رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

توقعات عام 2022«3»

تناول الجزآن السابقان من تلك السلسلة، المحاور الرئيسية لمطبوعة «توقعات ٢٠٢٢» الصادرة عن المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، وهى الإصدار السنوى للمركز الذى يقدم فيه استشرافًا مصريًا لأبرز قضايا الإقليم والعالم، فضلًا عما هو متوقع أن يجرى فى مصر أيضًا خلال العام الجديد.

فى تلك الحلقة نتناول محورًا بارزًا له ارتباط بقضية الأمنين الإقليمى والعالمى، وهو محور حالة الإرهاب الذى يتناول ثلاث قضايا رئيسية، يرى الخبراء والباحثون بالمركز المصرى أنها معبرة عن مجمل حالة الإرهاب، وهى عودة حركة «طالبان» لحكم أفغانستان، فضلًا عن قضية المقاتلين الأجانب وعودتهم لدولهم الأصلية، والصورة المتوقعة لتنظيمى «داعش» و«القاعدة» خلال العام الجديد.. باعتبار تلك التفاعلات تعد الأكثر أهمية بالنسبة للمصالح السياسية والأمنية المصرية، خاصة فى دائرة الجوار والأمن الإقليمى الحيوى لها.

المحور الأول جاء بعنوان رئيسى «حالة الإرهاب» وآخر فرعى شارح ودال على استشراف أن هناك «بيئات سياسية طاردة، وأخرى جاذبة» تؤثر بشكل كبير فى حالة الإرهاب بصورة عامة. هذا الأمر استند إلى التطور النوعى اللافت الذى شهده الإرهاب خلال عام ٢٠٢١، فقد أصبح البُعد السياسى فى تحركات التنظيمات الإرهابية أكثر وضوحًا، ومارست العنف لأغراض سياسية وليست أيديولوجية أو عقائدية، الأمر الذى يشير إلى تعمق علاقة الارتباط بين الإرهاب والتفاعلات السياسية، سواء داخل الدول، أو على مستوى العلاقات الدولية. 

فبالرغم من أن العلاقة بين الإرهاب والسياسة ليست أمرًا جديدًا، فإن الجديد فى هذه الرابطة تبلور فى عدة اتجاهات أهمها: أولًا، وصول جماعة إرهابية لقمة السلطة السياسية، فحركة «طالبان» بما حققته من نجاح لا يقف عند وصولها لحكم أفغانستان، بقدر ما يظهر فى إجبارها للقوة العظمى الولايات المتحدة الأمريكية على تغيير مبدأ «لا تفاوض مع الإرهابيين». فالخطورة الجوهرية تكمن فى المغزى، كون استخدام العنف المفرط يمكن أن يضمن للتنظيمات الإرهابية القدرة على إحداث تأثير سياسى، وقد يصل بها للحكم. ثانيًا، انعكاس التغير فى سياسات بعض الدول على الإرهاب، حيث غيرت بعض الدول مواقفها من قضية عودة المقاتلين الأجانب، سواء كاستجابة لضغوط المجتمع الدولى أو لأسباب إنسانية، لكن هذا التغير رغم محدوديته، فإنه يمثل بداية لتحريك التعامل الإيجابى مع القضية، وكان بعض الدول الآسيوية قد بادرت باستعادة هؤلاء المقاتلين فى أعوام سابقة، لكن استجابة الدول الأوروبية كانت هى الأوضح فى العام المنصرم.

وعلى صعيد آخر له أيضًا ارتباط بالعوامل السياسية المؤثرة، جاء قيام فرنسا بإعادة تنظيم وجودها العسكرى فى منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، بمغادرة القواعد الواقعة فى أقصى شمال مالى «كيدال وتمبكتو وتيساليت» والتخطيط لتقليص عدد قواتها فى المنطقة بحلول عام ٢٠٢٣، ليتراوح بين «٢٥٠٠ و٣ آلاف» عنصر، مقابل أكثر من «٥٠٠٠» حاليًا.

هذا التخفيض الفرنسى وسبقته الولايات المتحدة فى قوات «الأفريكوم»، محفز لمزيد من النشاط الإرهابى فى هذه المنطقة، وهذا الاتجاه مرشح للتزايد نتيجة ضعف المؤسسات الأمنية والعسكرية لدول هذه المنطقة، الأمر الذى قد يدفع التنظيمات الإرهابية، خاصة «داعش» و«بوكو حرام» وفروعهما، لتطوير حضورهما كقوى سياسية مؤثرة، أكثر من كونهما تنظيمات إرهابية.

ثالثًا، ما يخص تنظيم الإخوان والتطورات السياسية التى بدا تأثيرها فى العام ٢٠٢١ على التنظيم فى أكثر من ملمح، أولًا: أن التغير النسبى فى السياسة التركية تجاه الدول العربية مثّل متغيرًا مؤثرًا على تنظيم الإخوان، ففى إطار اتجاه تركيا لتحسين العلاقات مع كل من مصر والإمارات والسعودية، حدت نسبيًا من دعمها لعناصر التنظيم فى الداخل التركى أو لفروعه الخارجية، وهو ما انعكس على التنظيم، وزاد من أزمته الداخلية. ثانيًا، مثّلت القرارات السياسية التى اتخذها الرئيس التونسى قيس سعيد، ضربة قوية للتنظيم ليس فى فرعه التونسى «حركة النهضة» فحسب، بل مثّلت مؤشرًا واضحًا على انحسار شعبية التنظيم فى المنطقة لأقصى مدى بعد وصمه بالفشل السياسى الواضح. الملمح الثالث لا يقل أهمية عن سابقيه، فما تقوم به فرنسا من قيادة لاتجاه محاصرة حركات الإسلام السياسى فى الداخل الفرنسى يتبعها فيه العديد من الدول الأوروبية الأخرى، وهذا التوجه يمثل تقييدًا للمنظمات التى تتبع الإخوان فى أوروبا، والتى ظلت لعقود تمثل ملاذًا لعناصر الإخوان ومجالًا حيويًا للحركة والاستثمار التنظيمى والاقتصادى، الأمر الذى يدفع لتوقع بحث هذه المنظمات عن أماكن جديدة للعمل الآمن، مثل كندا والولايات المتحدة. هذا كله يجرى على خلفية الأزمة العميقة بين قيادات وأجنحة الإخوان الداخلية الذى يمكن اعتباره هو الآخر نوعًا من أشكال الصراع السياسى على السلطة داخل التنظيم.

القضية الرابعة التى يتناولها محور «حالة الإرهاب»؛ تقف على إعادة تشكيل العلاقات بين التنظيمين الأكبر فى ساحة العمل المسلح على مستوى العالم، وهما «داعش» و«القاعدة»، حيث يواجه التنظيمان عدة متغيرات يمكن أن تشكل دافعًا لإعادة صياغة العلاقات بينهما، أهمها ما تعهدت به حركة «طالبان» بتقويض أى عمليات إرهابية ضد المصالح الأمريكية، بما يؤشر إلى احتمالية كبيرة لتزايد المواجهات بين حركة طالبان من جهة وتنظيم «داعش» بالأساس، وبدرجة أقل تنظيم «القاعدة». هذا قد يعطى فرصة محتملة للتعاون بين التنظيمين أو بعض من فروعهما، مثل فرع «ولاية خراسان» التابع لداعش، مع تكوينات من القاعدة التى لا تزال رابضة فى الساحة الأفغانية. لكن الضعف النسبى لتنظيم القاعدة على مستوى القيادة أو الفروع، بغض النظر عن أسباب هذا الضعف، فإنه قد يحفز داعش لتغيير اتجاهه من القاعدة، سواء للتقارب أو للصدام، كما يجرى الحال فى منطقة الساحل الإفريقى، الذى يشهد معادلات مغايرة لما يجرى فى أفغانستان، فهناك التنافس مستعر بينهما، وداعش فرض معادلة ميراث بالقوة لما زرعته القاعدة فى تلك المنطقة لسنوات، ولا يقبل بأقل من القيادة فى منطقة تمتد على مساحة جغرافية هائلة تشمل خمس أو سبع دول إفريقية على الأقل. ولذلك يظل الإفراط فى العنف الذى يعتمد عليه التنظيمان لم يمكنهما من تحقيق نجاح سياسى حتى الآن، يقترب من نجاح طالبان فى الوصول للحكم الرسمى، لكن هذا قد يدفعهما لتطوير تكتيكات العمل المستقبلى أو يتجها لتوزيع الأدوار بينهما فى مناطق وجودهما، من أجل الوصول إلى حلم السيطرة الشاملة وإرساء حكم «الخلافة» الذى يجرى التخطيط له. وهناك مؤشرات عدة ترجح إمكانية نجاح ذلك فى بعض مناطق دول الساحل الإفريقى، استثمارًا لحالة الوهن الأمنى والسيولة الحدودية بين تلك الدول، بالنظر أيضًا لخروج وانحسار القوى الدولية التى كانت تقدم مساحة من الدعم الأمنى لأنظمة تلك الدول.