رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى جرائم الابتزاز.. الأسرة هى مصدر الحماية

 

فى منحى خطير لجرائم التهديد والابتزاز عبر استخدام التقنيات الحديثة بتركيب الصور وفبركتها، كانت واقعة انتحار بسنت خالد البنت القاصر اللى تم دفعها للانتحار نتيجة للضغوط النفسية اللى وقعت عليها من أطراف كتيرة، بسنت الطفلة ماتت روحها قبل ما تقدم على الانتحار بتناول "حبّة الغلّة"، بسنت اللى قالت فى رسالتها الموجعة "أنا بنت صغيرة يا ماما" كآخر صرخة فى وجه الجميع القاسى، بسنت ماقدرتش وحدها إنها تجابه كل تلك المعايرات والتنمر اللى هلهل روحها، ومزع كرامتها وجعلها فى مواجهة وحوش أظهرت أنيابها بفخر، ووحوش أخرى خفية لم ترها، ولكن كانت تشعر بيها وهى بتنهش روحها وتمزق سيرتها فى قريتها، وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، وده لأنها كبنت إتربت على القيم والعادات والتقاليد الصارمة فى مجتمع ميراثه التاريخى يراها وغيرها من البنات عورة من الأساس، لم تستطع أن تواصل الحرب ضد الظلم والظلام اللى لقت نفسها محاطة به.

بسنت كبنت حفظت دروس القيم والعادات من الأسرة والمجتمع، وحافظت على نفسها وفق بصمة الميراث الاجتماعى والدينى، إلا أن المجتمع لم يساندها ولم يحفظ إنسانيتها وطفولتها، ولم يراع أحد نظرة الأمل فى عينيها اللى كانت بتبحث عن نقطة نور تتمسك بيها عشان تعيش حياتها البسيطة وتسير فى طريق مستقبلها بسلام.

الجميع وقف يتفرج على روحها المسفوحة على صفحات التواصل وبين أهل قريتها الذين صدقوا صورًا مفبركة بواسطة "ذئبين بشريين" لعقابها على عدم الانصياع لابتزازهما، وقد نفذا التهديد بنشر صور مركبة زائفة لها، ليتفرج أهل القرية ويعايرها مُدرّسها اللى سخر منها أمام زميلاتها اللى ضحكوا، وكانت بسنت هدفًا للسخرية والمعايرة الوقحة من مجتمعها الصغير اللى المفترض كانوا أول المساندين ليها، لكن للأسف، لم يصدقها أحد وهى تبكى لتدفع عن نفسها باطلًا عشش فى نفوس الجميع.

الجميع مدان فى إزهاق روح بسنت، الجميع شارك فى دفعها للانتحار، سواء بعدم تربية أولادهم اللى ارتكبوا الجريمة المركبة، أو اللى تداولوا الصور المفبركة، أو بالصمت أو بالمعايرة، بداية من الأسرة اللى ما دافعتش عن بسنت وكان الأب راح مع كبار القرية لأهالى "الذئاب القتلة" اللى فبركوا صورها، وكمان مارحش بلغ الجهات المعنية البوليس ومباحث الإنترنت، وأهل القرية مُدانون لأنهم ما صدقوش بسنت ومسكوا المجرمين دول كأى قتلة وسلموهم للبوليس، ومُدرّسها اللى سخر منها وعايرها ده لازم يتحاسب أصلًا، ده شريك فى دفعها للانتحار.

والآن، بعدما انتشرت حالات الانتحار بتناول "حبّة الغلّة" فى محافظات الدلتا والصعيد لاحتوائها على مادة "فوسفيد الألومنيوم" السامة، وبتحتوى على مبيدات حشرية بيستخدمها المُزارعون فى حفظ محصول القمح من التسوس، وهى الوسيلة اللى انتحرت بيها بسنت خالد.

والانتحار بـ"حبّة الغلّة" بتتعامل معها المستشفيات باعتبارها حالات تسمم، ولكن الواقع إن مالهاش علاج أو أى دواء لتقليل أثرها أو مخاطرها، وعشان كده بيقتصر العلاج على الغسيل المعوى بس، ولازم يكون خلال فترة زمنية قصيرة بعد تناولها، ولكن أغلبية الحالات بتنتهى بالموت. 

وده دفع النائبة أمل سلامة عضو لجنة الإعلام بمجلس النواب، فى شهر يونيو الماضى إنها تتقدم بطلب إحاطة طالبت فيه الدكتور السيد القصير، وزير الزراعة، والدكتورة نيفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة، بحظر تداول "حبوب الغلة" القاتلة من الأسواق المصرية. وعلى ضوء ده، أصدرت لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب توصيات مهمة لمنع تداول أقراص "حبّة الغلّة" المستخدمة فى تخزين الغلال وده لكثرة الأضرار، وشددت لجنة الزراعة البرلمانية المصرية على تفعيل الضوابط التى اتخذتها من قبل لجنة المبيدات الزراعية فيما يخص تقنين استخدام الأقراص المستخدمة فى تخزين الغلال، وتشديد الرقابة على منافذ بيع المبيدات الزراعية والصيدليات البيطرية اللى بتبيع "حبّة الغلّة" بلا ضوابط. وفى دراسة بعنوان "مشكلة الانتحار فى المجتمع المصرى"، نشر المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية رسومًا بيانية أوضح من خلالها زيادة أعداد المنتحرين؛ لتصل لأعلى معدلاتها فى عام ٢٠١٨، بواقع ١٫٣١ شخص لكل ١٠٠ ألف من السكان. أكدت الدكتورة سالى عاشور، مدرس العلوم السياسية بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن الدراسة حاولت حصر أعداد المنتحرين فى مصر لسنة ٢٠١٨، وأنها أجريت بعد مراجعة تقارير جميع الجهات الحكومية، زى تقارير الأمن العام، مركز التعبئة والإحصاء، معهد السموم، بالإضافة لتقارير النيابة العامة.

وبحسب تعريف علم الاجتماع، ومنظمة الصحة العالمية فإن الظاهرة هى المشكلة أو القضية التى تثبت إحصائياتها أنها فى نسبة تصاعدية دائمًا وبأعداد منتظمة. وأعداد المنتحرين فى مصر ليست فى زيادة منتظمة، بل إنها أقل من معدلات منظمة الصحة العالمية، التى أقرت أنه يمكن أن تكون هناك مشكلة عندما تتراوح أعداد المنتحرين بين ٢ - ٤ لكل ١٠٠ ألف من السكان، بينما فى مصر أعداد المنتحرين هى ١.٣١ لكل ١٠٠ ألف من السكان. وبالتالى فإنه وفقًا للأرقام التى استخلصتها الدراسة، فإن الانتحار ليس ظاهرة فى المجتمع المصرى.

خلينا نعرف الشق القانونى فى حالة التهديد والابتزاز اللى أدى لانتحار بسنت خالد، بحسب رؤية الخبير القانونى أشرف ناجى المحامى "إن الجناة ارتكبوا العديد من الجرائم بالفعل، وإن القانون الواجب تطبيقه على المتهمين هو أنهم سوف يعاقبون طبقًا لنصوص مواد القانون ١٤١ لسنة ٢٠٢١ الذى شدد عقوبات التحرش وشدد العقوبات المنصوص عليها فى المواد ٣٠٦ مكرر (أ) و٣٠٦ مكرر (ب) التى تنطبق على الواقعة الماثلة، والتى نصت فيه المادة ٣٠٦ مكرر (أ) على معاقبة الجانى بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز أربع سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على مائتى ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير فى مكان عام، أو خاص، أو مطروق بإتيان أمور، أو إيحاءات، أو تلميحات جنسية، أو إباحية سواء بالإشارة أو القول أو الفعل بأى وسيلة بما فى ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية أو أى وسيلة تقنية أخرى كأداة للتحرش الجنسى".

مادة ٣٠٦ مكرر (ب) تنص على "يُعد تحرشًا جنسيًا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها فى المادة ٣٠٦ مكرر (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجانى من المجنى عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية ويعاقب الجانى بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، فإذا كان الجانى له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجنى عليه، أو مارس عليه أى ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه، أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر، أو كان أحدهما على الأقل يحمل سلاحًا، تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات». وحيث إن جميع الجرائم التى ارتكبها المتهمون هى جرائم مرتبطة ارتباطًا لا يقبل التجزئة فإنه يوقع العقوبة الأشد طبقًا لنص المادة ٣٢ عقوبات، وبالتالى فالعقوبة الأشد على هؤلاء المتهمين هى الحد الأقصى للأشغال المؤقتة التى لا تقل عن سبع سنوات، ولا تزيد على ١٥ سنة، وإن استعمل القاضى الرأفة معهم لصغر سنهم فإنه لن تقل العقوبة عن السجن لمدة عشر سنوات.

وأخيرًا، خلينا نعرف إن مباحث الإنترنت حددت الرقم (١٠٨) بإدارة مكافحة جرائم الحاسبات كخط ساخن للإبلاغ عن جرائم الابتزاز، وكل الجرائم الإلكترونية.