رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

16 يومًا لا تكفى للقضاء على العنف

نحن في حاجة إلى جهود جادة وحملات مجتمعية طوال العام للقضاء على العنف ضد المرأة.. نحن في حاجة إلى زيادة الوعي إلى خطورة الممارسات العنيفة على حياة الفتاة والسيدة، والتي قد تودي بحياتها أو قد تسبب أضرارا جسدية ونفسية وصحية لها طوال عمرها في حالة الختان، أو قد تؤدي إلى تدمير الأسرة وهدم البيت وتشريد الاطفال في حالة ضرب الزوجة، أو قد تطيح بمستقبل شاب فيتم سجنه نتيجة تهوره بالتحرش بفتاه أو سيدة في الشارع.

إن العنف ضد النساء له عدة أشكال وممارسات ودرجات كلها سيئة أو خطيرة،  لكنه في كل الأحوال مرفوض ولا بد من التصدي له ومواجهة تبعاته بهدف القضاء عليه، وتغيير الثقافة المجتمعية السائدة الآن .

ومن أجل بناء مستقبل خالٍ من ممارسات العنف على المرأة حددت هيئة الأمم المتحدة للمرأة ١٦ يوما من النشاط،  تبدأ في ٢٥ نوفمبر وتستمر حتى ١٠ ديسمبر، وهو اليوم الذي تحيي فيه ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان، حيث يتم تنظيم فعاليات عامة عديدة وتلون بعضا من أشهر المباني باللون البرتقالي؛ حتى يذكر الجميع بالحاجة الى مستقبل خالٍ من العنف، حيث أظهر تقرير جديد صدر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، واستنادا الى بيانات قدمتها ١٣ دولة منذ أن بدأت جائحة كورونا أن ٢ من كل ٣ نساء أبلغن عن تعرضهن لشكل من أشكال العنف، ولإذكاء الوعي تم اختيار شعار في العام الماضي وهو "لون العالم برتقاليا: فلننه العنف ضد المرأة الآن"، فاللون البرتقالي هو لون تم اختياره ليمثل مستقبل أكثر إشراقا وخاليا من العنف ضد الفتيات والسيدات.

وتطالب حملة القضاء على العنف منذ العام الماضي، والتي يقودها الأمين العام للأمم المتحدة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة منذ ٢٠٠٨، بمنع العنف ضد النساء والفتيات والقضاء عليه في جميع أنحاء العالم، وتدعو إلى اتخاذ إجراءات عالمية لإذكاء الوعي ولتعزيز الدعوة في اتجاه تحقيق هذا الهدف ولإتاحة الفرصة لمناقشة التحديات والحلول، ولا بد من أن نعود الى حقيقة واضحة، وهي أن العنف ضد المرأة والفتاة يعد واحدا من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا وتدميرا في عالمنا اليوم، وهو يظهر في أشكال جسدية وجنسية ونفسية عديدة، وما زالت تحيط به ظواهر مثل الإفلات من العقاب والصمت والوصم بالعار، فهناك العنف المنزلي كالضرب والإساءة النفسية والاغتصاب الزوجي.

وهناك التحرش والاعتداء الجنسي على الأطفال والزواج القهري والاتجار بالبشر والملاحقة والإحصائية الإلكترونية وختان الإناث وزواج الأطفال، وأعود إلى تاريخ مهم، وهو بدء إعلان القضاء على العنف ضد المرأة، حيث صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ١٩٩٣، أن للعنف ضد المرأة تعريفا وهو كالتالي:

أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك  التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة، ثم حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم ٢٥ نوفمبر في عام ١٩٩٩ اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة.. ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية لتنظيم فعاليات ذلك اليوم المخصص للتعريف بهذا الموضوع، مما يمهد الطريق نحو القضاء علي العنف  ضد  النساء والفتيات في جميع انحاء العالم، ثم شرع الاتحاد الأوروبي في مبادرة عالمية جديدة متعددة السنوات تركز على القضاء على جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات ويطلق عليها اسم "مبادرة تسليط الضوء.

وسميت المبادرة بهذا الاسم لأنها تركز الاهتمام على هذا الموضوع، وتعمل على دفعها إلى دائرة الضوء وتضعها في مقدمة الجهود التي تهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة بما يتماشي مع خطة التنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠.

وحتى الآن لا يزال العنف ضد المرأة يشكل حاجزا أمام تحقيق المساواة والتنمية والسلام، وكذلك استيفاء الحقوق الإنسانية للمرأة والفتاة، وبشكل عام لن يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة دون وضع حد للعنف ضد النساء والفتيات.

وتظهر الأرقام أيضا أن العنف المنزلي قد تزايد في بلدان عديدة منذ بدء جائحة «كوفيد- ١٩»، وأن نسبة ٧١ في المائة من جميع ضحايا الاتجار بالبشر في العالم هم من النساء والفتيات، و٣ من أصل ٤ منهن يتعرضن للاستغلال الجنسي.

وفي مصر تستمر هذا العام الجهود الرامية إلى التصدي للعنف ضد المرأة، فعلى مستوى  الدولة أضاء المجلس القومي للمرأة مقره الرئيسي بالقاهرة باللون البرتقالي في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة تضامنا مع النساء في جميع أنحاء العالم، ولدعم مناهضة جميع أشكال العنف ضدها في العالم.. وينظم المجلس حملة هذا العام وتتضمن العديد من الأنشطة والفعاليات للتوعية بالمسألة، وخلق رفض مجتمعي للثقافة السلبية الموروثة حول العنف ضد المرأة، والتعريف بالمخاطر الصحية والنفسية لذلك.

وفي اعتقادي أن المرأة والفتاة في بلدنا في حاجة إلى حملة مستمرة طوال العام وليس لـ١٦  يوما فقط، بهدف القضاء نهائيا على كافة أشكال العنف ضدها، إنها في حاجة أيضا إلى حمايتها من خلال تفعيل القوانين وتغليظ العقوبات للجرائم والممارسات العنيفة، وشن حملات إعلامية على مدار العام تكثف التوعية بوقف العنف ضدها من خلال البرامج والأفلام والدراما. 

ومن الضروري أيضا أن تقوم المدارس والجامعات بدور فعال لتعزيز احترام المرأة ودعم دورها المجتمعي، والمساهمة في تنشئة أجيال ذات فكر مستنير يؤمن بالمساواة بين الجنسين، ويقدر مكانة المرأة في المجتمع ولا ينتقص من شأنها أو يستبيح ممارسة أي شكل من أشكال العنف معها.. ما زالت المرأة المصرية تعاني من كافة أشكال العنف ضدها، ومن التفكير الذكوري، وتعاني الفتيات من التحرش والختان وزواج القاصرات والزواج القصري والعنف المنزلي، وإذا كانت بعض القوانين قد تم تغليظها مؤخرا إلا أننا ما زال أمامنا طريق يتطلب تضافر كافة الجهود لتحقيق تقدم في أحوال المرأة والفتاة المصرية، وصولا إلى هدف أساسي يتلاءم مع إعلان الجمهورية الجديدة، وما نأمله لبلدنا من تقدم وتوفير حياة آمنة لها، بلا عنف، حياة تتحقق لها فيها منذ الصغر المساواة الكاملة والتامة.