رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكوميسا.. أى بيئة اقتصادية تطمح إليها؟

يوم الثلاثاء الماضى انطلقت فى مصر أعمال القمة لتكتل دول شرق وجنوب إفريقيا «الكوميسا».. عُقدت القمة تحت شعار «تعزيز القدرة على الصمود من خلال التكامل الرقمى الاقتصادى الاستراتيجى»، وقد تسلمت مصر رئاسة التكتل بعد ٢٠ عامًا من الغياب.. فى البداية أود أن أوضح ما هى «الكوميسا»؟، «الكوميسا» تكتل اقتصادى يضم ٢١ دولة إفريقية، تأسس عام ١٩٩٤، وانضمت مصر لهذا التكتل عام ١٩٩٨، ويُعد هذا التكتل أحد أهم تجمعات التكامل الاقتصادى فى القارة، كما أنه منوط به تحقيق اتفاق تجارى يسمح بحركة المنتجات والبضائع داخل دول التكتل دون حواجز جمركية، وهذا لم يحدث حتى الآن، ليس فى دول هذا التكتل فقط، بل فى التكتلات الأخرى المناظرة فى القارة مثل تكتلىّ «السادك» و«الساحل والصحراء»، ويعزى ذلك إلى افتقاد المرونة فى تحقيق ما ينتظر أن تحققه هذه التكتلات من علاقات اقتصادية نشطة. 

هذا يعنى أن مصر بعد عام ٢٠١٤ تسعى بقوة إلى تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية عبر تعاون ثنائى، وتعاون متعدد الأطراف، كآلية بحث عن التكامل الاقتصادى بين مصر والدول الإفريقية بما يفرضه العصر الحديث من متغيرات كالتحول نحو التكامل عبر الرقمنة، أى الدخول فى عالم الاقتصاد الرقمى، وحدوث عمليات التبادل التجارى عبر المنصات الإلكترونية المختلفة، وهو أمر يحتاج إلى توافر وإعادة لهندسة البيئة التكنولوجية فى دول التكتل، وفى هذا الصدد بعدما قامت مصر بالتحول نحو الاقتصاد الرقمى، وإطلاق القمر الصناعى «طيبة ١»، الذى يغطى المحافظات الحدودية المصرية ويغطى دول شمال إفريقيا ودول حوض النيل- فإن هذا سيعزز التجارة البينية بين الأطراف جميعًا، كما أنه سيسهل من عمليات التبادل، كل ذلك يشير إلى أن مصر تتحرك برؤى متوسطة المدى وبعيدة المدى، متخطية أى خلاف سياسى فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، أو أى اختلافات أيديولوجية، فى إعلان واضح عن أولوية المصلحة الاقتصادية للجميع، عبر النفوذ إلى القضايا المشتركة كالأمن، والتنمية، ومكافحة الإرهاب، وهو ما يقود إلى اندماج اقتصادى على أرض الواقع، وفرص تحقيق ذلك كبيرة، لا سيما أن مصر وإفريقيا فى حاجة ماسّة إلى هذه الوحدة الاقتصادية، فعوامل نجاحها متوافرة كالموقع الجيوسياسى، والمصالح المائية، وتنوع الاقتصادات، ومصر قادرة على ذلك بالفعل من خلال قوتها الاقتصادية والبشرية، وما تمتلكه من خبرات فى المجالات التنموية المختلفة، التى يمكن أن تمد الدول الإفريقية بها.

يبلغ عدد سكان دول «الكوميسا» ٣٨٠ مليون نسمة، غالبيتهم من فئة الشباب، المعروف عنهم أنهم الفئة الأكثر استهلاكًا للمنتجات، وهذا ما يفتح أمام مصر فرصة كبيرة خلال رئاستها، لتدفق منتجاتها إلى أسواق تلك الدول، خاصة أن حجم التبادل التجارى بين مصر ودول «الكوميسا» ضعيف نسبيًا، إذ لا يتجاوز ٣ مليارات دولار، ومن المخطط له أن يرتفع خلال الخطة الزمنية التى وضعتها مصر، وهى خطة متوسطة المدى وستنتهى فى عام ٢٠٢٥ إلى ٥ مليارات دولار، والميزان التجارى بين مصر ودول التكتل لصالح مصر ويقدر بـ١.٤ مليار دولار خلال الفترة من «٢٠١٥: ٢٠٢٠».. كما أنه خلال فترة رئاسة مصر للتكتل ستتاح لها القدرة على تدفق ومرونة حركة رءوس الأموال، وزيادة حجم الاستثمارات للطرفين، كما أن مصر فى حاجة إلى المواد الخام الرخيصة التى تمتلكها دول التجمع، وهو ما يساعد مصر فى عمليات الإنتاج بتكلفة قليلة، مما يحقق عائدات مالية واقتصادية تدعم خطط التنمية، وتزيد من معدلات النمو الاقتصادى فيها.

يعد اختيار مصر خطة زمنية متوسطة الأجل لتحقيق تكامل اقتصادى بين دول التكتل اختيارًا واقعيًا يلائم الأوضاع السياسية والأمنية فى بعض دول التكتل، كالسودان وإثيوبيا وليبيا، وفى إطار ما تقوم به الآن، أى تدشين مرحلة جديدة فى العلاقات السياسية والاقتصادية مع إفريقيا عمومًا، ومع دول «الكوميسا» على وجه الخصوص، وهى فى حاجة إلى تذليل العوائق التى تحول دون تحقيق ذلك، من أجل نجاح خطتها فى التكامل الاقتصادى والسياسى مع محيطها الإفريقى.. ويتطلب ذلك النجاح إلى قيام النخب والقادة السياسيين فى الدول الإفريقية بتغليب المصلحة القومية على أى مصلحة أخرى، وهذا ما سيحقق ما بدأته مصر فى خطتها للتقارب مع الدول الإفريقية، وعودتها إلى لعب دورها التقليدى بشكل مبنى على أساس التعاون والتنمية المستدامة وتحقيق المنفعة المتبادلة.