رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسن البطل قامة ثقافية فلسطينية.. وداعاً

بين القدس ورام الله، شهدت المدن الفلسطينية، نهاية قامة ثقافية واعلامية مهمة. 
انه الكاتب الذي اختزل الحياة، الجهاد، الشتات، عبر مقالة، عن الوطن، عن الشهداء، عن الفقراء. 
توفي  ساعة كان الريح يحمل المسك والعنبر، مبتسم، حائرا، لكنه مات. 
صباح  رام الله كان حزينا، مؤلما، أمس الأربعاء، غاب الكاتب  الصديق، المبدع، الأشكال، وغاب معه شخصية الصحفي، الاعلامي حسن البطل. 
.. كيف نعاود القول ان الراحل كان أشهر كتاب العمود والمقال الصحفي، وأنه كان من الذين أثروا المشهد الفلسطيني، بثقافتهم وبإبداعهم على مدار أكثر من أربعين عاماً من العمل الثقافي والكتابة السياسية والوطنية.
لا يمكن رصد حسن البطل، بما خط القلم، بل بما أسس، منذ عاش اللحظة. لحظة الشتلات والقهر واللجؤ، من مدينة إلى أخرى.

ولد البطل في 14 تموز 1944 في طيرة حيفا، 10كم جنوب حيفا، ثم تهجر مع عائلته إبان نكبة 1948 إلى سوريا، واجتاز مراحلة المدرسية الأولى في دوما بالعاصمة السورية دمشق، وحصل على درجة الماجستير من الجامعة نفسها العام 1968، فرع  الجيولوجية.


.. لكنها قدراته واقترابة من قوة الكلمة، جعلته يطلق لها جيولوجيا خاصة، فعمل محرراً يومياً في إذاعة فلسطين بالعاصمة العراقية بغداد، وكاتباً لتعليق يومي ما بين العامين 1972 و1994، وانضم إلى هيئة تحرير مجلة “فلسطين الثورة” في العاصمة اللبنانية بيروت، محرراً للشؤون العربية، ومن ثم للشؤون الإسرائيلية، كما كتب فيها مقالة أسبوعية بعنوان “فلسطين في الصراع”، ومقالة يومية في جريدة “فلسطين الثورة” بعنوان “في العدو”، واستمر كذلك حتى الخروج من بيروت.

بعد أن عادت القيادات الفلسطينية من المهجر والستات، كان حسن البطل ممن عادوا إلى فلسطين العام 1994، والتحق بهيئة تحرير “جريدة الأيام” اليومية الفلسطينية بمدينة رام الله منذ تأسيسها في 25 كانون الأول من العام 1995، وكتب فيها عامودها اليومي “أطراف النهار” بشكل يومي حتى شباط من العام 2016، حيث باتت تظهر “أطراف النهار” لثلاث مرات في الأسبوع، بحسب معلومات أفرجت عنها جريدة الايام.

منحه محمود درويش، جائزة فلسطين في المقالة العام 1988،  عن جدارة وثقة، وحين كان الراحل  الشاعر محمود درويش رئيساً للجنة التحكيم، أصر على تكريم البطل، وفيما بعد حصل على وسام ودرع إتحاد الصحافيين العرب في القاهرة العام 2015، بمناسبة اليوبيل الذهبي للإتحاد، واختير الراحل البطل، شخصية العام الثقافية عام 2018، فحدث اتفاق ثقافي تمرينا للدور السياسي والمعنى لحسن البطل.

" إن البطل شكل فضاء إبداعياً يخصه من خلال مقالة فارقة جعلته واحداً من أهم كتابها، فهو صاحب رؤية مغايرة ولغة خاصة مكنته من اجتراح سياق معرفي استثنائي وتجربة لها حضورها الذي يعرفه المشهد الفلسطيني والعربي، واللذان يفقدان طاقة إبداعية أرست مداميك وعيها في فلسطين الثورة ومسيرة الثورة الفلسطينية قولا وفعلا ناجزاً". بمثل هذه الرؤية  الوطنية نعى الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، الراحل البطل.


الموت يخطف ما كان؛ غير أن حسن البطل ترك لنا قبل الرحيل إرثاً مهماً اختاره بنفسه بعناية حين جمعه من مقالات عدة في سيرة من أربعة أجزاء بعنوان "وأنت يمشيك الزمان" عن دار الرقمية في فلسطين.

في ذكرى مرور سبعين عاماً على النكبة، في عام ٢٠١٨ صعد حسن البطل درجات المسرح في قصر رام الثقافي، بحسب ما قال وزير الثقافة الفلسطيني الاسبق إيهاب بسيسو:بكل ارتياح وثقة إلى مشوار غني بالحياة والنضال النقي الراسخ في المفردات ليكون عنواناً لنا وللأجيال القادمة، فظل وبقي واستمر شخصية العام الثقافية بكل ما تحمله هذه الصفة من دلالات التأثير والإلهام في الأجيال القادمة.

مع بسيسو نردد، حسن البطل، لن نقول وداعاً حاسمة ولكن وداعاً إلى اللقاء ...
سنترك لك منذ الآن وقتاً هادئاً للتفكير في مقال قادم عن الحرية وحيفا ولن نزعجك بأخبار متعبة بعد اليوم؛ذلك اننا نعيد الدعوة إلى فهم كتابة حسن البطل، واتذكر  ان ما كتب في سنته الثقافية.. كان مسارا للوعي:
.. اقرؤوا حسن البطل لتَستَعيدوا قَبَسَ الضُّوءِ من ضَبَابٍ عَابرٍ، تَشَكَّلَ في ازدِحَامِ الطُّرقِ بِصَخبِ الحَواجِزِ وجُنودٍ كَسالى في أبَراجِ الحِرَاسَةِ وعندَ مَداخلِ المُدنِ والقُرى والمُخَيَّمات ...

اقرؤوه لتَستَعيدوا في الكَلمِاتِ سِرَّ البَساتِينِ البَعيدةِ حَيثُ الحِكَاياتُ الخَفِيَّةُ مَزيجُ بلادٍ ومُوسِيقى ...

اقرؤوا حسن البطل لتَكتَشِفوا مَرَايانا ... كم هي مُتعبَةُ ومُرهقَةٌ ذَوَاتُنَا في المَرَايا ... وكم هي مُشرقَةٌ حين يَلتَقِطُ حسن البطل صُورَةً من صُورِنَا اليَومِيَّةِ ليُوجِّه إليها الضُّوءَ فنَعودُ مَرَّة أخرى للأملِ وإن كانَ بَسيطاً ومَحدوداً ومُتقشفاً كمَا الوَقت  .
.. وداعا.. فقد توقف نبض القلم، لم تعد السيجارة طعمها او رائحتها.