رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتاجرة بالمسيخ الدجال!

النبوءة الدينية الإسلامية تقول إن المسيخ الدجال شخص سوف يظهر في آخر الزمان لفتنة الخلق، سوف يكون أعور ظاهر العور، ومتصفا بالسحر والكذب والتمويه، وسوف يبالغ في وصف نفسه حتى ادعاء الألوهية، بيديه جنة ونار، لكنهما وهميتان، وسرعان ما تؤول كل منهما إلى عكسها، وفي النهاية سيلقى حتفه على يد عيسى بن مريم (عليه السلام).. والمهم أن ظهوره بمثابة علامة أكيدة من العلامات الكبرى للساعة.

هذه النبوءة من أكثر النبوءات التي توجر بها عبر تاريخنا الإسلامي؛ فمع كل حادثة تكون هي الحديث، وقد أشير إلى قرب ظهور الدجال ألوف المرات عبر هذا التاريخ الممتد الحافل بالحوادث.. لا تكون الحوادث التي يتزامن معها الإشارة إليه حوادث عابرة بالتأكيد، لكنها كبرى وصعبة ومعقدة، كمثل وباء كورونا الذي اجتاح العالم منذ سنوات، ولا يزال موجودا، ولا يزال ضحاياه من المصابين والموتى ألما كبيرا بقلب العالم.

تُرى لماذا اخترت أنا وصف المتاجرة في تعامل أعداد وافرة من المسلمين مع موضوع الدجال، منهم العوام الذين يحبذون القصص المثيرة، ومنهم العلماء الذين يجب أن يكونوا أكثر حكمة وروية وصدقا مع النفس والآخرين؟!
في الحقيقة لأن المتاجرة فعلية وصريحة، بيع وشراء ككل البيع والشراء، بينما هي نبوءة، كشبيهاتها من النبوءات، ما كان يصح تهديد الوجود بإحيائها وتفصيل النوازل على مقاسها..
مئات الفيديوهات في اليوتيوب، والكتابات في الصحف والمواقع، تشير جميعها إلى قرب ظهور الدجال، وتستشهد بكورونا فهو مقدمة للظهور اللعين المرتقب!

أعلم أن كثيرا من المواد على اليوتيوب هي محل شك، وأن كثيرا من الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية لا قيمة لها، بالميزان الموضوعي لا الذاتي، لكنني وأمثالي نعلم وغيرنا لا يعلمون، وأكثر الناس وقعوا في أسر المواد المصورة الباهرة، منذ سنين، وصاروا يتابعون الصحف والمواقع بيقين عجيب، ودون تفكير فيما يتم نشره من خلالها، وبلا أدنى فرز ولا تمحيص..

جماعة ممن يروجون لقرب بروز الدجال يتعمدون الترويج له لأسباب أخلاقية بحتة؛ فقد يحيي موات الضمائر، وخطأ هؤلاء أن استدلالهم العقلي مطعون فيه وليس بمحل ثقة، وأن الأمر، إن ثبتت مروياته ثبوتا قطعيا لأنه لم يذكره القرآن، يظل غيبا كالسمعيات، فليس من عالم الشهادة الذي يمكن تحديد مكانه وزمانه.. 
الجماعة الثانية، وهي الأخطر، تروج للقصة المرعبة المشوقة لتجني من وراء ذلك الأرباح المالية أو تحقق سيطرة على العالمين، فباتساع المشاهدة والقراءة تنمو الأرباح بالطبع، وبإذعان الخلق لمنطق القصة يكون إذعانهم لمنطق رواتها!
بين الجماعتين، بشر بالملايين، ينقلون ما يسمعونه حرفيا لغيرهم، وأحيانا يزيدون الشعر أبياتا، ويضعون القصة برمتها في إطار ليس بإطارها، والخلاصة أنهم يؤكدون شيئا لا ينبغي تأكيده، ويروجون لبضاعة راكدة ليس من المفيد أن يتم الترويج لها.