رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المسرح الحر.. خزان مواهب الفن المصرى فى ٣٠ عامًا

المسرح الحر
المسرح الحر

أسرار الفرق التى قدمت نجوم الفن

اعتماده على فكرة «الجماعية» أنهى زمن «سيطرة المخرج أو الممثل»

على فرق هذا اللون البحث عن توجيه خطاب يكون ابنًا شرعيًا للواقع

تجربة جديدة خلقت فضاءات مغايرة فى الرؤية والكتابة والأداء والإخراج

استغل المسرح الحر تراجع المسرح الرسمى الذى يعانى تدهورًا منذ أكثر من 30 عامًا

على مدى الثلاثين عامًا الماضية، شكلت فرق المسرح الحر خزان مواهب للسينما والتليفزيون فى مصر، بدأت الظاهرة بفرق صغيرة يكونها مسرحيون شبان، لم يكونوا موظفين فى مسرح الدولة، ولا منتمين إلى مسرح القطاع الخاص، لذلك سميت هذه الفرق بفرق المسرح الحر أو المستقل، على مدى سنوات قدمت هذه الفرق مواهب لامعة، ففى مسرح الشارع، لمعت موهبة عبلة كامل، وأحمد كمال، وفى فرقة الورشة المسرحية لمعت مواهب سيد رجب، وعارفة عبدالرسول، ودينا ماهر، وآخرين، وعلى مسرح الهناجر تألقت موهبة خالد صالح فى «طقوس الإشارات والتحولات»، وخالد الصاوى فى «اللعب فى الدماغ» ولمع مخرج مسرحى هام جدًا هو محمد أبوالسعود من خلال عروض فرقة «الشظية والاقتراب».. وانطلاقًا من إيماننا فى «الدستور» بدور المسرح فى تربية العقول، ومقاومة التطرف، وبكونه جزءًا لا يتجزأ من العدالة الثقافية، فإننا نفتح فى «الدستور» ملف فرق المسرح الحر فى مصر، وما الذى نحتاجه حتى تكون لدينا فرقة مسرحية فى كل حى وقرية فى مصر.. انطلاقًا من إيماننا بالدور الثقافى للصحافة وضرورة مساندتها لكل أشكال الفن الجاد والمقاوم للتطرف.

إذا كان العنصر الجمالى «يسود فى المجتمعات التى تتمتع بصحة جمالية إبداعية»، على حد تعبير بيتر فوللر، فإن تجربة المسرح الجديد فى مصر قد خلقت فضاءات مغايرة فى الرؤية والكتابة والأداء والإخراج.

هذه الفضاءات تأتى- فى كثير من الأحيان- خارج المسرح الرسمى، الذى يعانى من التدهور منذ أكثر من ٣٠ عامًا، نتيجة غياب الوعى بأهمية المسرح فى الحياة، فأصبح كثير من مسارح الدولة يعيد إنتاج ما سبق، وفى بعض الأحيان يغلق أبوابه لأنه لا يجد ما يقدمه، أو هكذا يظن، وكأن معين الإبداع قد نضب، وتصبح المسألة فى النهاية مجرد ميزانيات وموازنات مالية يجب أن تسوى فى نهاية كل عام وفقط.

لذا وجدنا تلك الفرق- التى اتخذ كثير منها طابع الاستقلال النسبى عن المؤسسة الثقافية الرسمية- تلجأ إلى الجهود الذاتية فى تمويل أعمالها الفنية، ولجأ بعضها الآخر إلى التمويل من المراكز الثقافية الأجنبية فى مصر.

وجدنا بعضها أيضًا يقيم مؤسسات ثقافية صغيرة يكون المسرح أحد أنشطتها، مثلما فعلت «فرقة الورشة»، وكذلك ما فعلته فرق: «المسحراتى» و«أتيليه المسرح» و«الضوء» من تكوين «ملتقى للفرق المستقلة». فى حين نرى أن غالبية هذه الفرق وقف الجانب المالى حجر عثرة فى طريقها فتوقفت.

وفى نهاية التسعينيات، كانت هناك اجتماعات لتكوين «اتحاد للفرق المسرحية المستقلة»، دُعيت إليه كل الفرق الصغيرة والكبيرة، لكن بعض أشهر عدة من الاجتماعات المتواصلة لم يصلوا إلى صيغة لتكوين مثل هذا الاتحاد، فانشغل الداعون إليه بمشاريعهم الخاصة، واعتمدوا على جهدهم الفردى فى تقديم عروضهم.

لكن قبل ذلك كانت هناك فكرة إقامة مهرجان لهذه الفرق المسرحية فى عام ١٩٩٠، وجاءت فكرة إقامة «المهرجان الحر الأول» كبديل عن المهرجان التجريبى بعد إلغائه فى دورته الثالثة بسبب حرب الخليج الأولى، وبالفعل أقيم فى الفترة من ١ إلى ١٠ أكتوبر ١٩٩٠.

ورأت مجموعة من الفنانين أصحاب الفرق الحرة، أن هناك مجموعة من العروض غير التابعة للمؤسسة، ويمكن عرضها فى إطار من العمل الجماعى، فبدأت هذه المجموعة فى إقامة عدة اجتماعات بنقابة المهن التمثيلية التى كان يرأسها المخرج السيد راضى، وسط دعم وتأييد للتجربة من قبل نقاد كُثر، باعتبارها تشكل تيارًا جديدًا خارج إطار المؤسسة الرسمية، ومنهم د. نهاد صليحة، ومنحة البطراوى، وحازم شحاتة، والشاعر الراحل عمر نجم، ومايسة زكى. 

وتكونت لجنة عمل انبثقت منها عدة لجان فرعية، كان أهمها لجنة الدعاية والنشر برئاسة منحة البطراوى وطارق سعيد، وكانت مهمتها الأساسية التنسيق مع البيت الفنى للمسرح، الذى كان يرأسه، فى ذلك الوقت، المخرج الراحل كرم مطاوع، من أجل تخصيص مكان للعروض المسرحية، والتنسيق فى نفس الجانب مع دار الأوبرا المصرية وهيئة الكتاب لطباعة «بوستر» المهرجان، الذى شاركت فيه فرقة «الضوء» بعرض «العابرون» و«العرض الأخير» إخراج طارق سعيد، وفرقة «لقاء» بعرض «لغة الجبل» إخراج خالد جلال، وكانت العروض بمثابة تعريف بهذه الفرق، دون أن تكون هناك لجنة تحكيم أو جوائز.

ومن فوائد المهرجان الأول اشتراك أكثر من ٢٠ فرقة قدمت عروضها المسرحية على مدار ١٠ أيام، بواقع ٣ عروض يوميًا، وزعت بين مسرح العرائس ومسرح محمد فريد ومسرح الأوبرا الصغير والمكشوف ومسرح الغرفة، بالإضافة إلى وجود نشرة يومية اختير لها مسمى «لقاء»، وسط دعم نقابة الممثلين المهرجان.

وربما لم يبق فى المؤسسة الرسمية سوى مسرح الهناجر، الذى تبنى بعض التجارب لفرق مثل «الشظية والاقتراب» و«المسحراتى» و«لاموزيكا» و«الحركة» التى حقق عرضها «اللعب فى الدماغ» نسبة مشاهدة مرتفعة ونجاحات نقدية منقطعة النظير.

ومع ذلك يبقى التمويل قضية أساسية فى بقاء واستمرار مثل هذه التجارب، والتى تعتمد على ابتكار طرق مغايرة للفضاء المسرحى، وتسعى إلى «ما وراء الخشبة»، أو بمعنى أدق إلى «ما وراء القاعة»، وهذا يذكرنا بالمؤلف المسرحى لويجى بيرانديلو، ومعادلته المعكوسة فى الشخصيات التى تبحث عن مؤلف.

كذلك من خصائص هذه التجربة فكرة التأليف والتصميم الجماعى، والتى تصنع المكونات المسرحية تحت مجهر التجريب، ما يجعل الواقع فى حيز المسألة، وإذا كانت هناك فترة من الحركة المسرحية انحاز فيها المسرح إلى ما يمكن أن يسمى بـ«مسرح المخرجين»، خاصة فى فترة الستينيات، والذى لعب فيه المخرج الدور الرئيسى فى تحريك العملية المسرحية، وكان صوته هو الأعلى، فرأينا أسماء مخرجين ممن تتلمذوا على يد زكى طليمات، أمثال كرم مطاوع وحمدى غيث ونبيل الألفى وغيرهم، فإن مرحلة المسرح المستقل، هى مرحلة يمكن أن أسميها بـ«مرحلة المسرح الجماعى» نظرًا لتعدد التفاصيل والمصادر التى يستقى منها العرض.

فلم تصبح للمخرج سلطة مطلقة فى تحريك بنية الأداء، ولم يصبح الممثل هو ذلك النجم الذى يزهو على الخشبة، ولم يصبح النص هو الدائرة المحكمة غير القابلة للتغيير، بل أصبح الجميع موضع مساءلة من الجمهور، الذى أصبح ذاتًا فاعلة فى تكملة البنية الجمالية للعرض.

ولهذا، على مثل هذه الفرق أن تسعى جاهدة لحل المعضلة الكئود التى حيرت كل عمل بالمسرح منذ فجر تاريخه، وهى كيف يكون خطابهم المسرحى ابنًا شرعيًا للواقع؟.