رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اختراع رأس السنة.. كيف كان؟

بادئ ذى بدء أطيب التمنيات بسنة سعيدة على جميع سكان كوكبنا الأزرق، كوكب الإنسان العاقل، ونرجو المزيد من السعادة لجنسنا البشرى والمزيد من رعاية مشاكل البيئة التى تهدد مظاهر الحياة بكل فروعها وليست حياة جنسنا البشرى فقط.

ولن تحصل البشرية على سعادتها إلا بالمزيد من العقلانية واتباع المنهج العلمى، وقبل ذلك وبعده المزيد من النزعة الإنسانية التى تطورت وترقّت عبر العصور.. ودعونا نتساءل معًا: لماذا أول يناير هو أول السنة وليس أول سبتمبر مثلًا؟ ولماذا نحن سنة ٢٠٢٢ ولسنا فى سنة ٦٢٦٣؟ وقبل هذا لماذا هذا التقويم الذى صنعه الإنسان؟

جعل البشر التقويم لتنظيم حياتهم ولترتيب أمورهم ومواعيد حوائجهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكانت للناس علامات لبداية السنة والشهر، ولم تكن أفضل من علامات السماء من فوقنا التى نراها جميعًا كالشمس والقمر ونجم الشعرى أو بعض الكواكب كالزهرة وغيره.

وكانت الشمس ولا شك هى الأظهر والأوضح والأنفع للحياة البشرية، وهى بجانب هذا يرتبط بها تبدل المناخ وتغير الفصول على كوكبنا، مما له تأثير بالغ على الزراعة ومواسم الزرع والحصاد.

بينما كان القمر هو الأجمل والأسهل فى حساب الشهور، فبظهور القمر يُحسب الشهر وبغيابه ينتهى الشهر، وكان ذلك يُسهل على البسطاء حساب التعاملات المالية والتجارية وإتمام طقوس الزواج، فما أسهل أن يقول الإنسان البسيط سأدفع لك كذا وكذا أو أُزوجك ابنتى بعد الهلال الرابع أو الخامس، وكان هذا النظام أنفع لشعوب أو قبائل بدوية رحّل غير مرتبطة بالزراعة ومواسم الحصاد.

وما لبث أن تطورت التقاويم القمرية بتطور الشعوب الذين يعملون بها، فأضافوا لها شهرًا كل عدة سنين لتوافق الفصول الأربعة المرتبطة بالشمس لتناسب مواسم الحصاد والزراعة، وهكذا تأخذ السنة الشمس قمرية مزايا التقويم الشمسى ومزايا التقويم القمرى. 

لكن كيف نعد السنين ومتى تبدأ السنة؟.. كان الاختيار فى بداية السنين تارة بحدث عظيم كالحصاد للمحصول الزراعى أو ما يشبهه عند المصريين القدماء، وأحيانًا تبدأ السنة بذكرى مناسبة سياسية كميلاد ملك أو عظيم أو حدث سياسى أو فعالية دينية كطقوس الحج مثلًا، فكان اختيار بداية السنة مرتبطًا بمصالح الناس أو تاريخ زعمائهم أو أساطيرهم ومذاهبهم الدينية.

وكذلك كان الأمر فى كيف نعد ونحسب السنين، فكان أيضًا بسبب مناسبة سياسية مهمة يبدأ منها هذا التقويم أو ذاك أو حادثة وذكرى دينية أو قصة أسطورية، وكثيرًا ما يختلط ذلك بعضه ببعض، كحادثة الهجرة فى التاريخ الإسلامى المرتبط بواقعة الهجرة، أو حادثة الميلاد للسيد المسيح فى التقويم الميلادى، أو عصر الشهداء فى التقويم القبطى.. وكان التقويم المصرى القديم هو أقدم تقويم عرفه الإنسان، فنحن وفقًا للسنة المصرية القديمة نعيش فى عام ٦٢٦٣، وتدخلت النزاعات السياسية والقومية والدينية والأسطورية فى حساب السنين وعدّها وبدايتها باختلاف الشعوب والمناطق حتى وصلنا لعصر اقتربت فيه المسافات والأزمنة، فكان لزامًا على أبناء الإنسان أن يعمموا استخدام تقويم موحد للبشرية، وكان طبيعيًا أن يكون التقويم السائد هو التقويم المعتمد من الحضارة السائدة، وأن يكون كذلك شمسيًا لسهولة حسابه وقلة انحرافه، واحتفظت الثقافات المتنحية بتقاويمها لأسباب فلكلورية أحيانًا أو أسباب دينية أحيانًا أخرى.

وهكذا كان الإنسان هو مَن وضع للسنة رأسًا وذيلًا وقسّمها وحدد نقطة للبداية، وتدخلت فى كل هذا عوامل إنسانية شتى، علمية وعملية وأسطورية وسياسية، وكان قد عدّها ابن الإنسان كذلك ككل ظواهر الحياة الموجودة على كوكبنا.

ولكن لى رأى، فينبغى علينا أن نعد السنين منذ اختراع الإنسان الكتابة، ونتعلم من أجدادنا المصريين القدماء كيفية تقسيم السنة لشهور وأسابيع، وهو نظام فائق الدقة والنفع معًا، فرحم الله أجدادنا القدماء المصريين، وكل سنة وأنتم طيبون.