رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محاولات إكمال نقص المرأة العربية

 

مما لا ريب فيه وجود تشويه وانحراف أجزاء من الثقافة العربية الموروثة، ويتضح ذلك جليًا فى وضعية المرأة، وقد وضحنا ذلك فى مقالنا السابق، وبينا كيف تشوه الثقافة الذكورية المتحيزة للذكورة شخصية المرأة وتطمسها وتدنسها وتنزع منها العديد من أبسط حقوقها، بحجة أنها خلقت ناقصة معيبة مختلة، وتحتاج لمن يتولاها ويقوّمها، فهى عورة كلها يجب سترها، وفتنة للرجال الأبرياء فيجب حجبها، وشر جلها وشر ما فيها أنها شر لا بد منه.

وهذه الثقافة المشوهة غير العادلة التى تزرى بموجد ومشكل المرأة بهذا التكوين المعيب تنبغى مراجعتها وتخليص المرأة والرجل، كليهما، من براثن التشوهات الذكورية فى الحضارة الإنسانية كلها، ومنها حضارتنا العربية الإسلامية كما بينا سالفًا.

وحقيقة الأمر أن محاولات البشر لتقويم هذا الاعوجاج الفكرى والثقافى البالغ تمت على استحياء من قرون طويلة، سواء فى مصر القديمة، مصر الأهرامات والمسلات، ثم فى مصر العصور الوسطى ذات الهيمنة للأديان الإبراهيمية المتتابعة المتصارعة المتجاورة، فكانت ثمة محاولات محدودة لتصحيح ذلك العوار والتمييز ضد المرأة لكنه سرعان ما تبخر واختفى.

ثم فى عصورنا الحديثة تناول العديد مشكلة المرأة بعقل مفتوح متحرر ينادى بتخليص المرأة من ظلم القرون المتتابعة وجور التشريعات المتحيزة، وكانوا كثيرين على رأسهم قاسم أمين فى كتابيه «تحرير المرأة» و«المرأة الجديدة»، وكان قاسم فى ذلك متأثرًا بالوضع المشين للمرأة المصرية، وسعى قبل قاسم الشيخ الرائد رفاعة الطهطاوى بالدعوة لتعليم البنات والبنين بعد قرون من تجهيل المرأة، وسعى أيضًا قبل قاسم أستاذه الشيخ المصلح محمد عبده لتحسين الأوضاع التشريعية نسبيًا للمرأة المصرية، وكانوا جميعًا فى ذلك متأثرين بثورة الحقوق والحريات والمساواة التى تجرى على قدم وساق شمال المتوسط، وتغلى طلائع أوروبا المثقفة شوقًا إلى عالم أفضل للإنسان دون تمييز وتحقير لبعض الإنسان بالجنس أو غيره.

ولا يخلو هذا الغليان من كبوات وانحرافات فى النظم والأفكار والمذاهب، وكل ذلك لا يولد كاملًا بل دومًا يجبر الإنسان نقصان مذاهبه وأفكاره ومعتقداته ويحسنها دائمًا أبدًا، والكمال لله وحده فقط لا غير.

وتتابع المفكرون والمناضلون من أجل مساواة الإنسان بنوعيه، الذكر والأنثى، ونذكر رموزًا عديدة فى الحركة النسائية من نساء ساعيات لتحسين وضعية المرأة كهدى شعراوى ونبوية موسى وصفية زغلول وغيرهن كثيرات، ونبوغ العديد من النساء بعد قرون من الخمول، وانزواء المرأة بالاكتفاء بدورها فى إمتاع الذكر وخدمته وتربية أولادها فقط، فظهرت المرأة الطبيبة والمحامية والمهندسة والأديبة والفنانة وغير ذلك، ولمعت أسماء مثل مى زيادة وأم كلثوم وسميرة موسى وغيرهن كثيرات أيضًا.

وما زالت ثورة الإكمال الحقيقى لنقص المرأة العربية والمصرية تتحسس طريقها ولن تفلح إلا بثورة حقيقية فى بنى الوعى والتفكير، ولن يكون هذا دون ثورة ثقافية تعليمية ترعاها الدولة بمؤسساتها وسلطاتها كافة، وعلى رأسها المنظومة التعليمية والثقافية والإعلامية، وتحت حماية السلطة التشريعية التى عليها تطوير نظم التشريع «اللى أكل عليها الدهر وشرب»، وإن كانت تصلح نوعًا لعصر فهى لا تصلح لعصرنا مطلقًا، وكل ذلك يجب أن يتم تحت حماية السلطتين التنفيذية والقضائية ممن يريدون الشر بالمرأة العربية وإبقاءها ناقصة مسلوبة مقيدة.