رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«حياة كريمة» لرجال الأعمال

 

أكتب هذا المقال لأطالب بأن يمتد مشروع «حياة كريمة» ليشمل رجال الأعمال فى مصر، إننى لا أطلب بالطبع تقديم إعانات مادية لهم فبعضهم يملك المليارات الكثيرة، ولا أطلب إعادة بناء بيوتهم، فهم يملكون بيوتًا جميلة وغالية الثمن، لكننى أطالب بأن يشملهم الجزء المعنوى من مشروع «حياة كريمة» وهو الجزء الخاص بإعادة التأهيل. فذلك المشروع العملاق الذى يغير حياة ما يقرب من ستين مليون مصرى، يهدف ضمن ما يهدف إلى إعادة صياغة حياة بسطاء المصريين، وينطوى على برامج لنشر الوعى بالحياة تشرف عليها وزارة التضامن الاجتماعى، وعلى أنشطة للتثقيف تشرف عليها وزارة الثقافة.. فضلًا عن جوانب معنوية أخرى تشرف عليها مؤسسة حياة كريمة نفسها ومنظمات المجتمع المدنى الأخرى التى تشارك فى المشروع.. إن ما أطالب به هنا هو أن يمتد مشروع الوعى ليشمل مجموعات من رجال الأعمال المصريين، أو الطبقة المخملية فى مصر، كما يسميها البعض، ليس بالضرورة أن يتولى تثقيفهم باحثون من وزارة التضامن، أو أن يشرف على مشروع التوعية هذا مبادرة حياة كريمة نفسها، يمكن أن يتولى المهمة اتحاد الصناعات مثلًا، أو جمعية رجال الأعمال، أو اتحادات المستثمرين المختلفة، والمطلوب هو توعية من يملكون النقود فى مصر بالقيم الرأسمالية، وبالأخلاق الرأسمالية السليمة.. ذلك أن الحوادث تكشف لنا من حين لآخر عن نقص شديد فى وعى بعض هؤلاء بحقائق الحياة، وطرق تربية الأبناء، بل وقيمة النقود نفسها التى يلقى بعضهم بالملايين منها فى أيدى أبنائه المراهقين فيفسدون ويفسدون فى الأرض.. ويضرون أنفسهم، ويضرون غيرهم.. ويبددون صحتهم ومستقبلهم ثم ثروات آبائهم فيما بعد.. لقد كانت لدينا فى مصر قبل ثورة يوليو نماذج رأسمالية عظيمة، ثم حدث التأميم، ثم الانفتاح الاقتصادى وتشكلت طبقة رجال أعمال مختلطة الأصول والمشارب، وأساليب العمل. بعضهم سلك الطريق القويم وأفاد واستفاد، وبعضهم أغرته طرق الربح السريعة، مثل الاستيلاء على أراضى الدولة، أو تخريب شركات القطاع العام المنافسة له ثم الاستيلاء عليها، أو التهرب من الضرائب، أو ممارسة الاحتكار وعدم الالتزام بقواعد المنافسة، أو هامش الربح، أو مواصفات المنتج.. وهى كلها قيم أساسية فى اقتصاد السوق يعتبر الخروج عليها جريمة فى أكثر الدول تشددًا فى مبدأ حرية المال الخاص.. ومع هذه المكاسب السهلة رأينا فسادًا محيطًا فى تربية الأبناء، وإهمالًا فى تعليمهم وإعدادهم حتى يكونوا مواطنين صالحين.. وإهمالًا فى حق المجتمع، وتهربًا من واجب المسئولية الاجتماعية.. فكانت النتيجة ما نرى حولنا فى بعض الحالات وليس كل الحالات.. إننى أدعو اتحاد الصناعات وهيئات المستثمرين إلى إعداد كتيبات بسير كبار رجال الصناعة العصاميين فى تاريخ مصر، وكيف حققوا نجاحهم، وكيف كان نمط حياتهم، وسنكتشف وقتها أنهم كانوا يلتزمون الحياة البسيطة والمعتدلة، وإلا لما وجدوا وقتًا للعمل ولتنمية مشروعاتهم.. إن لدينا قصصًا لصناعيين مصريين مثل محمد فرغلى وأحمد عبود وياسين ملك الزجاج وأبورجيلة ومحمود العربى وغيرهم ولا بأس من أن نعيد طباعة بعض الكتب التى صدرت عن حياتهم وأن نحولها لأفلام تسجيلية ومقاطع فيديو.. إننى أطالب اتحادات المستثمرين بمحاضرات توعية لأعضائها عن قيمة إعمار الأرض، وإفادة المجتمع كغايات عليا للرأسمالى عليه أن يسعى لها طوال الوقت بدلًا من كنز الأموال، أو تهريبها خارج مصر، أو إغداقها بلا حساب على الأبناء ليفسدوا ويدمروا أنفسهم ومن حولهم.. إننى أذكر أن العظيم محمود العربى كتب فى مذكراته أن غايته هى تشغيل أكبر قدر من العمالة وليس جمع أكبر قدر من النقود. ولذلك لم يتوقف عن التوسع وافتتاح مصانع جديدة حتى آخر يوم فى حياته.. إننا نريد من الدولة أن تتبنى مشروعًا لإصلاح حال رجال الأعمال، فبعضهم تم إفساده فى زمن كان الفساد عنوان كل شىء، وبعضهم كان واعدًا فأصبح فاسدًا.. وبعضهم بدأ رجل صناعة حالمًا، وانتهى لص قروض محترفًا، وبعضهم جاء إلى مصر بأحلام كبيرة ثم اكتشف أن الفساد هو الحل ففسد وأفسد.. ولأننى أثق أن المناخ تغير فإن على هؤلاء أيضًا أن يتغيروا، وأن تتغير نظرتهم لأنفسهم ولعملهم وللمجتمع الذى يعيشون فيه ويدينون له بنجاحهم.. يتخيل بعضهم أن دور اتحادات رجال الأعمال الدفاع عن مصالح أعضائها، أو تكوين لوبى للضغط من أجل قضية هنا أو هناك.. وأنا أقول إن الدور الأهم لهذه الكيانات هو إعادة توعية أعضائها بدورهم، وتثقيف بعضهم، ونشر القيم الرأسمالية الصحيحة بدلًا من هذا الفساد الذى يحيط بنا ويستفز الناس.. لقد أراد أحدهم أن يتباسط فقال إنه ينفق أربعة آلاف جنيه فى وجبة العشاء ورغم أنه كان يكذب فقد استفز ما قاله الناس، وهو ما ذكرنى بملياردير مثل بيل جيتس اخترع اختراعات نقلت البشرية ألف عام للأمام ومع ذلك تقول النكتة إنه كان يتناول العشاء وترك خمسة دولارات بقشيش.. فقال له النادل: لقد كان ابنك هنا بالأمس وترك خمسمائة دولار.. ليرد عليه قائلًا: ابنى أبوه أغنى رجل فى العالم.. أما أنا فابن الرجل الذى كان يقطع الأشجار فى الغابة!!.. استقيموا يرحمكم الله.