رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«إنقاذ لغة الضاد».. كيف تهتم الدولة بإعادة إحياء اللغة العربية؟

اللغة العربية
اللغة العربية

في محاولة لاستعادة مكانة اللغة العربية التي تدهورت نتيجة تجاهلها لسنوات طوال واستخدام لغات أخرى بديلًا عنها، أُحيل مشروع قانون جديد من قبل رئيس مجلس النواب إلى لجنة الإعلام والذي تم طرحه على طاولة نقاش اللجنة بمجلس النواب، وهو مشروع قانون "حماية اللغة العربية"، الذي يهدف بالفعل إلى تحقيق مُسماه، والذي قُدم إلى اللجنة من قبل كل من النائبة منى عمر، والنائبة سولاف درويش.

هذا المشروع للقانون أقر بعض الأشياء التي يجب أن تلتزم بكتابة باللغة العربية وهي أسماء المؤسسات العامة والحكومية وعناوينها، وكذلك الشوارع والأحياء والساحات والحدائق العامة والشواطئ والمنتزهات وغيرها من المواقع، وتستثنى من ذلك المواقع المسماة بأسماء أعلام غير عربية.

‏استند ‏المشروع على المادة 17 التي تلزم الدولة بإطلاق أسماء عربية على كل الأماكن، حيث تنص المادة على أن تطلق أسماء عربية على الشوارع والميادين والأحياء والمتنزهات والشواطئ".

وقالت المذكرة التفسيرية للمشروع إنه نص الدستور في المادة (2) منه على أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وهذا يعنى أن هناك التزامًا على الدولة بحماية اللغة العربية التي هي لغة الدولة الرسمية، حيث تعد اللغة العربية من مقومات الهوية الوطنية لمصر ورمزا لثقافتها، الأمر الذي يفرض عليها العمل على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالاتها، وذلك بالحفاظ على سلامة اللغة كتابة ونطقاً، وصيانتها من كل التأثيرات الأجنبية".

وتابعت المذكرة: "أنه وعلى الرغم من أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية بموجب الدستور إلا أنه وإلى الآن لا يوجد تشريع قوى يعمل على حمايتها وفقا للدستور، مما أصبحت معه الحاجة ملحة لسن تشريع يعمل على حماية اللغة العربية من غزو اللغات الأجنبية وفرض استعمالها في مختلف المحافل والفضائيات والمؤسسات الإدارية والتربوية والإعلامية.

كما يُعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون أو اللوائح أو التعليمات الصادرة بموجبه بغرامة لا تقل عن 1000 جنية ولا تزيد على 10 آلاف جنيه.

في هذا الإطار تواصلت "الدستور" مع بعض علماء مجمع اللغة العربية، باعتبار أن أولى مهامه هي الحفاظ على لغة الضاد وحمايتها، كما تواصلنا كذلك مع بعض خبراء التعليم، لنتعرف على الوضع الذي آلت إليه اللغة العربية في المدارس بين الطلبة والمُعلمين، وما هي الخطة المستقبلية الخاصة بها.
 

رئيس مجمع اللغة العربية: التجاهل للغة يخلق جيلًا ليس لديه انتماءًا

الدكتور صلاح فضل رئيس مجمع اللغة العربية أوضح لـ"الدستور" أن مناقشة مشروع  من شأنه فرض غرامة مالية وعقوبة على كل من يستخدم لغة أخرى غير اللغة العربية، يأتي في إطار رغبة الدولة حماية اللغة العربية، وكذا التراث العربي والهوية الوطنية موضحًا أن اللغة العربية نالها الكثير من التشويه، وذلك إما من خلال تجاهل استخدامها او من خلال احلال اللغة الانجليزية، أو أي لغة أخرى محلها، الأمر الذي وصفه بأنه قبل كل شئ يُعد مخالفًا للقانون والذي ينص على ان اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد.

إضافة إلى ذلك أكد أن هذا التجاهل للغة العربية يخلق جيلًا من الشباب والأطفال لا يدركون شيئًا عن لغتهم العظيمة، وبالتالي يساعد ذلك كثيرًا على فقد هويتهم الوطنية وتقليل الانتماء لوطنهم العربي.

لذا رأى فضل أنه في حال المكاتبات التي يستلزم معها استخدام لغة أخرى غير اللغة العربية، أن يترجم النص إلى اللغة العربية، وذلك اثباتًا لكونها اللغة الأم للدولة المصرية.

مدير عام الإدارة العامة للمُعجمات وإحياء التراث السابق: هناك شباب وأطفال لا يستطيعون قراءة وكتابة اللغة العربية وهذا شئ مخزٍ

وأعرب خالد مصطفى مدير عام الإدارة العامة للمُعجمات وإحياء التراث السابق، وعضو اتحاد كتاب مصر، عن استيائه لكون هناك الكثير من الشباب والأطفال لا يستطيعون قراءة وكتابة اللغة العربية بشكل جيد فيتلعثمون بها، بينما في الوقت نفسه يتحدثون الإنجليزية أو غيرها بطلاقة، واصفًا ذلك بأنه أمر مُحزن ومخز بذات الوقت، ويستدعي التحرك لإنقاذ هؤلاء الشباب من فقدان هويتهم العربية التي تبدأ تدريجيًا مع فقده المعرفة بأبسط ما يربطه بوطنه وهي اللغة، وفي الوقت ذاته انجرافه وراء، كل ما هو غربي بعيد عن المجتمع العربي والمصري.

وتابع مصطفى أن الأسباب التي أدت إلى جهل الكثيرين بلغته الأم "العربية" خاصة من الجيل الحديث ترجع إلى اتجاه الكثير من الأهالي إلى إلحاق ابنائهم بالمدارس الاجنبية والدولية من أجل تعلم اللغة الانجليزية وغيرها من اللغات الأخرى نظرًا لما يرونه من حاجات سوق العمل العالمي التي تقتضي تعلم هذه اللغات.

ووصف خالد أنه لا يعارض على الإطلاق تعلم اللغات الأجنبية، بل إنه نوعًا من العلم الضروري والمشروع، انما هو في الحقيقة يعارض أن تتطغى لغة أخرى على اللغة الأم التي ينتمي اليها الفرد وتنتمي إليه، لذا أوضح أنه ينبغي تعلم الفرد لغات أجنبية ولكن قبل ذلك عليه أن يتعلم لغته الأصلية ويُتقنها بل ويتجه إلى أن يبرع في استخدامها.

واختتم مصطفى بالإشارة إلى أنه تِعد من بين الأزمات الرئيسية في ضياع اللغة العربية بشكل في المجتمع المصري يمكن في أن جهود مجمع اللغة العربية في الحفاظ على سلامة اللغة غير ملزم لغير من الجهات المختلفة.

عميد المعهد العالي للتراث والفنون: هذا القانون تأخر كثيرًا.. وأناشد الرئيس بأن يكون 2022 عام اللغة العربية

"هذا القانون تأخر كثيرًا".. يقولها الدكتور جودة مبروك محمد أستاذ العلوم اللغوية وعميد المعهد العالي للتراث والفنون لـ"الدستور" موضحًا أنه كان ينبغي أن يُسن قانون حماية اللغة العربية قبل ذلك بكثير فمصر هي أولى البلاد العربية التي اهتمت باللغة العربية، فأنشئت من أجل ذلك أقدم مجمع للغة العربية بالوطن العربي، بهدف حماية اللغة والحفاظ عليها وهو يضُم عدد من كبار علماء اللغة وخبرائها.

وأشار جودة إلى أنه لابد من تطبيق مشروع القانون بغاية السرعة، موضحًا أن الهدف منه ليس التجريم لمن يستخدم لغة أخرى غير العربية، ولكن الهدف منه هو حمايتها والحفاظ عليها من التشويه الذي أصابها في السنوات الأخيرة والذي قد يُهدد باندثارها تدريجيًا، واستشهد في ذلك بدول تحافظ على هويتها العربية من خلال اهتمامها باللغة ببلدة الإمارات العربية المتحدة، والتي تُجرم استخدام أي منفذ تجاري للغة غير اللغة العربية، وفي حال كان ذلك للضرورة يتم كتابة ترجمة الاسم بالعربية أسفل اللغة الأخرى المستخدمة.
دحثّ كذلك جودة إلى ضرورة أن تُعرب المواد العلمية بجميع المناهج الدراسية، وبالكليات العملية التي تستخدم بشكل أساسي الانجليزية وغيرها من اللغات، فتعريب تلك المواد لا يتنافى مع معرفة المناهج باللغة الأجنبية الأخرى، واتقان دراستهما باللغتين معًا.

وأكد مبروك أنه بشكل عام يجب اللجوء لاستخدام اللغة العربية الثالثة، وهي ما تتوسط الفصحى و العامية، وذلك في وسائل الإعلام المختلفة وأسماء المحال، بل وكذلك في الأغاني المِقدمة وذلك بالاتفاق مع نقابة الموسيقيين، مؤكدًا أن إهمالنا للغة العربية هو الذي جعل نماذج تمثل الإسفاف في الغناء بأبشع صوره تطفو على السطح، وتظهر الصراعات بينها وبين نقابة الموسيقيين التي تحاول هي الأخرى أن تحافظ على شكل وأداء الكلمات المستخدمة، مشيرًا إلى أن اللغة العربية الثالثة هي لغة يسيرة الاستخدام، وأعلى درجة من العامية كما أنها بعيدة كل البُعد عن السوقية.

وأخيرًا وجه جودة من خلال "الدستور" طلبًا الى سيادة الرئيس بجعل عام 2022 هو عامًا للغة العربية من أجل استعادة مكانتها من جديد وإحيائها ثانية في مصر دونما تشويه.
 

وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة القليوبية: الأهل لديهم دورًا كبيرًا في جهل الأبناء باللغة العربية

أوضح الدكتور طه عجلان وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة القليوبية، أن اللغة العربية هي لغة تُعد مادة أساسية في التعلم داخل جميع أنواع المدارس، ولا يمكن تجاهلها على الإطلاق، ولكنه أرجع جهل الكثيرين من الشباب والأطفال بها وبقواعدها إلى الأهل الذين لا يهتمون بتقوية المستوى التعليمي لأبنائهم فيها، وتوجههم للاهتمام أكثر باللغات الأخرى ومعرفة أبنائهم أكثر بهذه اللغات عن لغتهم الأم، وهو الأمر الذي يُفسره مُنطلق "عُقدة الخواجة" الراسخ لدى الكثيرين.

وأكد كذلك أن التكنولوجيا الحديثة والتطور في عالم وسائل التواصل الاجتماعي، أوجد ما يُعرف بلغة "الفرانكو آراب" وهي اللغة التي وصفها بأنها ليست لها هوية على الإطلاق بل تُعد إحدى أخطر الوسائل التي ساعدت على إفساد اللغة العربية لدى الجيل الجديد، وتعوده على عدم التعامل معها،  وبالتالي البُعد عن استخدامها.

 

جدير بالذكر أن لغة "الفرانكو آراب" هي لغة أبجدية مستحدثة غير محددة القواعد ظهرت منذ عدة سنوات، ويعتمد عليها البعض للتواصل عبر الدردشة على الإنترنت باللغة العربية أو بلهجاتها، ويتم نطق هذه اللغة مثل العربية، إلا أن الحروف المستخدمة فى الكتابة هى الحروف الإنجليزية، فيما يتم استخدام بعض الأرقام للدلالة على حروف معينة فى اللغة العربية. 

 ‏أما عن نشأتها فكانت خلال الألفية الجديدة مع ظهور بعض خدمات الإنترنت التى كانت لا تدعم سوى حروف اللغة اللاتينية فى الكاتبة، ما أجبر الكثير من العرب على استخدام الحروف اللاتينية، وكانت شبكات الدردشة قد ظهرت قبل ظهور التليفون المحمول والرسائل القصيرة فى البلدان العربية، حيث لم تكن الحروف العربية متاحة فى الأجهزة الموصولة على شبكة الإنترنت،  وبها يمكن استخدام بعض الأرقام للدلالة على بعض الحروف.

‏وكانت قد أكدت الدكتورة درية شرف الدين رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، أنه خلال تاريخ مصر الحديث تم عمل ١٠ مشروعات قوانين منذ ١٩٠٨ في عصر علي مبارك ثم قوانين في عهد الملكية وقانون في عهد عباس حلمي ثم قانون سنة ١٩٦٩ وبعدها في ١٩٧٦ وكلها أوجبت الالتزام بالعربية في الرسائل والمكاتبات، إلا أنها أشارت إلى أنه رغم القوانين العشرة لم تنجو اللغة العربية من الحال الذي وصلت إليه.