رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منذ نشأتها.. تفاصيل الترجمة في هيئة الكتاب منذ عصر سمير سرحان حتى هيثم الحاج علي

الدكتور يسري عبد
الدكتور يسري عبد الغني

في مقال كتبه الدكتور يسري عبد الغني الباحث والمحاضر في الدراسات العربية والإسلامية والتاريخية، والباحث والمحاضر للدراسات الإنسانية والحضارية والعربية والإسلامية والمقارنية بعدة جامعات شرح فيه كيف مرت الترجمة في مصر عن طريق هيئة الكتاب بعد من المتغيرات، وكانت الترجمات تخضع لرؤية رئيس هيئة الكتاب، وبالتالي يحدث الكثير من القصور.

يقول يسري عبد الغني: «عندما نبحث في قائمة العناوين المترجمة الى لغات أجنبية عبر الهيئة المصرية العامة للكتاب، نكتشف أن مشروع الترجمة ينطبع كلّ مرّة بأهواء رئيسها الذي يتولى منصبه بقرار من وزير الثقافة، ففي عهد ناصر الأنصاري (2005-2009)، غلبت الترجمة الفرنسية، لكون الأنصاري سبق أن شغل منصباً رفيعاً في معهد العالم العربي في باريس». 

أما في عهد الشاعر المعروف صلاح عبدالصبور، فكانت 60 % من نسبة الأعمال المترجمة هي دواوين شعر، بيد أن النصيب الأكبر من الترجمة في عهد عز الدين إسماعيل جاء لمصلحة كتب التراث.

ويضيف في المقال الذي نشره على صفحة المنتدى الثاقفي للأصالة والمعاصرة:" من الصعب علينا التعرف الى بداية مشروع الترجمة من العربية في الهيئة المصرية العامة للكتاب، لكنّ معظم إنتاجه كان ولا يزال يصب في المخازن. في عهد سمير سرحان (بدأ في 1983 واستمر حتى وفاته في 2006)، اتخذ المشروع اسم «سلسلة الأدب العربي المعاصر»، ولكنه ظلّ يعاني معوّقات عدّة منها ما يخص الطباعة، وأخرى تتعلّق بأعمال التنسيق مع جهات أجنبية لعرض الكتب وتسويقها.

توقّف المشروع مع رحيل سرحان، ثم أحياه خلفه ناصر الأنصاري تحت مسمى «تصدير الفكر العربي». !

وحمل هذا الشعار تناقضاً بين ما يعنيه «مجازاً» في اللغة العربية، وبين معناه في الإنكليزية «exporting»، بحيث أوحى بأن عمليتَي النشر والترجمة تجاريتان بحت، تتعاملان مع المنتج الثقافي بوصفه سلعة. 

وكان صدر ضمن سلسلة الأنصاري تلك خمسة عشر عنواناً، ليكون حاصل إنتاج الكتب المترجمة إلى اللغات الأجنبية حتى تولى ناصر الأنصاري، اثنين وسبعين كتاباً أنجزها مترجمون عرب ومصريون.

ويكمل:" هيئة الكتاب تتعامل مع مشروع الترجمة من العربية الى اللغات الأجنبية بلا أي أفق جديد. تبدو كأنها «تجترّ» فكرة الراحل سمير سرحان، ولا يتضح هذا في إعادة طبع العناوين القديمة فقط، إنما في احتفاظها برداءة الطباعة التي كان عليها المشروع في الماضي، وببدائية الترجمة أيضاً وهي ترجمة كلاسيكية أكاديمية صرفة.

ويشير عبد الغني إلى أن الحاج علي الرئيس الحالي للهيئة المصرية العامة للكتاب؛ يطمح إلى «تقديم صورة جيّدة عن الإسلام في الغرب». هكذا أجاب عن سؤال صحيفة «الحياة» اللندنية وجهته له الصديقة الصحفية /أيمان علي سنة 2016 ، في ما يخصّ الغاية من ذلك المشروع. وهكذا تم إطلاق النسخة المكررة من المشروع بكتاب «الوعد الحق» لطه حسين، بعدما ترجمه محمد عناني إلى الإنكليزية.

يقول بيان الهيئة أنها الترجمة الإنكليزية الأولى الكاملة لكتاب طه حسين الصادر عام 1949. حملت الترجمة اسم «The Fulfilled Promise» باعتبار أن «العقيدة الإسلامية» التي يسرد الكتاب قصة صعودها، هي المعنية بـ «الوعد الصادق» من الله. ومن هنا؛ لم يشأ عناني ترجمة مفردة «الحق» حرفياً إلى «truthful».

ويواصل: “في سياق آخر،قالوا: تستعد الهيئة لإصدار عناوين أخرى ضمن المشروع «الجديد القديم»، بالاتفاق مع دار نشر سويديّة تضم أعمالاً لصلاح جاهين وعفيفي مطر وصلاح عبدالصبور”.

وكلنا يعرف طه حسين عميد الأدب العربي وهو أديب ومفكر مصري تمكن من النبوغ والتفوق في إثبات ذاته على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي واجهها في حياته

ويتقل عبد الغني إلى رؤية الدكتور محمد عناني المترجم الشهير:" يرى محمد عناني،  أنّ النجاحات التي تُنسب الى امشروع  الترجمةساهمت في تكريس الانتشار في الغرب، قبل ظهور الإنترنت، عبر عقود أبرمت مع ست جامعات أميركية. وكانت الهيئة احتفلت بحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الأدب في العام 1988 بأن أصدرت كتاباً تذكارياً عن صاحب «أولاد حارتنا»، ثم أصدرت مختارات من شعر فاروق شوشة، وكتاب «حياة محمد» لمحمد حسين هيكل.

أمّا المشروع الآن فهو، وفق هيثم الحاج علي، قائم على إصدار طبعات محدودة لتسويقها عبر معارض الكتب، وهو يطمح إلى ما هو أبعد من «تفعيل» العلاقات مع دور النشر الأجنبية من خلال إرسال «عينات»، وتمكين الدولة عبر «مشروع قومي» من امتلاك حقوق الملكية والترجمة. وتمثلت أحدث هذه الاتفاقات في توقيع اتفاق تبادل مع الصين وروسيا.

ويستطرد:" وتُلاحظ سامية محرز،  بمركز دراسات الترجمة في الجامعة الأميركية في القاهرة، جهوداً متميزة في الترجمة تبذلها جهات خاصة أو مستقلة في مصر، بلا أي دعم رسمي. وتضيف في هذا السياق: «بدلاً من أن تقوم الدولة بدورها تجاه الجهات المتخصصة أو الأفراد المؤهلين للترجمة الاحترافية إلى اللغات الأجنبية، تأتي المؤسسات الثقافية القومية لتنافس دور النشر الخاصة وتزاحم السوق بلا أي طائل».

وترى محرز أن السلسلة التي تصدرها الهيئة العامة للكتاب «فشلت فشلاً ذريعاً منذ عهد سمير سرحان. مستوى الترجمة سيئ جداً، نتيجة اعتماد مترجمين بمستوى ضعيف، فضلاً عن افتقارهم السياسة التسويقية الناجحة».

ويواصل: "وتُحيل صاحبة «أطلس القاهرة الأدبي»، إلى تجربة فرنسا التي تخصص موازنة لمساندة الجهات المعنية بالترجمة. ومعروف أن لدى الجامعة الأميركية في القاهرة قسماً للنشر، أخذ على عاتقه ترجمة الأدب العربي إلى الإنكليزية، بالاعتماد على فريق من المترجمين يتمتع بانتشار في دوائر الكتّاب والناشرين المصريين، وأصدر  ضمن سلسلة «هيبو» أو «الهدهد»، روايات مثل «عطارد» لمحمد ربيع، و«شوق الدرويش» لحمور زيادة، و«مولانا» لإبراهيم عيسى، فضلاً عن أعمال أدبية للكاتب الراحل خيري شلبي.

قبل سنوات، كانت الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، تبنت إصدار مختارات قصصية وشعرية لأعضاء الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر، بغرض توزيعها على المراكز الثقافية الأجنبية في مصر، وهو ما لم يحدث، ومن ثم انتقلت هذه الكتب من أروقة المؤتمر إلى مخازن الهيئة التابعة لوزارة الثقافة.

ويقول صبحي موسى،  المدير السابق ب«قصور الثقافة»، أنها كانت تجربة مأساوية بل عبثية: «كان المشاركون يتباهون في جلسات المقاهي بالإشارة إلى اسم القصة أو القصيدة بالإنكليزية في فهرس الكتاب، ولذلك فإن تلك المبادرة لا تعدو كونها من فكاهات العزيمة العربية على التواصل الثقافي مع الغرب». 

ويضيف: «تمخضت التجربة عن قيام مترجمين ضعفاء بترجمة أعمال كتّاب وشعراء دون المستوى بحجة التواصل مع جهات لم تَطلب أصلاً أن تعرف عنَّا شيئاً، فبقيت هذه المختارات شاهداً على فضيحة جرى وأدها في المخازن».

أما عناني، فيعتبر أن ترجمة الأدب العربي المعاصر عبر الهيئة المصرية العامة للكتاب، تبقى ضرورية بهدف «كسر طوق العزلة الثقافية المفروضة من المستشرقين الجدد، الذين يقاومون نشر أي شيء إن لم يمثّل وجهة نظرهم القائمة على الاستعلاء».

ويرى أن هذا مشروع  الترجمةهو امتداد لجهود «مقاومة الاستعمار» منذ عهد جمال عبد الناصر الذي عمد بعد العدوان الثلاثي على مصر إلى إنشاء مجلة عربية شهرية عنوانها «بناء الوطن» ومجلة قرينة لها بالإنكليزية هي «ذي آراب ريفيو»، إضافة إلى مجلات أسبوعية بالإنكليزية مثل «ذي آراب أوبزيرفر».

وعمدت هذه المجلات الى نشر الآداب المصرية والعربية الحيّة بالإنكليزية. ويؤكد عناني كذلك أن المشروع نفسه هو امتداد لجهود الروائي الراحل إدوار الخراط من خلال منظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية، وما تلى ذلك من إصدار سلسلة «بريزم»، عبر قطاع العلاقات الثقافية الخارجية التابع لوزارة الثقافة المصرية، فنُشرت ترجمتان فرنسية وإنكليزية لمسرحية صلاح عبدالصبور «مسافر ليل». ويؤكد هيثم الحاج علي أن المشروع لا يندرج تحت بند «النشر الواسع»، إذ يُكتفى بطبع خمسمائة نسخة من عناوين عدة على مدار العام، لتباع النسخة بنحو دولار واحد.

وفي هذا الصدد، يرى  الصديق المترجم حسين البنهاوي - المسؤول «الفني» عن المشروع في فترة ناصر الأنصاري- أنّ آفة العمل الثقافي في مصر هي «التقليد»، وفق منطق «إعادة اختراع العجلة».

ويخلص البنهاوي إلى أن النشر الحكومي في مصر يفتقد إلى «المؤسسية»، من هنا ظلَّ مشروع الهيئة العامة للكتاب للترجمة من اللغة العربية حبيس التصوّر المحلّي الضيّق، وجاء إخراج الكتب على مستوى غير مقبول للمتلقي الأجنبي. وبدت الأعمال المترجمة تبحث عن متلقٍ لا تلقى لديه صدى أو قبولاً.

ويوضح البنهاوي أن مشاريع الترجمة التي اضطلعت بها الدولة لم ترتكن إلى دراسات تحليلية عن سوق الأدب المصري والعربي في الخارج، ولا حتى اتبعت الأدبيات التي تُساق في مثل هذه المبادرات، ومنها كيف تقدّم نفسك؟ وكيف تختار أجود ما لديك؟ كيف يمكن قياس مدى الإقبال على ما ستترجمه؟

ولهذه الأسباب تُرجمت أعمال ولم يعرف بها أحد، لأنه لم يجر التعريف بالكاتب وتقديمه في شكل محترف أساساً، ولم يجر تكييف الوقت المناسب لترويجها. الأهم من كل هذا، يقول البنهاوي، أن الأفكار البرّاقة، تبدو حسنة النية، لكنها لا تتخلّص بسهولة من إرث الماضي وثقل التقليدية، ولذلك يظل مثل هذا المشروع رهن افتقادنا في مصر الرسمية إلى متخصصين في النشر، فضلاً عن غياب «المسوّق الناجح»، عن حقل الإدارة الثقافية.