رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معالم القاهرة.. حكاية «قنطرة أبو العلا» وجامع العبيط وأصل تسمية شارع «بستان الدكة»

قنطرة أبو العلا
قنطرة أبو العلا

كثيرا ما تتغير معالم القاهرة ولكنها كعادتها دوما تثير الإعجاب وتأسر الألباب في جميع مراحل تطورها وتغيرها، ولعل قنطرة أبو العلا والتي كانت مقامة على الترعة البولاقية وتم هدمها في سنة 1912 قد أصبحت حاليًا جزءا من الماضي الذي لم نشهده وربما لم يسمع به الكثيرون، وقد أصبح مكانها حاليا منطقة شهيرة وتعاني من الزحام الشديد، وقد تصيبنا الدهشة حين نعلم أن هذه القنطرة وهذه الترعة هي نفسها منطقة ميدان الإسعاف ومستشفى الجلاء للولادة عند تقاطع شارع الجلاء مع شارع 26 يوليو.

موقع قنطرة أبو العلا قديما


في كتابه: «القاهرة حكايات من زمن فات»، يشير مؤلفه الباحث في التراث المصري خطاب معوض خطاب، إلى أن الترعة البولاقية كانت تتفرع من النيل بالقرب من ميدان التحرير، وكان فمها تحت كوبري 6 أكتوبر بين فندق هيلتون رمسيس ومبنى الحزب الوطني، ثم تخترق منطقة ميدان عبد المنعم رياض حاليا، ثم تمر بشارع الجلاء الحالي ويستمر سيرها إلى أن تنحرف لتدخل إلى منطقة شبرا، وتسير موازية لشارع شبرا الذي أمر بشقه محمد علي باشا، وكان الهدف من شق الترعة البولاقية هو ري أراضي ضواحي القاهرة وبولاق كجزيرة بدران ومنية السيرج وشبرا في غير وقت الفيضان.

وكان يوجد بالقاهرة ثلاث ترع كبيرة هي: «الخليج المصري الذي حل مكانه حاليا شارع بور سعيد، والترعة البولاقية والترعة الإسماعيلية التي كانت توصل مياه النيل لمنطقة قناة السويس، وفي أواخر القرن التاسع عشر وبسبب انتشار وباء الكوليرا قرر الخديو إسماعيل ردم هذه الترع التي تخترق مدينة القاهرة للقضاء على الكوليرا».

حكاية جامع العبيط


ويضيف «خطاب»: وبمناسبة الحديث عن ميدان التحرير الذي كانت تتفرع الترعة البولاقية بالقرب منه، فقد كان الميدان في ذلك الزمان غير ما هو عليه الآن، وجامع عمر مكرم الذي يميز ميدان التحرير كان مكانه جامع آخر يعرف باسم جامع «العبيط»، وينسب هذا الجامع للشيخ محمد العبيط الذي كان يسكن جزيرة العبيط والتي يطلق عليها حاليا ميدان التحرير وجاردن سيتي وكانت تسمى أيضا بالجزيرة الوسطى، لأنها تتوسط الروضة وبولاق والقاهرة والجيزة.

والجدير بالذكر أن الملك فاروق كان ينوي أن يضع تمثالا لجده الخديوي إسماعيل بميدان التحرير الذي كان يسمى ميدان الإسماعيلية، ووجد أنه ليس من اللائق أن يكون تمثال جده العظيم مواجهًا لجامع يحمل اسم العبيط، فانتوى وقتها هدم ضريح وجامع العبيط وإنشاء جامع كبير يحمل اسمه مكانه، ولكن قامت ثورة يوليو 1952 فتعثر مشروع جامع الملك فاروق، ولكن بعد ذلك تم هدم جامع العبيط بالفعل وبناء جامع كبير جديد مكانه حمل اسم عمر مكرم وبقي ضريح الشيخ العبيط داخل الجامع الجديد.

شارع رمسيس وكيف احتل مكان الترعة البولاقية


وبالنسبة لشارع رمسيس الذي أنشئ مكان الترعة البولاقية فهو يعد واحدا من أكبر وأطول شوارع القاهرة، وشارع رمسيس كان عبارة عن أراض زراعية وكيان ريفي يسمى بقرية أم دنين، وحين فتح المسلمون مصر تمركزوا فيها وأنشأوا فيها مسجد أولاد عنان، ومع مرور الزمن قام الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله بإعادة بنائه وأطلق عليه جامع المقس أو المكس وهو مفرد مكوس أي الجمارك.

ومن المعروف أن الفرنسيين قد هدموا هذا الجامع أثناء احتلالهم للقاهرة، وفي عهد محمد علي باشا والي مصر أصدر أوامره أن يتحول الميدان إلى متنزه عام، فانتشرت الحدائق والأشجار في جنباته، وحينما تولى عباس باشا الأول حكم مصر وأراد أن يشيد قصرا في صحراء الريدانية أمر بشق شارع يصل لهذا القصر وأطلق على هذا الشارع اسم شارع عباس، وفي عصر الملك فاروق تغير اسم الشارع وأطلق عليه اسم شارع الملكة نازلي.

ولكن تم تغيير اسم الشارع بعد هجرة الملكة نازلي إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحرمانها من لقبها الملكي، وحينما فرغ الفنان والمثال محمود مختار من صنع تمثاله الشهير نهضة مصر تم وضعه في الميدان وسمي الميدان باسم ميدان نهضة مصر، ثم تم نقل تمثال نهضة مصر إلى موقعه الحالي بالقرب من جامعة القاهرة في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين ووضع تمثال رمسيس الثاني مكانه وسط الميدان فأصبح اسم الميدان من وقتها ميدان رمسيس، وأيضا أصبح اسم الشارع شارع رمسيس، وهو الاسم الذي أصبح عالقا بذاكرة المصريين وملاصقًا للشارع والميدان رغم نقل تمثال رمسيس الثاني منذ أكثر من 10 سنوات إلى المتحف الجديد بجوار الأهرامات.

وبالقرب من موضع قنطرة أبو العلا يوجد حاليا شارع من أشهر وأهم شوارع مدينة القاهرة وهو شارع عماد الدين، وتعود تسمية الشارع باسم عماد الدين إلى وجود ضريح يحمل نفس الاسم في الشارع، والعجيب أن هذا الضريح موجود بالقرب من تقاطع الشارع مع شارع الشيخ ريحان، وهو الجزء الذي يحمل اسم محمد فريد حاليا وليس الجزء الذي يحمل اسم عماد الدين، والأعجب و الأغرب أنه لا أحد يعرف شيئا عن صاحب هذا الضريح، وتتضارب الأقوال بين أنه كان رجلا صالحا هو الأرجح، بين كونه فتوة يدافع عن الفنانين الذين كانوا يعملون ويتواجدون بهذا الشارع قديما.

أصل تسمية شارع «بستان الدكة»


ومن الشوارع المتفرعة من شارع عماد الدين بوسط البلد شارع اسمه «بستان الدكة»، وهذا الشارع له حكاية، إذ أن نهر النيل كان يتفرع منه خلجان، مثل الخليج المصري والخليج الناصري وخليج الذكر الذي ينسب الى الأمير شمس الدين الذكر الكركي، والذي يعد واحدًا من أمراء السلطان الظاهر بيبرس.

وكان مسار خليج الذكر يمتد بطول شارع عماد الدين قديما وشارع بستان الدكة الحالي حتى منطقة الخرنفش، وأقيمت على خليج الذكر بعض القناطر لكي تربط بين جهات القاهرة المختلفة، ولكي تكون سببا في العمران على جانبي الخليج، وقد عرفت إحدى هذه القناطر باسم «قنطرة الدكة» نسبة للدكة التي كانت عند القنطرة في ذلك الوقت وموضعها الحالي عند ملتقى شارع بستان الدكة بشارع الجمهورية.

وحينما أراد الخديوي إسماعيل أن يستكمل مشروعه الحضاري المسمى بالقاهرة الخديوية، أمر بردم خليج الذكر والاستغناء عن جميع القناطر التي كانت مقامة عليه، وبالطبع أزيلت الدكة التي كانت مقامة بجوار القنطرة المسماة باسمها، وبدأت المباني والعمائر في الانتشار في تلك المنطقة، والتي لم يبق منها سوى اللافتة الدالة على شارع «بستان الدكة»، لتدلنا على ذكريات وتاريخ عاشه الأجداد ولا تنسى أبدًا.

200291469_2983862118557493_4262855782382685647_n
200291469_2983862118557493_4262855782382685647_n
download (5)
download (5)