رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعليم العالى.. والبحث العلمى

بالتزامن مع استضافة مصر الدورة الرابعة عشرة للمؤتمر العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «الإيسيسكو»، ICESCO، شهدت العاصمة الإدارية الجديدة، أمس الأربعاء، إطلاق النسخة الثانية من «المنتدى العالمى للتعليم العالى والبحث العلمى»، GFHS ٢٠٢١، بحضور، وتحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، ومشاركة عدة دول من العالم الإسلامى وعدد من الجامعات والمنظمات والجهات الدولية.

ما يحدث فى مصر، الآن، ومنذ خمس سنوات تقريبًا، هو أن بناء الإنسان، صار على رأس أولويات الدولة، وجرى ضخ استثمارات ضخمة فى تطوير المنظومة التعليمية. وهناك شواهد كثيرة تؤكد أننا مستعدون، أو جادون، كما قال الرئيس، لمواجهة تحديات التعليم. وقطعًا، سنقطع خطوات أكبر، لو تمت الاستجابة لدعوته، دعوة الرئيس، وجرى إنشاء صندوق لتمويل التعليم الجامعى فى العالم الإسلامى.

فى هذا السياق، يتناول المنتدى، على مدار ثلاثة أيام، عددًا من المحاور، أبرزها مستقبل العمل، إعداد وتأهيل الطلاب وشباب الباحثين لوظائف المستقبل، واحتياجات أسواق العمل المحلية والدولية. إلى جانب إقامة سلسلة من الفعاليات والأنشطة، فى صورة اجتماعات، ندوات، ورش عمل، حلقات نقاش، محاضرات علمية ومعرض يضُم العديد من الأجنحة الخاصة بالمُشاركين من مختلف الجامعات، الحكومية والخاصة والدولية، والشركات التكنولوجية المُتخصصة فى التعليم والبحث العلمى، والمُنظمات الدولية، وجهات التمويل. 

منذ أن صار التعليم العالى مجانيًا، فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لم تشهد مصر طفرة تعليمية وعلمية، كتلك التى شهدتها خلال السنوات الخمس الماضية. إذ تقول الأرقام إن عدد الكليات والبرامج الحاصلة على شهادة الاعتماد الأكاديمى من «الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد»، بلغ حتى الآن، ١٨٦ كلية وبرنامجًا، بين اعتماد وتجديد اعتماد: ١١ كلية وبرنامجًا سنة ٢٠٢٠، و٥٦ سنة ٢٠١٩، و٤٠ سنة ٢٠١٨، و٤٨ سنة ٢٠١٧، و٣١ سنة ٢٠١٦. وجار العمل على الانتهاء من المشروع القومى لرفع كفاءة البنية التحتية المعلوماتية للجامعات، اتساقًا مع سياسة الدولة للتحول الرقمى من أجل تحويلها إلى جامعات ذكية.

هنا، قد تكون الإشارة مهمة، أو لا تكون، إلى أن لدينا منذ ١٧ سنة، صندوقًا لتطوير التعليم، تم إنشاؤه بالقرار الجمهورى رقم ٢٩٠ لسنة ٢٠٠٤، يسعى إلى، أو من المفترض أنه يسعى إلى، تحسين التعليم قبل الجامعى والتعليم العالى من خلال تقديم نماذج رائدة من التعليم وتوفير تعليم ذى جودة عالية؛ لتحقيق متطلبات سوق العمل من الكوادر البشرية المعدة والمؤهلة تأهيلًا علميًا متميزًا. كما يقوم الصندوق، أو من المفترض أنه يقوم، بتقديم المساندة والدعم الفنى للمشروعات، التى تسهم فى برامج تطوير التعليم فى مستوياته المختلفة.

على مستوى البحث العلمى، تقدمت ٣ مجلات علمية مصرية فى تصنيف كلاريفيت الدولى، وارتفع عدد المجلات المصرية ذات معامل التأثير المدرجة فى ذلك التصنيف كلاريفيت ليصل إلى ٨ مجلات علمية مصرية. وفى تصنيف مؤسسة SCImago الإسبانية، احتلت المؤسسات الحكومية المصرية خمسة مراكز ضمن العشرة الأفضل فى قارة إفريقيا: المركز القومى للبحوث «المركز الأول»، أكاديمية البحث العلمى «المركز الثالث»، معهد بحوث البترول «المركز السادس»، مركز البحوث الزراعية «المركز الثامن»، مركز بحوث وتطوير الفلزات «المركز التاسع». والأهم هو أن البحث العلمى صار يلعب دورًا فى تطوير المرافق العامة والتحسين البيئى. وهناك بالفعل ٥٨٢ مشروعًا يجرى تنفيذها بمجالات الطاقة والمياه والصحة والاتصالات والزراعة والتطبيقات التكنولوجية الحديثة والبيئة والصناعات الاستراتيجية.

يقودنا ذلك الدور، أو هذه المشروعات، إلى الحديث عن نموذج «اللولب الثلاثى»، Triple Helix، للابتكار، الذى وضعه العالمان إلياهو إيتزكوفيتز ولويد ليديسدورف، والذى يقوم على التفاعل بين ثلاث مؤسسات: الجامعات، المنتجة للأبحاث العلمية، والصناعات، المولدة للثروة، والحكومة، التى تنظم آليات السوق، وصولًا إلى ظهور مؤسسات مختلطة، تعتمد على مفاهيم اقتصاد ومجتمع المعرفة.

.. وأخيرًا، نرى أن مناقشة مستقبل التعليم العالى والبحث العلمى، فى سياق دولى مترابط، وغير محدود، خطوة مهمة، بل مهمة جدًا، لمواكبة المستجدات المستمرة، والتعرف على آليات التطوير وتحديات التطبيق، والارتقاء بالدور المجتمعى للجامعات، بشكل يجعل لها دورًا أكثر فاعلية فى خدمة التنمية المستدامة.