رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«خنق السلام».. ما بعد قرار إسرائيل تصنيف أكبر 6 منظمات حقوقية فلسطينية «إرهابية»؟

الاحتلال
الاحتلال

مؤخرًا، صنّفت إسرائيل ٦ منظمات فلسطينية غير حكومية فى الضفة الغربية «إرهابية»، معتبرة أنها تشكل غطاءً لترويج وتمويل أنشطة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اليسارية، التى تتهمها تل أبيب بشن هجمات ضدها، موضحة أن لديها أدلة سرية تؤكد ذلك. وقوبل القرار الإسرائيلى بإدانات واسعة من السلطة الفلسطينية ومنظمات حقوقية إسرائيلية وعالمية، كما أثار توترًا فى الساحة السياسية الإسرائيلية، ما فتح الباب أمام تكهنات حول تداعيات القرار وتأثيره على الائتلاف الحكومى فى إسرائيل، بالإضافة إلى تأثيره على العلاقات مع الإدارة الأمريكية، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.

 

إدانات محلية ودولية: غطاء قانونى لملاحقات سياسية.. ويفتح الباب أمام قصف مقار الجمعيات

أصدر بينى جانتس، وزير الدفاع الإسرائيلى، يوم ٢٢ من أكتوبر الجارى، قرارًا بتصنيف ٦ منظمات فلسطينية غير حكومية على أنها منظمات إرهابية، مع اتهامها بتحويل مساعدات المانحين إلى دعم أنشطة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، المعروفة بتوجهاتها اليسارية، التى تضم جناحًا مسلحًا سبق تصنيفه من إسرائيل والاتحاد الأوروبى باعتباره تنظيمًا إرهابيًا.

وقال بيان صادر عن مكتب «جانتس» إن تلك «المنظمات تعمل تحت غطاء منظمات المجتمع المدنى، لكنها عمليًا تنتمى وتشكّل ذراعًا لقيادة الجبهة الشعبية، التى تهدف إلى تدمير إسرائيل من خلال القيام بأعمال إرهابية».

وأضاف: «يسيطر على المنظمات الست أعضاء بارزون فى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويعمل فيها العديد من النشطاء فى مناصب ميدانية وإدارية، بمن فيهم ناشطون متورطون فى أنشطة إرهابية».

ودعا بيان «جانتس» المجتمع الدولى إلى «قطع كل الاتصالات مع الجمعيات والمنظمات التى تقدم الدعم للإرهاب»، معتبرًا أن «هذه المنظمات تستفيد من مساعدات دول أوروبية وتبرعات منظمات دولية لتمويل عائلات السجناء الأمنيين فى إسرائيل، ومنفذى الاعتداءات، ودفع رواتب أعضاء الجبهة الشعبية، وتعزيز نشاطها الإرهابى ونشر فكرها».

وتضمن القرار منظمات «الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان»، وهى منظمة قانونية للدفاع عن المعتقلين والأسرى الأمنيين، و«الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فلسطين»، و«الحق»، وهى منظمة للدفاع عن حقوق الفرد، سبق أن حصلت على العديد من الجوائز الدولية، و«اتحاد لجان العمل الزراعى»، و«اتحاد لجان المرأة العربية»، و«مركز بيسان للبحوث والإنماء». وقوبل القرار بإدانة وزارة الخارجية الفلسطينية، التى أكدت أنها «ترفض بشكل قاطع الاعتداء على المجتمع المدنى الفلسطينى ومؤسساته من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلى»، كما أعلن الرئيس الفلسطينى، محمود عباس، أن السلطة ستواصل دعم هذه المؤسسات.

واعتبر شعوان جبارين، مدير مؤسسة «الحق» الفلسطينية لحقوق الإنسان، إحدى المنظمات التى تضمنها القرار الإسرائيلى، أن القرار «سياسى بامتياز وليس أمنيًا»، مضيفًا أن إسرائيل قادت حملة منذ سنوات طويلة ضد المنظمات الأهلية الفلسطينية لإسكاتها وإنهاء عملها فى مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. واتهم «جبارين» إسرائيل بممارسة التجسس على العاملين فى المؤسسة من خلال برنامج تجسس إلكترونى، واتخاذ القرار للتغطية على ذلك، مضيفًا: «عندما علمت إسرائيل أننا كشفنا هذا الأمر، وأننا بصدد التوجه إلى جوجل ومؤسسة فرونت لاين ضدها أصدرت قرارها هذا».

فيما أعرب مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية عن «قلقه» من هذه الخطوة، واتهم إسرائيل باتباع «حملة وصم منذ وقت طويل ضد هذه المنظمات وغيرها»، ما أدى إلى تقويض «قدرتها على القيام بعملها الحيوى».

فيما قالت منظمة العفو الدولية ومنظمة «هيومن رايتس ووتش»، فى بيان مشترك، إن «القرار المجحف والمريع هو اعتداء من الحكومة الإسرائيلية على حركة حقوق الإنسان الدولية». كما أدانت منظمات إسرائيلية القرار، وقالت منظمة «عدالة- المركز القانونى لحقوق الأقلية العربية فى إسرائيل» إن القرار يمثّل «هجمة غير مسبوقة»، وأضافت أن «استخدام قوانين الإرهاب لا يشكل سوى غطاء قانونى لملاحقة سياسية تميز أنظمة استعمارية واستبدادية». فيما استنكرت منظمة «بتسيلم» الإسرائيلية الحقوقية، القرار، قائلة: «من الواضح أنه يهدف لإغلاق هذه المؤسسات»، مؤكدة تضامنها معها بقولها «نحن فخورين بعملنا المشترك مع زملائنا الفلسطينيين على مر السنين، وسنواصل القيام بذلك». وقال نشطاء فى إسرائيل إن القرار سيتسبب فى حظر العاملين فى تلك المنظمات، ويسمح للجيش الإسرائيلى باعتقال موظفيهم، وإغلاق مكاتبهم، ومصادرة الأصول ومنع أنشطتهم، وإغلاق حساباتهم المصرفية، ومداهمة مكاتب الجماعات واعتقال الموظفين.

وأكدوا أنهم سيسعون للطعن فى ذلك القرار، وطالبوا المجتمع الدولى بالتدخل لإجبار الحكومة الإسرائيلية على التراجع عنه، معربين عن خشيتهم من تدهور الأمور إلى الحد الذى يمكن أن يشن فيه الجيش الإسرائيلى غارات جوية على مقار هذه المنظمات.

وزراء إسرائيليون يؤكدون: فوجئنا بالتصنيف.. وجدل حول علم السلطات الأمريكية المسبق بتفاصيله

داخليًا، تسبب قرار وزير الدفاع حول المنظمات الست فى العديد من التوترات داخل الائتلاف الحكومى فى إسرائيل.

ورفض رئيسا حزبى «العمل» و«ميريتس»، اليساريين المشاركين فى الائتلاف الحكومى، فى حديثهما لرئيس الوزراء الإسرائيلى، نفتالى بينيت، أن تتم مفاجأتهما بمثل تلك القرارات المهمة والخلافية دون أى مناقشات مسبقة.

وهاجمت نعماه لازيمى، عضو الكنيست عن حزب «العمل»، وزير الدفاع «جانتس» بحدة، وقالت: «ما لم تكن هناك معلومات استخباراتية واضحة عن منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية هذه تؤكد أنها منظمات إرهابية فهذه خطوة خطيرة وغير مفهومة من جانب إسرائيل».

كما انتقدت ميراف ميخائيلى، وزيرة المواصلات رئيسة «حزب العمل»، فى جلسة عقدتها مع قادة حزبها، قائلة: «طريقة الإعلان ألحقت بنا أذى كبيرًا وسط أصدقائنا الكبار والمهمين، وهذا الأذى يمكن أن يضر بمصالح إسرائيل، وكان يجب ألا يحدث».

وأضافت: «مثل هذه الخطوات عندما تكون مطلوبة يجب أن تحدث كما يجب، ومع التحضير الملائم، بحيث تضمن عدم المس بمصالح إسرائيل، ومثل هذه الخطوة ضد منظمات جزء منها منظمات تابعة للمجتمع المدنى يجب أن تحدث فقط إذا شعرنا بعدم وجود خيار آخر».

وانتقد حزب «أزرق أبيض»، الذى يترأسه «جانتس»، تصريحات وزيرة المواصلات، قائلًا: «نقترح على ميراف ميخائيلى التى لا تعرف التفاصيل ألا تتدخل فى الحرب على الإرهاب».

فيما أوضح يائير لابيد، وزير الخارجية، أنه تم التنسيق بين وزارة الدفاع ووزارة الخارجية حول القرار، مضيفًا: «لقد قُدمت لى كل المعلومات الاستخباراتية وهذا هو القرار الذى كان يجب أن يُتخذ.. يوجد فى هذه المنظمات أشخاص طيبون جدًا، كما يوجد أشرار يستغلون الطيبين».

ودافع مؤيدو القرار عن موقفهم بالقول إن عاميت أيسمان، المدعى العام فى إسرائيل، وافق على تصنيف المنظمات الفلسطينية الست كتنظيمات إرهابية، بعد جلسة عقدها مؤخرًا مع عناصر جهاز الأمن الداخلى «الشاباك»، الذين قدموا له المادة الاستخباراتية التى تكشف العلاقة التى تربط هذه المنظمات بالجبهة الشعبية.

وأوضحوا أن «الشاباك» قدم معلومات سرية إلى المدعى العام عن تحويل أموال إلى الجبهة الشعبية من جهات تعمل تحت غطاء نشاطات من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان وتقديم المساعدة المدنية، وفى بعض الأحيان من دون معرفة نشطاء على الأرض لحقيقة ما يحدث.

دوليًا، قال منتقدو قرار «جانتس» إنه قد يتسبب فى أزمة مع الولايات المتحدة، مشيرين إلى أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، قال إن الحكومة الإسرائيلية لم تعط واشنطن إنذارًا مسبقًا بشأن القرار، مشيرًا إلى أن الإدارة الأمريكية سوف تنخرط مع الشركاء الإسرائيليين فى عملية الحصول على معلومات أكثر فيما يتعلق بأسس هذا التصنيف. فى المقابل، نقلت وسائل إعلام عن مصدر أمنى إسرائيلى رفيع المستوى، لم تكشف عن اسمه، قوله إنه تم اطلاع الإدارة الأمريكية مسبقًا بنية وزارة الدفاع الإعلان عن القرار، كما تم تزويد الجهات المعنية فى الإدارة بالمعلومات الاستخباراتية بهذا الخصوص. وأشار المصدر إلى أن تل أبيب كانت قد أرسلت إلى واشنطن موفدًا خاصًا يحمل معه أدلة ومعلومات حول ضلوع المؤسسات الفلسطينية الست فى نشاطات إرهابية. 

وأوضح أن المنظمات الست تعمل كشبكة واحدة تقودها الجبهة الشعبية، التى كانت ولا تزال «ضالعة فى ارتكاب والتخطيط لارتكاب اعتداءات إرهابية»، وفقًا لتعبيره، مضيفًا أن تلك المنظمات جندت نشطاء وأموالًا من أجل الجبهة الشعبية، وتم توثيق جلسات عديدة فى هذه المؤسسات شاركت فيها أقطاب من الجبهة، بمن فيهم مَن وصفهم بأنهم «نشطاء إرهابيون». ونوه المصدر الأمنى إلى أن المنظمات الست تستخدم نشطاء وتزور مستندات لجمع التبرعات لنشاطات اجتماعية وتربوية لم يتم تنفيذها قط، مع تحويل الأموال إلى «نشاطات إرهابية وصرف معاشات السجناء الأمنيين». وأكد أن جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى قد قال، فى مايو الماضى، إن لديه أدلة على أن تلك المنظمات المدنية «احتالت وخدعت» دولًا أوروبية أسهمت تبرعاتها فى تمويل «أنشطة إرهابية مسلحة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».