رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعليم والتفكير النقدى والإبداعى



أعتقد أننا يجب أن نثمن كل الجهود والإنجازات التي تبذلها وزارة التربية والتعليم لتنفيذ خطة علمية لتطوير التعليم، والتي وضعتها الدولة ووجدت من القائمين على تنفيذها الاهتمام والوعي بتطبيق برامجها الزمنية رغم كل الأصوات الزاعقة التي اعتدنا ظهورها عند شروع الدولة في إحداث أو استحداث تغيير في عناصر وآليات وأهداف أي تغيير بشكل عام، والمتعلقة بمنظومة التعليم وإدارة وتشغيل ومتابعة مؤسساته بشكل خاص.
وفي الواقع لا يتسع مجال المقال بشكل واقعي لاستعراض جوانب تلك الخطة ومناقشة مدى نجاح بنودها أو إخفاقها بشكل علمي وموضوعي يليق ويناسب تلك الخطة في تلك المساحة المحدودة لمتابعة مرحلة من مراحل إدارة حكومية جاهزة للانضواء تحت لواء الجمهورية الجديدة بمشاريع تدفع في اتجاه بناء الإنسان.
ولكن ما يعنيني كمواطن هذا التوجه الرائع من جانب الوزارة ووزيرها لتحديث مفهوم التعليم والتعلم والسبل القادرة على تحقيق علامات الجودة في ظل توفير المناخ الداعم لفكرة ونهج يعتمد آلية إتاحة الولوج إلى دنيا المعارف والثقافات المختلفة لتصبح متاحة وتحت تصرف فلذات أكبادنا في كل مراحل التعليم وتحفيزهم على إعمال العقل والتفكير النقدي..
وأرى أن التفكير النقدي يسهم بشكل ضروري في تحرير مواطن اليوم والغد من التبعية للآخرين وتحقيق استقلالية الرأي، والتمكن من استخدام فعلي ومؤثر للقدرات الفكرية، ومنح القدرة على "المساءلة والمكاشفة الموضوعية"، وتقييم المواقف واكتساب مهارة التمييز بين الصالح والطالح وتقدير ما هو موجود وماهو مأمول في الغد وهو الذي يمكن الإنسان في النهاية من استخدام مهاراته الذهنية في الوصول إلى تحقيق تفكير يمتاز بالوضوح والدقة والمرونة والفاعلية المنطقية والحوارية، إذ يعد التفكير النقدي من متطلبات القدرة على التفكير الإبداعي وهو ما ننشد زرعه والعمل على ترسيخه لدى طالب العلم.
وهنا يؤكد أهل البحث والتخصص أن استخدام استراتيجيات تعليمية فاعلة تُكسب المتعلم فرصة التعلم المستمر، وتسهم في إعداده للمستقبل، بحيث يصبح قادرًا على الحصول على المعلومات المناسبة وتقييمها وتطبيقها، واستخدامها في صنع القرارات وإصدار الأحكام، حيث التفكير النقدي يلعب دورًا مهمًا في إحداث حالة  فكرية وثقافية رائعة، وينمي لدى المتلقي ملكة الإبداع بعيدًا عن القوالب التقليدية، فإذا لم يتوفر للفرد القدرة علي اتخاذ القرار السليم والمناسب، أو إصدار الحكم الصحيح، فإنه يقع فريسة للحلول الخاطئة والإحباط والتسطيح في التفكير، ويصبح دوره مقصورًا على تقبل الأوضاع القائمة تقبلًا سلبيًا خاليًا من التبصر أو تقييم وتقويم الأحداث.
ولاشك أن الصعوبات التي تواجه تطبيق بعض آليات التطوير والتي تعود أسبابها لتراكم تكلسات سلبية إدارية وتربوية واجتماعية وثقافية على مدى الحقب الزمنية الأخيرة التي أراها تمثل أزمنة الاستقرار المظهري البليد وحقب التداخلات الرجعية البالية من قبل جماعات التديين المظهري المُضلة روحيًا وتربويًا وثقافيًا واجتماعيًا فضلًا عن مقاومة أصحاب المصالح المادية التي تمكنهم من رقاب أولياء أمور الطلاب وإمكاناتهم المادية والاجتماعية.. (إمبراطوريات إنتاج وطباعة الكتب الخارجية/ مراكز للدروس الخصوصية/ بعض المدارس الخاصة التي لا يشغلها غير تحقيق الأرباح التجارية وغيرها)
كما أن ظروف اجتياح جائحة "كوفيد" وما فرضته من نظم للتباعد الاجتماعي قد ساهمت  في إنشاء حالة ارتباك مباغتة  (ولعل الإفادة من نظم التعليم "أون لاين" التي قطعت أجهزة الوزارة شوطًاً في تطبيق آلياتها وتوفير الأجهزة وبرامج التطبيقات الإلكترونية المعدة لها، قد كان لها الأثر الطيب في التخفيف من تبعات "الجائحة" وأثرها على النجاح في تواصل العملية التعليمية).
ولعلنا نرى في كل ممارسة حياتية تفاعلًا مع ما نشهده من تبعات التطوير المادي والمعنوي على الأرض سلبية كانت أم إيجابية فقد تكون لهذه التبعات والتداعيات آثارًا على الكثير من المتغيرات النفسية لدى الطلاب كالإقبال على التجريب بدافعية والتوافق النفسي مع الذات ومع الغير وقدراتهم على التفكير، فكلما شغلتهم قضايا ثانوية تقليدية تراجعت قدراتهم على التفكير وانخفضت درجات جاهزيتهم للانتاج، الأمر الذي يتطلب معه أن تعمل كل المؤسسات السابق الإشارة إليها لدعم تنمية قدراتهم الذهنية والعقلية لتوفير مستويات وأنماط من التفكير النقدي أكثر رقيا من قبل.
ولعل من سلبيات التعليم الذي يتقاعس عن دوره في  دعم والتحفيز على إعمال الفكر النقدي الذهاب إلى توسيع دائرة المسلمات وترسيخ السائد منها ويؤسس لدى الدارسين عادات التلقي والقبول الروتيني دون مناقشة أو تفكير، فيبقون تابعين منقادين وغير قادرين على التفكير المستقل والاختيار الحر، وفي غياب مثل هذه المنظومة القائمة على تفعيل الملكات النقدية فإن كل جيل سيضيف أخطاء جديدة إلى الجيل الذي يليه لتتراكم السلبيات التي تنتهي بتراجع حضاري وإنساني مخيف.
لقد انطلقت اليابان الجديدة من نظرية عملية واضحة وغير معقدة، تقول إن الإنسان الحر المنطلق المزود بالعلوم العصرية والتكنولوجية المتطورة هو الوحيد القادر على إحداث تنمية مستدامة، فالفرد الحر المبدع هو رأس المال الأهم في زمن العولمة والتحولات العلمية المتسارعة في الألفية الثالثة.