رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل القمة الأمريكية- الصينية هى بداية حل أزمات العالم؟

 

تستمر الأزمة الاقتصادية العالمية فى التصاعد شهرًا تلو الآخر، وبعد أن وصلنا إلى الشهر الرابع لمسلسل المشكلات والمكابح التى تمنع الاقتصادات من التعافى بعد ركود الجائحة، لا تزال حتى الآن أسعار النفط أعلى من ٨٠ دولارًا للبرميل، وكذلك أسعار الغاز عند أعلى مستوياتها التاريخية خاصة العقود الأوروبية فى ظل تعنت روسى مستمر حول مسألة زيادة الإمدادات وتلبية الطلب الأوروبى.

المشكلة الأكبر التى تواجه الدول الباردة فى أوروبا وغيرها من مناطق العالم هى أنه خلال أيام سوف تبدأ اختبار أولى موجات الطقس البارد هذا الشتاء، وبالتالى سوف تتعرض الحكومات لتحدٍ عنيف فى توفير غاز التدفئة للمنازل والغاز للمصانع ولمحطات الكهرباء والوقود للسيارات، وما زاد الطين بلة ورفع الأسعار بنحو ١٠٪ هذا الأسبوع فقط هو حدوث تعثرات فى إنهاء تراخيص خط الغاز الروسى «نورد ستريم ٢» الذى كان من المتوقع أن يسهم تشغيله فى تهدئة المخاوف والأسعار.

وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلنطى والهادئ، أجرى الرئيسان الأمريكى والصينى محادثات مهمة عبر تقنيات الاتصال المرئى، هى الأولى من نوعها منذ فترة طويلة لبداية عهد «بايدن»، خاصة أنها تأتى أثناء توترات وسخونة عالية للعلاقات المشتركة بين أكبر اقتصادين بالعالم، الأمريكى والصينى، وعلى ما يبدو أن أزمات الاقتصاد العالمى الجارية حاليًا كانت السبب فى تهدئة الأجواء بين القطبين وفتح مجال للنقاش وحشد الموارد لحل الأزمات الجارية، وربما استئناف الصراع لاحقًا حين تمر هذه العاصفة.

محليًا وداخل مصر، وفى ظل هذه المستجدات والتطورات المتسارعة حول العالم، لم نشهد تأثيرات سلبية أو انعكاسات حادة على مؤشراتنا وأساسيات الاقتصاد، فلا يزال سعر الصرف مستقرًا عند نفس مستوياته المعهودة آخر عامين ونصف العام «١٥.٦- ١٥.٧»، وكذلك احتياطى العملات الصعبة «٤٠-٤١ مليار دولار»، كما أن أزمة كرتونة البيض بدأ تراجع حدتها والنزول عن الذروة المسجلة قبل أسبوعين للأسعار، والتى هبطت فى الأيام الأخيرة بنحو ٥ إلى ٨ جنيهات للكرتونة الواحدة نتيجة ضبط السوق ورفع المعروض.

كما أنه خلال نفس الأسبوع تم رصد عدد من الشائعات المتعلقة بالأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على السوق المحلية، تصدى لها المركز الإعلامى بمجلس الوزراء، وكانت الشائعة الأولى تهدف إلى تخويف الناس وإثارة هلع دون داعٍ، ونشر أخبار مزيفة بخصوص خفض مقررات السلع التموينية بنسبة ٢٥٪، أما الثانية فكانت تستهدف بث حالة من الارتباك فى سوق القمح، وهى سلعة حيوية وخطيرة، ونُشر خبر مزيف عن تخفيض سعر توريد طن القمح من المزارعين للحكومة، وهى كلها أخبار مزيفة قام بنفيها المركز.

وبمناسبة الحديث عن قدراتنا التخزينية فى مصر وكفاية الاحتياطات لاستهلاكنا من السلع الاستراتيجية، نجد أنه فى الوقت نفسه هناك العديد من الدول الغنية التى تعانى فى هذه الفترة من نقص المخازن وعدم القدرة على شراء الكميات المطلوبة رغم وفرة المخصصات المالية، لكن المشكلة بالدول المنتجة «الطرف الثانى للصفقة» الذى لا يرغب فى البيع خوفًا من سيناريوهات الأزمة مستقبلًا، فيقوم بالتخزين وتقديم مصلحته الخاصة على مصلحة الدول المستوردة.

على سبيل المثال، مخزونات الغاز فى أوروبا وصلت لأقل مستوى فى ١٠ سنوات، ومخزونات النفط الخام فى الولايات المتحدة لا تكفى استهلاكها لـ٢٢ يومًا، ورغم تهديد «واشنطن» بالتنسيق مع «بكين» لاستخدام هذه المخزونات بهدف تهدئة أسعار النفط، فإن العالم كله يعلم أن هذا التحرك هش ولن يؤتى الأثر المطلوب بسبب ضعف الكميات، وأى أثر إيجابى سوف يكون مؤقتًا.

حاول أن تمزج بين المشهد العالمى والمشهد المحلى فى مصر، هذا المزج سوف تنتج عنه رؤية أكثر شمولية للأحداث وترتيب أفضل للأولويات وفهم مختلف للأشياء وللموضوعات.. وبالحديث عن الأولويات، فإن الأزمة الحالية بلا شك أثبتت الجدوى المذهلة لمشروعات التخزين والإنتاج الزراعى وتشوين السلع والحبوب والحاصلات، وكذلك مشروعات تكرير ومعالجة النفط والغاز، وأيضًا رفع الإنتاجية واستبدال السولار بالغاز الأقل تلويثًا، كل هذه المشروعات والمبادرات أثبتت بلا شك أنها نجّت بلادنا من كارثة محققة.