رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحق.. ما شهد به الأعداء

 

فيما قبل 2014، خرج حلم القاهرة بأن تصبح لاعبًا عالميًا للغاز الطبيعي المسال عن مساره بسبب مزيج من الربيع العربي، والصراع مع تركيا، ثم ظروف انتشار فيروس كوفيد، المدمر للاقتصادات العالمية.. ولكن هذه الصناعة تشهد طفرة ضخمة في مصر، مستفيدة من القيود التي تفرضها سوق الغاز الأوروبية، وتستغل التطورات الجيوسياسية الإقليمية، وتستعد الآن لتحقق نموًا كبيرًا، بعد أن أصبح الغاز الطبيعي المسال المصري سلعة ساخنة في الآونة الأخيرة، تتوق الأسواق الأوروبية والآسيوية إلى إمدادات إضافية منه، ويشهد الطلب في شرق البحر الأبيض المتوسط ارتفاعًا ملحوظًا.. وخلال هذا الشهر، طلب رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، من الرئيس عبدالفتاح السيسي، إمدادات عاجلة من الغاز الطبيعي لمواجهة نقص الطاقة في بلاده، في وقت تشير فيه المصادر إلى دور مصري محتمل في مناقشات الترسيم البحري اللبناني الإسرائيلي الجارية، حيث يطالب الجانبان بالمياه البحرية، التي يتوقع أن تكون فيها احتياطيات هائلة محتملة من الغاز الطبيعي.. بل إن الحل البحري قد يفتح المجال أمام التعاون المحتمل للبنان مع منتدى الغاز في شرق المتوسط، الذي يضم مصر واليونان وقبرص وإسرائيل.
وتعتبر احتياطيات مصر من الغاز البحري والبري جاذبة تجاريًا، بما يكفي لترغيب البلاد في زيادة قدرتها على تسييل الغاز الطبيعي المسال.. فاستمرار توريد الغاز البحري الإسرائيلي إلى مصر، عبر خط أنابيب شركة غاز شرق المتوسط أمر مهم للجميع.. كما أصبحت مجموعة خطوط أنابيب الغاز الإيطالية SNAM، وهي أكبر كيان أوروبي، جزءًا من مشروع EMG، بعد أن اشترت SNAM حصة في EMG، بنسبة 25٪، قيمتها خمسون مليون دولار أمريكي.. ويشمل المشروع الإجمالي، خط أنابيب بطول تسعين كيلو مترًا بين ميناء عسقلان جنوب إسرائيل ومحطة استقبال العريش.
في نفس الوقت الذي يتم فيه كل هذا، تكثف قبرص ومصر من مناقشاتهما الثنائية.. وخلال اجتماع بين وزير البترول طارق الملا ووزير الطاقة والتجارة والصناعة القبرصي، ناتاسا بيليديس، تم بحث إمكانية زيادة التعاون في مجال الغاز الطبيعي.. والهدف الرئيسي للبلدين، هو ربط حقل أفروديت البحري للغاز الطبيعي في قبرص بمصانع الغاز الطبيعي المسال في مصر.. وبعد سنوات من المداولات، يعتبر العمل مع مصر، على هذه الجبهة، الخيار الرئيسي لقبرص لدخول سوق الغاز الأوروبية.. وخلال الاجتماع نفسه، ناقشت مصر خططها لتوسيع عملياتها في غرب البحر الأبيض المتوسط، وربما منطقة البحر الأحمر مع شركة شيفرون.
وفي ضوء التوترات الجيوسياسية المستمرة بين مصر وتركيا، التي نجمت إلى حد كبير عن دعم تركيا لحركة الإخوان، وسياساتها في شرق المتوسط، ودخولها إلى ليبيا، يجب النظر إلى تطور رئيسي آخر في المنطقة، وهو ذوبان الجليد في العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، عندما التقى ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وهو ما فتح الباب أمام المزيد من المناقشات وإنفاق مليارات الدولارات من الشركات والصناديق الإماراتية في تركيا.. وقد يكون تأثير هذا التقارب هائلًا بالنسبة لمصر.
فبعد عدة سنوات مضطربة جدًا، في العلاقات الثنائية بين تركيا ومصر، يبدو أن التعاون في مجال الطاقة آخذ في الازدياد.. وقد أشارت تقارير إلى أن تركيا أصبحت وجهة رئيسية لشحنات الغاز الطبيعي المسال المصرية.. ومنها ما ذكرته (إس. بي. جلوبال بلاتس) من أن مصر أصبحت موردًا رئيسيًا للغاز الطبيعي المسال إلى السوق التركية، حيث تم شحن سبع شحنات إلى هناك خلال الربع الأخير من هذا العام.. وفي حين أن مصر لا تزال بعد قطر والولايات المتحدة والجزائر في هذا المجال، إلا أن حصتها من سوق الغاز الطبيعية في تركيا قد زادت بشكل كبير.
وبالنظر إلى الطلب المحلي المتزايد على الغاز في تركيا، والذي يتجاوز الآن ستين مليون متر مكعب، لا تملك أنقرة ترف اختيار شركائها في مجال الطاقة.. وتواجه تركيا احتمال حدوث أزمة في الطاقة، إذا فشلت في إيجاد حل لانتهاء عقود التوريد الطويلة الأجل.. الخيار الوحيد على المدى الطويل، الذي لا يزال قائمًا، هو عقدها مع سوناطراك الجزائرية، المعمول به حتى 2024.. ولمواجهة الإمدادات المتأخرة من بلدان أخرى، مثل روسيا وأذربيجان، فإن الخيارات الوحيدة المتاحة هي، الولايات المتحدة وقطر ومصر.. ومنذ أكتوبر الماضي، وصلت شحنات الغاز الطبيعي المسال من مصنع إدكو الذي تبلغ طاقته 7.2 مليون طن في السنة، وخمسة ملايين طن من مصنع دمياط إلى تركيا.. وجاءت عمليات تسليم الغاز الطبيعي المسال هذه، بعد أن بدأت القاهرة مباحثاتها الاستكشافية مع أنقرة، منذ بداية العام الحالي، وقد تتحسن هذه العلاقة قريبًا.
بعد زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى تركيا، واحتمال تفعيل العلاقات التركية السعودية، يبدو أن أردوغان يحاول تغيير موقفه في المنطقة.. فيما يمكن أن نسميه، إلى حد كبير، تغيير الضرورة، بسبب الحقائق الاقتصادية والمالية التركية..  فأنقرة مُفلسة، والمعارضة الداخلية ضد أردوغان آخذة في النمو، ومعدلات التضخم مرتفعة ومتزايدة.. كل ذلك دفع الرئيس التركي إلى الانفتاح على اللاعبين الإقليميين، للحصول على الطاقة والاستثمارات.
بالنسبة لمصر، هذه هي الفرصة المثالية للاستفادة، حيث إن تركيا مستعدة لدفع سعر أعلى بكثير للغاز الطبيعي المسال، ويبدو أنها تتخذ موقفًا أقل عدوانية في منطقة شرق المتوسط.. وهذا لا يعني أن كل شيء على ما يرام في المنطقة.. فقد هددت تركيا مرة أخرى إكسون موبيل من أي حفر في المياه القبرصية.. ومن ناحية أخرى، فإن اليونان ومصر وإسرائيل مستعدة لإرسال الغاز إلى أماكن أخرى، إذا ما سببت تركيا مشاكل.
وإذا كان (الحق ما شهد به الأعداء)، كما يقولون.. فتعالوا نقرأ ما كتبه  ويدرز هوفن، في مقاله بـموقع Oil Price، حيث يقول: أعلن وزير البترول المصري، أن صادرات مصر من الغاز الطبيعي تبلغ طاقتها الكاملة نحو 1.6 مليار قدم مكعب يوميًا من محطتي تسييل الغاز الطبيعي.. وأكد الوزير مجددًا، أنهم يعملون بكامل طاقتهم للاستفادة من الارتفاع الكبير فى أسعار الغاز الدولية.. وأشار إلى أن إجمالي إنتاج مصر من الغاز الطبيعي يتراوح بين 6.5 و7 مليارات قدم مكعبة يوميًا.. وفي الفترة المقبلة، يتحقق هذا المستوى، ولكن بعد أبريل، يمكن أن تنخفض بنحو مليار قدم مكعب يوميًا، بسبب ارتفاع الاستهلاك المحلي.. كما يتم دعم إجمالي الصادرات من واردات الغاز الإسرائيلي بمستوى 450 مليون قدم مكعب من الغاز يوميًا.. ويمكن أن ترتفع هذه المستويات بين 600 :650 يوميًا، بحلول الربع الأول من عام 2022.. وتجري حاليًا مناقشات بشأن ما إذا كان يتعين زيادة القدرة الإجمالية لخط الأنابيب.. ولذا، فقد تم توقيع مذكرة تفاهم لخط أنابيب بري جديد، يستهدف زيادة إمدادات الغاز الإسرائيلية لمصر، خلال اجتماع على هامش منتدى غاز شرق المتوسط في القاهرة، 25 نوفمبر الماضي.. وأشارت شركة ديبا اليونانية، المستوردة للغاز، إلى السعي نحو الحصول على إمدادات الغاز الطبيعي المصري المسال.
وصدق الرئيس عبدالفتاح السيسي، حين قال، (إحنا جبنا جون يا مصريين).. حفظ الله مصر وتونس من كيد الكائدين.. آمين.