رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

للدين وجوه جميلة

 

للدين وجوه جميلة منذ مشى الإنسان على وجه الأرض، وهو يتساءل: من أين جئت وكيف جئت ولماذا أنا هنا وإلى أين المفر؟

وللخلاص من رحم تلك الأسئلة ولدت الظاهرة الدينية ومعها الفلسفية، وكما يولد الإنسان ولدت تلك الظواهر ساذجة بسيطة مشوبة بمعاناة الإنسان وقلقه ومخاوفه، ثم كبرت رويدًا رويدًا وعمقت وتعقدت وأصبحت الظاهرة الدينية لاهوتًا معقدًا يدرس فى سنوات طوال وعلم كلام به جدل بيزنطى لا ينتهى، وكذلك الظاهرة الفلسفية تعقدت وتفرعت.

وهنا نلتفت إلى الظاهرة الدينية فى تجليها الشرق أوسطى الإبراهيمى ونركز عليها، فهى التى نعيش فيها وتعيش فينا ولنترك الكلام عن غيرها من الظواهر الدينية الهندية والصينية والإفريقية، فضلًا عن الظاهرة الفلسفية بوجوهها الكثيرة المتشاكسة.

فنقول إن الظاهرة الدينية الإبراهيمية ولدت فى فلسطين الحبيبة منذ ٣٠٠٠ سنة تقريبًا من رحم أديان جميلة متحابة، هى أديان مصر وبلاد الرافدين وأرض كنعان، واكتسبت الجماعات اليهودية الكثير من خبرات الشرق القديم العظيم الدينية والإنسانية، وتبنت بعض قصص بلاد الرافدين خصوصًا وعدلتها بما يلائم العقل اليهودى القبلى البسيط، وشكلت جماعة دينية قبلية تزعم أنها شعب الله المختار، وتحاول أن تجيب عن تلك الأسئلة السالفة بعقل قبلى بسيط مشحون بالرغبة فى تميز لا تملك تلك الجماعة أيًا من مقوماته، فصنعت تاريخًا وقصصًا تريد تلك القبيلة أن تكون متميزة بها عن الشعوب العظيمة التى تجاورها فى مصر والشام والعراق القديم.

ومن رحم تلك القبيلة ولدت الأديان الإبراهيمية الكبرى العظيمة لا سيما المسيحية السمحة التى تتجاوز الاثنين مليار ونصف المليار، ومن بعدها الإسلام الحنيف الذى يقترب من المسيحية اقترابًا متسارعًا، فأصبحت أديان أولاد الخليل إبراهيم الشرق أوسطية أكثر من نصف سكان الكوكب الأزرق الذى وهبنا جميعًا الحياة، سواء كنا من المعتقدين فى النبى إبراهيم الخليل أو كنا من النصف الآخر من البشرية الذى لا يعرف إبراهيم ويؤمن بوجوده التاريخى.

وتولدت من رحم الأديان الإبراهيمية التى بينها نسب ورحم قريب ومشتركات إيمانية وعقائدية عديدة تولد عبر القرون المديدة منها، فرق ومذاهب وطوائف متشاكسة متحاربة أحيانًا ومتسالمة على مضض فى أحيان أخرى، وكانت لكل طائفة وفرقة إبراهيمية وجوه كثيرة متناقضة، وكانت التفرعات بالآلاف يهودية ومسيحية وإسلامية كل ديانة بها مذاهب، بل آلاف المذاهب والفرق ثم بعدها جاءت مرمونية وبهائية وقاديانية ويهودية وغير ذلك، وكثير من تلك التفرعات مات وانقرض أو عاش وانزوى أو كبر وانتشر أو شاخ وتكلس.

ونحن الآن حائرون وسط تلك الفرق والمذاهب والطوائف ذات الوجوه المتعددة التى بعضها جميل مسالم حنون هو رحمة للعالمين حقًا وصدقًا ويقينًا، ووجوه أخرى بشعة منفرة تكره نفسها وتكره البشرية وتحض على العنف والغلواء والكراهية والإرهاب، فنحن بينهم نبحث عن مفر جديد كالإنسان الأول، وأضاف للأسئلة الأولى سؤال أين الحق والباطل من بين تلك الوجوه، بل أين الرحمة والخير والجمال بين تلك الوجوه وأين القسوة والشر والقبح؟

وأصبح السؤال كيف لنا أن نستثمر تلك الظاهرة الدينية العظيمة بوجوهها الإبراهيمية المتناقضة استثمارًا يفيد الإنسان ويصلح له أحواله ويريح له باله؟

وأظن أن الجواب علينا جميعًا سواء كنا إبراهيميين أو غير إبراهيميين، وسواء كنا متدينين أو غير متدينين من تشجيع الوجوه الجميلة للأديان والمذاهب، وعلينا أيضًا دعم دين الحب والخير والجمال فى منطقتنا وخارجها ومحاربة ومكافحة الوجوه البغيضة التى تشع بالكراهية والعنف والإرهاب. 

وهنا يأتى سؤال: كيف يكون ذلك؟ هذا ما سنحاول أن نجيب عنه فى مقالنا المقبل ونخلص الوجوه الجميلة للظاهرة الدينية، خصوصًا فى تجليها الإسلامى والمسيحى من الوجوه القبيحة البغيضة لتلك الظاهرة الإنسانية التى لازمت الإنسان من قديم الأزل؛ فالله جميل خير رحيم يحب الجمال والخير والرحمة.