات المستفزة والحقيرة»، خصوصًا من بعض الصفحات التى تتكسّب من هذه المواقع، والتى بثت طوال أيام الحفر الكثير من الفيديوهات الكاذبة التى تدعى نجاح عملية خروجه، أملًا فى جذب المشاهدات، لكن ما أراحنى إلى حدٍ ما دعوة الكثير من مستخدمى مواقع التواصل إلى مقاطعة تلك الصفحات الحقيرة، وكتابة تقارير مضادة لها، تكشف حقارتها، وتحث على غلقها.

فى نفس الوقت، حاول البعض استغلال حالة التضامن العالمى مع ريان فى لعب أدوار سياسية، وتوجيه الحديث إلى وجهات وقضايا تبدو إنسانية، حسنة النية، لكنها لم تفلح فى الوصول إلى أهدافها التى لم تكن لتخفى على أحد، وكان نصيبها التجاهل، والاستنكار ممن تعاطوا معها، ليبقى الأمل فى عودة ريان إلى أهله هو المحرك الأول والوحيد للقلوب والعقول التى تعلقت به طوال رحلته المريرة فى غياهب الجُب. ثم جاء وصول منتخب مصر القومى إلى نهائيات كأس الأمم الإفريقية بعد فوزه على منتخب الكاميرون، لتنطلق الفرحة تكسو كل بلدان الوطن العربى، وتظهر معها حالة من الوحدة التى طالما تنشقناها، ولم نصل إليها من قبل إلا فى حالات نادرة، فيديوهات النصر، وهتافات الفرح التى ملأت الفضاء الإلكترونى، وكل مواقع التواصل، والتى أخذت تتوالى من الجزائر وتونس والمغرب وقطر وفلسطين، والسعودية والإمارات واليمن، ومن كل أنحاء الوطن العربى، كلها لم تكن وليدة الصدفة، وكشفت عن حالة من المحبة العميقة والمتأصلة لدى جموع العرب لمصر وأهلها، طالما أنكرتها جماعات الظلام ودعاة الفُرقة والكراهية.. صاحبتها الكثير من تغريدات المحبة، وقصائد الغزل فى «جنود مصر» الأقوياء، المنتصرين فى كل مناحى الحياة.

وبالطبع لم يخلُ الأمر من بعض المنغصات الصغيرة، خصوصًا من «صبية المؤامرة»، والمتنمرين، ومراهقى مواقع التواصل الذين تتقمصهم حالة «شرطى الأخلاق الحميدة»، وكان صيدهم هذه المرة فى صورة النائبة المحترمة أميرة العادلى وهى تشعل سيجارة فى مدرجات المباراة، والحقيقة أننى كنت أفضل عدم الالتفات إلى ما كتبوه، وتجاهلهم تمامًا، لا لشىء إلا ليقينى التام من أن معظم تلك الكتابات يعود إلى صبية ومراهقين من ساكنى العشوائيات والقرى البعيدة، وممن يقتلهم الفراغ على كل المستويات، أو إلى كارهين لكل ما هو مصرى ووطنى وحر، إلا أننى تراجعت عن هذا التصور عندما قرأت ما كتبته أميرة ردًا على ما تداولته تلك الصفحات، ورغم أننى لا أعرف أميرة بشكل شخصى، فإننى شعرت بعد قراءة ردها بفخر أنها من بين أصدقائى على موقع «فيسبوك»، خصوصًا أننى أحرص بصورة دورية على تنقية صفحتى من الصبية والمراهقين والمتخلفين والإخوان، فقد كان ردها واضحًا وحاسمًا، وجاء ليغلق أى باب للتنمر عليها، أو للصيد فى الماء العكر، يعبر عن عقل منظم وحر، ولا يقبل المهادنة، أو المزايدة عليه من أحد، وهو ما أدى إلى تواتر الكتابات المؤيدة لها، والمعبرة عن أهمية احترام الحرية الشخصية للجميع، والاعتزاز بالصديقة النائبة، وقدرتها على المواجهة والحسم، على أن أكثر ما لفت انتباهى فى الأمر هو تحول «التريند» إلى دعم لأميرة فى مواجهة قطيع المتنمرين، وإلى دعم للحرية الشخصية، وإدانة لكل متنمر، متطفل، متخلف. وهو ما زاد فى قلبى من الأمل فى أنه ما زالت هناك إمكانية لترشيد استخدام مواقع التواصل الاجتماعى، وتوجيهها إلى أدوار أفضل فى خدمة مجتمعاتنا.. أدوار تشبه تلك التى وحدتنا فى الدعاء لريان، والغناء للمنتخب المصرى، والانتصار لأميرة.

نعم هناك أمل.