رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

داوود عبد السيد، لا تعد!


لم يكن خبر انسحاب داوود عبد السيد من ساحة الفن بالخبر الهين، والرجل لم ينسحب لأسباب صحية مثلا، وإلا كان عذره معه، وإنما أعلن أن "الساحة الفنية صارت للتسلية وأن الفرص الجادة للعمل لم تعد موجودة"، وأظنه هنا كان يحمل التسلية على معنى اللهو الفارغ، ولا يقصد البتة معناها المحبب الذي هو "إدخال السرور على النفس وإبعاد الضيم عنها" فهذا المعنى المحبب مقبول عنده وعند أمثاله من السينمائيين الجادين على ما أعتقد؛ فهم يوقنون بأن في الفن شقا هكذا، ولا بأس به، بالذات مع إتقان توظيفه لخدمة الأفكار!
داوود مخرج علامة، وليس بالمخرج الذي تدخل فيلمه وتخرج منه وليس في بالك إلا الأبطال، هو سيد أفلامه، بالرغم من عنايته بشخصياته أكثر من موضوعاته، ومشاهده، خصوصا المثقف المتمرس، يشعر بدسم وجبته.  
داوود المولود في 23 نوفمبر 1946 يميل إلى التصوير في الأستوديو؛ يقول عن تلك الخصيصة فيه: لا أكره التصوير في الأستوديو، بالعكس أفضله، وهذه هي السينما، أن تكون لك الحرية في فتح الحائط الرابع للديكور، وأن تعيد الواقع في شكل قد يكون أقوى اكتمالا من الواقع الفعلي (!)
ذكرت هذا التصور، تحديدا، لديه لأنه تصور مفتاحي لشخصيته، إنسانا ومخرجا، فمن الجهة الإنسانية يعبر تصوره عن صدقه الشديد؛ فيبدو كمن يقول لراغبي تياره: أنا ألعب لعبتي الشهية بطريقتي.. أبني بيتا وحين أنتهي أهدمه.. أصنع شجرة ولا أزرعها.. أستدعي بحرا ولا أذهب إليه.. لكنني في بنائي وصنعي واستدعائي أكون بالغ الوفاء والأمانة، فوق الحقيقة، وإن كنت غيرها!
ومن الجهة المهنية يعبر عن محبة للسينما تتخطى محبة الواقع؛ فأمنيته الخفية الظاهرة أن يكون الواقع الفعلي مكتملا كاكتمال الأستوديو الذي يحاول محاكاة هذا الواقع الفعلي أصلا، وهي عملية مركبة للغاية، لكنها تشير إلى إيثار الواقع الخيالي على الفعلي؛ ومن ثم تبرر قلقه الشديد لو شعر بتهديد واقعه الأثير!
وضع عبد السيد شروطا لعودته، يمكن الاطلاع عليها, لا يضغط أحدا بذلك، وإن حق له الضغط، أعني حق لتاريخه المهم، كل ما هنالك أنها شروط علاجية إصلاحية عامة، من شأنها تصحيح الوضع وتعديل المسار، للجميع وليس لحالته
وحده..
لا أناشده العودة بالمناسبة، بل أنصحه بالإصرار على الابتعاد لو وجد فيه أمانه النفسي الحالي المفقود، لا سيما وهو خالد مهما اقترب أو ابتعد..
من أعماله في مجال السينما التسجيلية: وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم، العمل في الحقل، عن الناس والأنبياء والفنانين.
وفي مجال الأفلام الروائية الطويلة: الصعاليك، البحث عن سيد مرزوق، أرض الأحلام، الكيت كات، سارق الفرح، أرض الخوف، مواطن ومخبر وحرامي، رسائل البحر، قدرات غير عادية.. (قام بتأليف معظم أعماله، ووضع السيناريو لبعضها).