رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رفعت السعيد يكتب: هكذا خطط شكرى مصطفى ورجاله لخطف واغتيال الذهبى «3»

رفعت السعيد
رفعت السعيد

«التكفير والهجرة» طلبت 200 ألف جنيه والإدلاء ببيان عبر التليفزيون لإطلاق سراحه 

عندما اختير «الذهبى» وزيرًا للأوقاف أصر على عدم تعيين حرس خاص على باب منزله 

 

لن تقدر على مواجهة الثعابين وهزيمتها إلا بالدخول إلى أعمق نقطة فى جحورها.. هناك ستعرف حركاتها.. طرق خداعها.. كيف حتى أن بعضها يتظاهر بالموت المحقق، وهو ينتظر فرصة سانحة للقضاء عليك.. حتى إن أصابتك لدغاتها، لن تُشفى إلا بمصل يُستخرج من سمومها.

حقائق آمن بها المفكر الكبير الراحل رفعت السعيد، رئيس حزب «التجمع» السابق، من خلال مؤلفاته العديدة التى شَرحَ من خلالها تنظيمات «المتأسلمين» بمختلف أنواعها، سواء ما تُسمى «تيارات الإسلام السياسى»، أو الحركات الجهادية.

من بين هذه المؤلفات كتاب «المتأسلمون .. الآتون من عباءة الإخوان»، الذى استعرض «رفعت» خلال أحد فصوله قصة شكرى مصطفى، مؤسس ما عرف باسم تنظيم أو جماعة «التكفير والهجرة»، بداية من أفكاره التى تأسست داخل السجن، مرورًا بتأسيس التنظيم وانتشاره فى الصعيد والجامعات، وصولًا إلى ما يمكن اعتباره ذروة نشاطاته المتمثلة فى اختطاف واغتيال الشيخ محمد حسين الذهبى، وزير الأوقاف، فى الثالث من يوليو ١٩٧٧، وهو ما ننشره فى السطور التالية، على مدار أكثر من حلقة.

إذا أردنا نتحدث عن فكر شكرى مصطفى فإننا لن نكون بحاجة إلى قول كثير.. هذه مقتبسات متسعة من أخطر كتب شكرى مصطفى وهو «التوسمات» وهى وثيقة لم يسبق نشرها لكننا سنقدم إشارات موجزة.

- لا فقه ولا إجماع ولا استحسان ولا مصالح مرسلة، فقط قال الله وقال الرسول.

- للمسلم أن ينهل مباشرة من كتاب الله دون حاجة إلى فقهاء أو علماء «ولقد يسرنا القرآن للذكر».

- ويقول من قلد كفر.. أى من يقول إنه يتبع أحد الفقهاء كأنه يقول إنه شافعى أو حنفى أو حنبلى فقد أشرك بالله، ويستند إلى الآية «اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله».

- يرى شكرى مصطفى أننا مقبلون على آخر الزمان، ويورد أدلة اقتراب قيام القيامة ويدعى أنها تحققت أو هى بسبيلها إلى ذلك. ومن ثم يعتبر نفسه «أمير آخر الزمان».

- ويقول إنه سيخوض الحرب ضد روم الأرض «أمريكا والاتحاد السوفيتى آنذاك وكل الدول الكافرة»، وسوف يستخدم فى ذلك القتال الخيل «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل»، والسيوف «الجنة تحت ظلال السيوف» حديث شريف، وهو يرفض أى تكتيكات أو مناورات فى هذه الحرب، فالحديث الشريف يقول: «يحارب المسلمون كما يصلون صفًا» لأنها نفوس باعت نفسها واشترت الجنة. وإذ يشعر بأن الشكوك تحيط بإمكانية الانتصار فى حرب كهذه وبسلاح كهذا وخطط كهذه.. يردد «وكان حقا علينا نصر المؤمنين»، و«وإن جندنا لهم الغالبون».

- أما خطته للوصول إلى مرحلة الحرب.. فهى على عدة مراحل: 

■ الدعوة العلنية إلى كلمة الله، ولا تكون فيها سرية إلا للضرورة.

■ ثم اعتزال المجتمع الجاهلى عندما يشتد البلاء وتزهق الأرواح، وهنا تكون الهجرة إلى أرض تحفظ على المؤمنين إيمانهم، وما من رسول إلا وهاجر، وهكذا تتحقق التخلية التى يسلط فيها سبحان وتعالى الكافرين على بعضهم البعض وينزل عليهم من المصائب ما قد يدفع بهم إلى الإفاقة من جاهليتهم.

■ ومن ثم يعود المسلمون من هجرتهم وهم أقوياء وينتصرون حتمًا على جند الشيطان.

■ ولعل المنبع الأساسى لهذا الفكر هو الأخذ المطلق بالتفسير النصى للقرآن، فهو لم يضع فى الاعتبار أسباب النزول ولا دوافعه ولا توقيتاته، وإنما، وفقط، الفهم اللغوى الصرف للنص، فقاده ذلك إلى مزالق عديدة.

منها على سبيل المثال «يعود الإسلام غريبًا كما بدأ» وكما تعنى المثلية فى كل شىء. ومن ثم يكون على المسلم الأخذ قولًا وفعلًا بما كان عليه الأمر عند البدء بالدعوة المحمدية.

ولا بد من استخدام القوة والعنف، ففى القرآن الكريم «بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق».

ويفسر شكرى الآية فى كتابه «التوسمات» بأن الله لم يضع الحق على الباطل بل يقذفه. أى بقوة وبشدة.

وتتجلى فداحة الأخذ بالتفسير النصى من إصراره على مواجهة طائرات ودبابات «روم الأرض» وقنابلهم الذرية بالخيل والسيف. كما تتجلى أيضًا فى موقفه من العلم والتعليم، فالعلم وسيلة لعبادة الله، وكل علم يتعلمه الإنسان لغير العبادة فقد تعلمه لنفسه وتعلمه لغير الله. وهذا شرك.

ويقول رسول الله: «اللهم أنى أعوذ بك من علم لا ينفع» ويضيف شكرى من عنده «أى علم لا أعبدك به» ويقول «وقد ذم الله تعالى التعليم من أجل الدنيا وعلوم الدنيا التى يطغى بها البشر».

ثم يصل شكرى إلى نهاية أليمة «النبى (صل الله عليه وسلم) لا يقرأ، كان فى قدرته أن يقرأ ويحسب، بل إن أمته كلها أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، ثم يورد الآية الكريمة «هو الذى بعث فى الأميين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين».

ويفسرها تفسيرًا غريبًا، فالأميون فى أول الزمان يجب أن يبقوا أميين فى آخر الزمان. وإذ يتعلمون فإنه غير مسموح لهم فى نظره إلا علم «الكتاب والحكمة».

ثم هو يتمادى فى التفسير النصى ليصل إلى القول «ولقد خرجت كما هو معلوم من الأمة الأمية خير أمة أخرجت للناس، أو بمعنى آخر خير أمة أخرجت للناس أمة أمية. ويقصد بالأمة الأمية عموم هذه الأمة وغالبيتها، ولا مانع من وجود قراء وكتاب من هذه الأمة، ولكن بقدر الضرورة، والذى نعنيه من ذلك أن جماعة الحق فى آخر الزمان خير أمة سوف تخرج للناس مرة ثانية، سمتها وعمومتها أنها أمة أمية لأنها تدخل فى قول الرسول ونحن أمة أمية».

ولست بحاجة إلى مزيد. فعلى هذا النمط فى فهم القرآن والسنة سار شكرى مصطفى وسار أتباعه. فقط نتأمل المنطق ونتأمل كيف تساق التفسيرات وتستخرج من النص استخراجًا غير منطقى وربما غير عقلانى.

وفى واحدة من جلسات التثقيف التى كان شكرى مصطفى يحاضر فيها.. سمع منه عبدالرحمن أبوالخير العبارة التالية: «إنى أتهم بالخيانة العظمى أولئك الرجال من قادة الحركة الإسلامية الذين قادوا رجالهم إلى التهلكة، وفرطوا فى أعناقهم أو بوؤهم أعماق السجون.. وأسلموا رجالهم لجلاديهم والمشانق والسجون».

ويردد أبوالخير نفسه ذات الموقف قائلًا «إنها حوادث غريبة، لم يكن لجماعات الحركة الإسلامية فيها مصلحة، بل اتخذت كمبرر مبهج للجمهور المصرى خفيف العقل ضدالحركة الإسلامية، فبارك وأدها ووأد الإسلام معها، قال تعالى فى المصريين «فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قومًا فاسقين».

ومع ذلك فعلوها بأنفسهم فى أنفسهم وقاموا بعملية ساذجة خائبة ربما كانت تتويجًا لسوء تقدير الخصم. ذلك الطاغوت الذى استدرجهم إلى لعبة «الحسابات الدقيقة للمصالح المشتركة» هى عملية اختطاف واغتيال الدكتور الذهبى التى انتهت بتصفية الجماعة وتوجيه ضربة قاسية لها.

فمَن هو الذهبى؟ 

كان الشيخ الذهبى رجلًا هادئًا مطمئن النفس قليل الكلام، تحول بيته فى حلوان إلى ملتقى إسلامى تدار فيه ندوة إسلامية مفتوحة كل ليلة، يستطيع أى مسلم حضورها بغير دعوة أو سابق معرفة. وعندما اختير وزيرًا للأوقاف أصر على عدم تعيين حرس خاص على باب منزله، وظلت أحوال البيت كما هى، بحيث لم يشعر أحد بأن فى هذا البيت وزيرًا.

ولم يكن الشيخ يفكر فى لحظة أن آراءه سوف تضع نهاية درامية لحياته على يد جماعة التكفير والهجرة، و«كان قدر الشيخ الذهبى أن يتولى وزارة الأوقاف إبان تلك الفترة التى بدأت فيها هذه الجماعة فى نشر أفكارها بين الشباب المتحمس للدين، وقد انتشرت هذه الأفكار مما أثار حفيظة رجال الحكم وقلقهم، وكذلك قلق القائمين على الدعوة الإسلامية».

«وقد ولد الشيخ محمد حسين الذهبى فى قرية مطوبس (كفر الشيخ) عام ١٩١٥ وكان أول دفعته فى شهادة العالمية، التى حصل عليها فى الشريعة عام ١٩٣٩. ثم حصل على درجة الدكتوراه فى التفسير والحديث عام ١٩٤٦، وأعير من كلية أصول الدين التى عمل بها أستاذًا لجامعة الكويت لتدريس مادتى التفسير وعلم الحديث فيها. وفى عام ١٩٧٣ أصبح عميدًا لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وأصبح أمينًا عامًا لمجمع البحوث الإسلامية وأمينًا لمؤتمر علماء المسلمين عام ١٩٧٤، ثم اختير وزيرًا للأوقاف فى أبريل ١٩٧٥، وله عديد من الكتب فى الأحوال الشخصية ومذاهب المسلمين وكتاب يتضمن تفسير سور الأحزاب والنور والنساء وكان يخطط لاستكمال تفسير بقية القرآن».

وفى عام ١٩٧٥ أدرك القائمون على شئون الدعوة فى وزارة الأوقاف خطر انتشار أفكار المتأسلمين، خاصة على يد جماعة التكفير والهجرة، فأصدر الشيخ كتيبًا من ٦٨ صفحة اشترك فى تأليفه ١٩ شيخًا من رجال الدعوة بالوزارة يردون فيه على هذه الأفكار.

وكتب الذهبى مقدمة هذا الكتيب الذى أهداه إلى الشباب المؤمن الذى يحاول إصلاح نفسه. وجاء فى المقدمة «إن جماعة أطلقت على نفسها أهل الكهف أو جماعة التكفير والهجرة. غالب الظن أن هذه الجماعة ليست إلا فئة من الشباب ينشد التدين فى أسمى صوره وأبعدها عن مظاهر فساد الخلق وانحراف السلوك. ولكن فريقًا من المتطرفين الذين يسعون فى الأرض فسادًا قد استغلوا فى هذا الشباب حماس الدين فأتوه من هذا الجانب وصوروا لهم المجتمع الذى يعيشون فيه بأنه مجتمع كافر يجب مقاومته».

وظل الدكتور الذهبى يؤكد فى كتاباته وفى محاضراته وندواته آراء تقول: «إن الإسلام ينتشر بالدعوة الهادئة والإقناع وليس بالإرهاب. وإنه لا بد من تنقية الفكر الإسلامى من البدع والخرافات والضلالات بعد أن أصبح صوت الخرافة أقوى من صوت الحقيقة، ولا بد من تنقية تراثنا من شوائب التخريف والتضليل، وتعرية كل محاولات الدس والتأويلات المغرضة التى تعرض لها على مدى التاريخ، وأن أى نشاط تخريبى يبعد الشباب عن الدين، وليس المطلوب أن نقضى على هؤلاء، ولكن المطلوب أن نطهر عقولهم بجهود مخلصة».

ورغم هدوء الكلمات والكتابة المحاذرة دفع الشيخ حياته ثمنًا لها. فى واحدة من أندر العمليات الإرهابية، حيث تقوم جماعة تقول إنها مسلمة باغتيال شيخ مسلم بل كبير من كبار شيوخهم.

المهم قررت الجماعة، أو بالدقة قرر أميرها شكرى مصطفى، اختطاف الشيخ.. فكيف تم ذلك؟ ولماذا؟ ومن المدبر الحقيقى؟ 

ابتداءً يقول عبدالرحمن أبوالخير إن هذه العملية كلها كانت جزءًا من خطة «استثمار المصالح المشتركة»، بمعنى أن منفذيها قد استدرجوا لفعلها لإيمانهم بأنهم سوف يستفيدون منها.. بينما المستفيد هو المحرض (النظام الحاكم) لأنه بذلك سوف يتخلص من خصمين فى وقت واحد.. من الشيخ الذهبى ومن الجماعة التى قويت شوكتها بأكثر مما هو مسموح به. 

ونقرأ: «ولقد رحل الشيخ شكرى وأبوعبدالله (ماهر بكرى) شهيدين من منطلق اجتهد فأخطأ والله أعلم بالقلوب. لقد أقدما على لعبة استثمار الجماعة المسلمة للخطة السياسية للطاغوت من ذلك المنطلق الذى وسوس به شياطين الإنس إليهما طمعًا فى نصرة الجماعة المسلمة، فكان الخطأ وكان السقوط الذى من معالمه تحويل الجماعة المسلمة إلى حزب سياسى تؤسس خلفيات الأمير فيه على كتاب الأمير لميكافيللى.. وليس على نهج القرآن الكريم.. لقد استثمر الطاغوت حياتهم، ثم استثمر مماتهم لإرهاب الكل فى وقت اقتضت فيه مصلحته إرهاب الجميع». 

ثم يقول «لقد قتلوهم لأنهم مسلمون من طليعة الحق التى أثبتت نجاحها فى ميدان الحركة الإسلامية لبعث هذا الدين من جديد. لقد قتلوهم بعد أن أفقدوهم سنة الله فى الأمن «الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون»، وكان قتلهم تطهيرًا لهم.

ويشير أبو الخير فى الأسطر السابقة إلى من سماهم «شياطين الإنس»، فمن هم فى نظره؟ 

هما من يدعى أنهما رسل النظام للإيقاع بهم.. وهما الأستاذ شوكت التونى والأستاذ محمد صبيح الصحفى والسياسى المخضرم، وكلاهما كان على علاقة وثيقة بالنظام.

والأستاذ شوكت التونى يعتبر فى الفترة السابقة على عملية الاختطاف «محامى الجماعة»، إنه ذلك المحامى الذى قال عنه قادة الجماعة إن الحكومة قد كلفته برفع دعاوى تعويض ضد الصحف التى عرضت بالجماعة فى فترات سابقة، وضد الحكومة بسبب أوامر الاعتقال السابقة.. ويقول عنه أبوالخير «الأستاذ شوكت التونى من مشاهير المحامين بمصر، وهو عضو نادى روتارى القاهرة وصديق حميم لمخضرمى السياسة فى مصر ومنهم الأستاذ محمد صبيح الصحفى العجوز»، ويقول «والأستاذ شوكت التونى هو محامى الجماعة الذى اعتاد كل من الإخوة: ماهر عبدالعزيز بكرى، وأنور مأمون صقر، ومجدى صابر حبيب التردد على مكتبه، والمكوث معه الأوقات والأوقات.. وكان بلا شك للأستاذ شوكت التونى أثر فى مكونات الفكر الحركى للجماعة. لقد استحوذ على إعجاب ماهر وأنور ومجدى أحيانًا وكذا أبوطلحة (صفوت الزينى) الثابت عليه كثرة التردد على إدارة المباحث بعلم إمرة الجماعة. لقد تسلل شوكت التونى بأثره الهادئ السارى سريان السم بين الشرايين إلى عقل الجماعة، دون أن يدرى كل من فيها. بل إن زعامتها كانت ترى فى شوكت التونى ناصحًا أمينًا. حتى إذا ما وقعت الواقعة واختطف الذهبى فى موعده.. أصدر شوكت التونى محامى الجماعة نداءه إلى الجماعة للحفاظ على حياة الدكتور الذهبى ثم سافر فى نفس اليوم إلى أمريكا.. ولم يعد إلا شاهدًا أمام المحكمة العسكرية».

وقال أمام المحكمة «فى مساء يوم الخطف اتصل بى اللواء النبوى إسماعيل وقابلته وشرح لى ظروف الحادث وطلب منى التوسط لإنقاذ الذهبى، وأكدت له أنه لم يمس بسوء، وأصدرت بيانًا نشرته الصحافة والإذاعة والتليفزيون ثم فوجئت بنبأ قتل الذهبى أثناء وجودى فى أمريكا».

ويفسر البعض السفر المفاجئ والمتعجل للمحامى الذى يلعب دور الوسيط والمستحوذ على ثقة الطرفين بأنه كان استكمالًا للخطة الحكومية، فقد قطعت وسائل الاتصال بين الجماعة والحكومة، الأمر الذى ألجأ الجماعة إلى الاتصال تليفونيًا بعشرات الصحفيين والسياسيين لتبلغهم بمطالبها للإفراج عن الشيخ الذهبى، لكن أحدًا منهم لم يتدخل، لأن أحدًا لا يعرف شيئًا عن حقائق العلاقات ولا خفاياها.

وإذا جاز للمؤلف أن يتقدم بشهادته فإننى أدلى بها. ففى ظهر يوم الخطف اتصل بى تليفونيًا صوت متوتر وواهن، ليبلغنى أن الجماعة المسلمة قد اختطفت الشيخ الذهبى وأنها تشترط لإطلاق سراحه أن يسمح لها بالعمل العلنى، وأن تدلى ببيان عبر التليفزيون، وأن تدفع لها الحكومة ٢٠٠ ألف جنيه وأن تفرج عن أعضائها المعتقلين، كانت إجابتى: وما ذنب الشيخ الذهبى فى ذلك كله؟ فأجاب فى وهن واضح «الله غالب على أمره». وإذ تحدثت مع صحفيين عدة من زملائى فى جريدة الأهرام أجابوا بأنهم تلقوا ذات الرسالة..

ويسأل أبوالخير فى كتابه «إذا كانوا يريدون إنقاذ الذهبى فلماذا لم يدفعوا المائتى ألف جنيه ثم يقبضون عليهم ويستردونها».

ويردف أبوالخير مقولته بأن السبب فى رغبة النظام فى التخلص من الذهبى هو إعداده لتقرير خطير عن الفساد فى جهاز الدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف بمناسبة قضية المغربى الشهيرة التى كان الذهبى شاهد إثبات فيها.

لكن الرد على هذه الحجة أمر سهل. فقد كان بالإمكان إقالة الشيخ من الوزارة وإلزامه بالصمت.. وكفى الله المؤمنين شر القتال. لكن الأهم هو أن هذا التقرير قد نشر كاملًا بعد بضعة أشهر وكان بإمكان النظام أن يمنع نشره. ثم نعود إلى ما تردد حول هذه الصفقة المزعومة.

يقول الأستاذ علوى حافظ: إن السادات عين الشيخ الذهبى فى وزارة الأوقاف ونسى أو تناسى أنه أولًا وأخيرًا عالم فاضل. وفى وزارة الأوقاف اكتشف الذهبى الذى لا يعرف الحرام أبدًا عصابات لنهب وسلب أموال المسلمين اللى هو مسئول عنها أمام الله.

والسادات كان يعلم الكثير عن اللصوص، وبعضهم كان بيتكلم باسمه وفى ركابه فى كل الرحلات الخارجية والداخلية.. نهب مستمر دون رقيب ولا حسيب على هؤلاء الشياطين. لا مستندات ولا فواتير، والإجابة دائمًا جاهزة على ألسنتهم: دى سياسة عليا.

حتى وصل ذات يوم شيك إلى وزارة الأوقاف بالملايين تبرعًا من شخصية عربية لها قيمتها لتجديد وفرش بيوت الله، سرقت العصابة هذه الملايين كغيرها. وعندما طلب سفير هذه الدولة من الذهبى أن يقدم له بيانًا بأوجه إنفاق الشيك لم يجد الذهبى سوى أن يطلب إعفاءه من الوزارة وجمع ما لديه من أوراق رسمية تحمى ظهره. ورفض السادات قبول الاستقالة.

ورسمت خطة للتخلص منه. وطلبوا منه كتابة دراسة عن الجماعات وعملوا «مونتاج» للكتابة وطبعوا الكتاب، فاعتبرته الجماعة عدوًا لها وطلبت من الشيخ إيضاح موقفه فرفض، فهو وزير ولديه تعليمات بعدم مقابلتهم. وهنا اندس فى الجماعة مخبرون من أمن الدولة وهم الذين نفذوا عملية الخطف والقتل».

.. وعمر التلمسانى يلمح إلى شىء من ذلك فى كتابه «أيام مع السادات».

أما قاضى المحكمة العسكرية العليا التى حاكمت المتهمين وحكمت عليهم، فقد أدلى بأحاديث للصحف بعد صدور الأحكام قال فيها «إن المتهمين ادعوا أن الجريمة من تأليف وإخراج مباحث أمن الدولة. وإن جثة الشيخ الذهبى نقلت بعد القتل إلى الشقة التى ضبطت بها وإن اعترافاتهم أمام النيابة جاءت تحت التعذيب». وبمراجعة التحقيقات نجد أن شكرى مصطفى يشير كثيرًا إلى أن السادات هو الذى أحدث الوقيعة بين الجماعة والشيخ ليضرب عصفورين بحجر واحد.