رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هرم أسترالي.. توثيق التراث البشري.. لعنة الجمال والخراب

"ما لم نغير أسلوب حياتنا بشكل جذري، فإن تغير المناخ والمخاطر الأخرى من صنع الإنسان ستؤدي إلى انهيار حضارتنا".. "الصندوق الأسود للأرض سيسجل كل خطوة نتخذها تجاه هذه الكارثة. وستُجمع مئات مجموعات البيانات والقياسات والتفاعلات المتعلقة بصحة كوكبنا باستمرار لتخزينها بأمان للأجيال القادمة".
..لماذا هذه الديباجة؟
قطعًا.. هي ليست مخطوطة من كتاب ابن خلدون: "كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر".
.. هي، بنية سريالية مذهلة، نبتت من فكر جمالي- إنساني، لا تعتقد (وأنت تقرأ)، أنه من صاحب تلك الأفكار الورقية المؤقتة، أنه فكر لمشروع حضاري جمالي، صادم، وحيوي في نفس الوقت،.. ولن أبالغ إذا قلت إنه سيصبح: "هرم أستراليا المسبع بالتراث البشري؛ 
النظام الحاظر؛ 
المستشرف للمستقبل؛ 
.. لنقف عند فكرة  المستقبل، ذلك أن هذا العمل العملاق، يغوص في مجاهيل المستقبلية.. وفق فلسفة علمية/ جمالية تستمد فلسفة ما وراء المادة والخيال العلمي.

× الفكرة، التي بدأت مؤشراتها:
"صندوق الأرض الأسود"..! 
* البلد:
أستراليا. 
*الرؤية والهدف:
.. فلسفة عملية، تدمج الجمال والعمارة والتقنية، بقيادة شركة الاتصالات التسويقية "كليمينجيربي بي دي أو" بالتعاون مع باحثين من جامعة تسمانيا، بهدف تسجيل أحداث اليوم، وإلى زوال الحضارة البشرية في الكون. 
.. في الخيال المعماري، وفلسفة الجمال، يلجأ أصحاب الفكرة إلى نبذ الخراب، والسعي للتغيير، ربما شعروا بالغيرة من الآثار العظيمة للبشرة التي لم تتأثر بالتغيير الكوني أو البيئي. 
هل تبحث أستراليا عن أثر بحجم الإهانات؟
.. أعتقد، مبدئيًا، هذا هو الفهم الذاتي لحجم ودلال ما صنعوا.. لنقل بناء (هرم أسترالي.. ليكون جمالًا، مستودع لتوثيق التراث البشري..، وغالبًا لعنة تلاحق أخطاء الإنسان في ملاحقة الجمال).

.. لهذا، فقد تم تصميم هيكل الصندوق بحجم حاوية عملاقة من الفولاذ، بسمك 3 بوصات وتعلوه حركات وخربشات تحددها الألواح الشمسية. 
أستراليا، الدولة والمؤسسات، بدأت، فعلًا بناء "الصندوق الأسود"، وتقول المصادر إن الصندوق، سيكون (غير القابل للتدمير.. نهائيًا)، وسيتم وضعه على أرض تتوسط مجموعة من السهوب والسهول الغرانيتية، الرامية، الواقعة على الساحل الغربي لجزيرة تسمانيا، وحددت لهذا العمل انطلاقة عالمية تختفي بالصندوق/ الهرم الأسترالي، في أوائل عام 2022.

.. علميًا، في الصندوق/ الهرم، طاقة محكمة الذكاء، لها قيمة  شكلانية، عدا عن قيمة مكانة، فيبدو مثل تلك المختبرات السرية، التي تعنى بمهمة تسجيل "كل خطوة تتخذ" تجاه كارثة المناخ، وتوفير سجل للحضارات الإنسانية أو الكونية المستقبلية، ربما لفهم ما قد يتسبب في زوال الكون، وبالتالي نهاية الإنسان على كوكب الأرض.. وهذا بحسب بيان  لهيئة الإذاعة الأسترالية، ما أشغل القوى الأمنية في الولايات المتحدة واليابان وروسيا، وأوروبا مجتمعة، لإثارة سؤال: ماذا تريد أستراليا من هذا الصندوق/ الهرم، فرجة، أم سجل حكاياتنا.

.. عمليًا.. وعلى موقع تجريبي على شبكة الإنترنت، وضعت شركة الاتصالات التسويقية "كليمينجيربي بي دي أو" بالتعاون مع باحثين من جامعة تسمانيا، الخطوات الأولى لهذه المرحلة التجريبية، رؤية وشكل معماري، وأجهزة تعمل بطريقة ما على جمع المعلومات، حفظها وتقييمها على موقع خاص بالمشروع على الإنترنت.

.. هرم أستراليا، جنون مرتكز على إمكانيات مالية وبحوث حرة، اتخذت مطلقها، إلى حد بدأت عملية ملء الجزء الداخلي من الهرم  بـ"سيرفرات، محركات التخزين" التي تجمع البيانات المتعلقة بتغير المناخ: مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ومتوسط درجات الحرارة، وباستخدام الخوارزمية الحاسوبية الرقمية، سوف  يكون للصندوق- ذاتيًا- قدرة على البحث في المواقع الإلكترونية، والوسائط والمنصات عن كل ما يمكن الحصول عليه من التغريدات والمشاركات والأخبار والعناوين الرئيسية ذات الصلة، إضافة إلى حالة الطقس عالميًا، المد والجزر، وحركة الكواكب، الحرائق، البحار والمحيطات، حتى ما تسهم به أي أمرأة من تلوث جمالي بأخطاء المكياج، ودلق المخلفات الكيميائية وبقايا العطور في مجاري المياه والأنهار.


.. معلوماتي، قدر المطورون التقنيون، أن سعة التخزين ستنفد في غضون 30 إلى 50 عامًا، وقبيل الإطلاق، سيلجأ القائمون على المشروع، إلى إشعار العالم بمدى الحاجة لزيادة سعة التخزين وتوفير حل طويل الأمد، يقدم استدامة لهذا الصندوق/ الهرم الأسترالي. 
.. الغرب يسأل: كيف سيتم الحفاظ على الشكل المعماري، وكيف يمكن استبدال الألواح الشمسية قبل نهاية الحضارة؟
.. والمضحك أن أستراليا تتنبه إلى مدى حماية هذا الأثر ضد التخريب، أو محاولات الإرهاب والتطرف. 
.. "قد يكون له تأثيرات فورية إذا علم السياسيون وقادة الأعمال أن أفعالهم (أو تقاعسهم) قد تم تسجيلها"، هنا الملاحظة التي جعلت قيادات أمنية عالمية، تشد الرحال نحو أستراليا، لزيارة الهرم، فهل هذا الصندوق الأرضي، المصمم ليكون على هيئة الصندوق الأسود في الطائرات، هل سيتاح له البقاء.. كأكبر مشروع علمي خيالي، لتوثيق تغير المناخ ودور البشر في إحداثه. 
صيغت أحوال الصندوق بحيث يقدم لهيئته:
1-حسابات محايدة للأحداث التي يمكن أن تتنبأ وتؤدي إلى زوال الكوكب. 
2-مساءلة  مستقبل الأجيال الحالية، بما في ذلك الإلهام المعرفي لأجيال المستقبل. 
3- العمل المشترك، بشكل عاجل لتلافي النهاية المشئومة. 
4-يجمع الصندوق الأسود للأرض(....) آلاف البيانات والقياسات والتفاعلات المتعلقة بكوكب الأرض. 
5-شكل الحرب الكونية المستقبلية. 
6-إذا تدمرت الأرض نتيجة لتغير المناخ، فسيكون هذا الصندوق متاحا لمن بقي، ليتعلم درسًا مما مررنا به.
7-سيرفرات ومحركات الأقراص الصلبة بدأت بالفعل في التسجيل، بدءًا من مؤتمر المناخ "كوب 26" (COP26) في غلاسكو نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.


… واضح أن الأمر جدي، تفوق تكلفة استدامته خلال نصف القرن القادم، حوالي مليار ونصف المليار دولار أمريكي، حصيلة صناديق أبحاث، في ذلك وصف تقرير- نشره موقع "ساينس ألرت" (Science Alert)، مشروع "إيرثز بلاك بوكس" (Earth’s Black Box) بأنه عبارة عن منشأة فولاذية عملاقة- هيكلة معمار الهرم الأسترالي، أبعادها 10 أمتار في 4 أمتار في 3 أمتار على وشك أن تبنى على نتوء بعيد على الساحل الغربي لتسمانيا، وسيتم ملؤها قريبًا بمحركات الأقراص الصلبة التي تعمل بألواح الطاقة الشمسية.
على  الموقع الرسمي  للمشروع، التمهيد النظري، والمفهوم العلمي والجمال، أنه يركز على فلسفة تتغير ذاتيًا: "ما لم نغير طريقة حياتنا بشكل جذري، فإن تغير المناخ والمخاطر الأخرى الناتجة عن الأنشطة الإنسانية المدمرة ستؤدي إلى انهيار حضارتنا".

.. الخوف، عادي عند البشرية التي عرت تراثها، وتركته السحابة الرقمية والإنترنت والذكاء الصناعي، لهذا سيجمع الصندوق قياسات درجات حرارة الأرض والبحر، وتحمض المحيطات، ونسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وانقراض الأنواع، والتغيرات في استخدام الأراضي، بالإضافة إلى أشياء مثل السكان والإنفاق العسكري واستهلاك الطاقة.
.. ومكاتب واعلامي وسارد، ولي معارك في الرسم والتشغيل، علمت، لنقل تحريت، لتصيبني صعقة، فالهرم، بالبلدي: "مش لازم حدوده ومش مصلى ع النبي"، فالجدع الذي صمم الفكرة، طحن فيها كل شيء…:

عناوين الصحف ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي والأخبار من الأحداث الرئيسية مثل دورات "مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ" (Conference of the Parties). 
.. وأخوانا، أدركوا أنهم يجب أن يضعوا علامات للنهايات الكبرى.. فقالوا:
.. "وهكذا إذا اكتشف هذا الأرشيف يومًا ما الأجيال المستقبلية، فسيكونون قادرين على فهم ما حدث لنا على هذا الكوكب".
.. يجب أن لا ننسى، هناك من يعمل بدهشة وصمت ويضعنا في حيرة.. ذلك أن هذا العمل، وهو تعاون بين باحثين في "جامعة تسمانيا" (University of Tasmania) ووكالة التسويق "كليمينجر بي بي دي أو" والوكالة الإبداعية "ذا غلو سوسايتي" (The Glue Society).. يفوق ميزانيات أبحاث وأفكار جامعتنا العربية والإسلامية مجتمعة.

.. للعلامة عبدالرحمن ابن خلدون، مقدمة كتاب/ لنقل حساب مفتوح للبشرة، يُعَدُّ موسوعةً تاريخيةً؛ مجموع إنسانيًا في سبع مجلدات، وطبع بعنوان تاريخ ابن خلدون.. وهو الذي تنبأ قبل أي فكرة: "الدولة والملك والعمران (أي الاجتماع) بمثابة الصورة للمادة، وهو الشكل الحافظ بنوعه لوجودها، وقد تقرر في علوم الحكمة أنه لا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر، فالدولة دون العمران (الاجتماع/ المجتمع) لا تُتصور، والعُمران دون الدولة والملك متعذّر؛ لما في طباع البشر من العدوان الداعي إلى الوازع"؛ فمهمة الدولة حماية المجتمع وأفراده، والمجتمع هو أساس الدولة" .

  • [email protected]
  • حسين دعسة، مدير تحرير جريدة الرأي الأردنية.