رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تحاور محمد عبدالوهاب الفائز بأهم مسابقة برمجة دولية

الكوتش محمد عبد الوهاب
الكوتش محمد عبد الوهاب

عانى من شلل تام في جسده منذ الصغر، لكن المرض لم يمنعه من تحقيق الإنجازات المتتالية في مجال البرمجة والذكاء الاصطناعي، ليبدأ رحلة التعلم وهو في الصف الثالث الابتدائي، ويصبح حاليًا أحد أهم مدربي البرمجة حول العالم.


محمد محمود عبدالوهاب، المدرس المساعد بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي بجامعة القاهرة، استطاع أن يحصد جائزة دولية في البرمجة لم يسبقه إليها إلا 20 شخصًا فقط منذ عام 1970، ولم يكن هذا الإنجاز هو الأول من نوعه للشاب الطموح.
 

"الدستور" حاورت محمد عبدالوهاب، المُصنف ضمن أفضل 100 مدرب برمجة على مستوى العالم، وأفضل المدربين في الوطن العربي، بعد حصوله على جائزة "Senior Coach Award" في المسابقة العالمية للبرمجة"ICPC" التي عقدت لأول مرة في روسيا.

وإلى نص الحوار..

نجحت في حياتك العلمية رغم الإصابة.. كيف بدأت الرحلة؟
 

بدأت مشواري مع البرمجة في الصف الثالث الابتدائي داخل مدرستي، التي ساعدتني كثيرًا على تعلم الحاسب الآلي، ومنحتني الفرصة للدخول إلى المعمل الخاص بها في أي وقت، وقدرت أيضًا ظروفي الصحية في عدم القدرة على صعود السلالم، لتوفر لي مكانًا قريبًا يمكنني دخوله وقتما أحب.

المرض الذي أصبت به منذ الصغر كان مرضًا وراثيًا، عبارة عن ضعف عام في عضلات الجسد، جعلني ضعيفًا عن المعدل الطبيعي للجسد، والنمو لدي كانت نسبته أقل، لكن هذا لم يمنعني من الوصول إلى ما حلمت به، وزادني إصرارًا على التعلم وتحقيق الإنجازات.

لن أنسى فضل معلمتي التي أتاحت لي فرصة التعلم في صغري، ماجدة موسى، إحدى رائدات التعليم في مصر، ورغم أن الله قد توفاها في عام 2009، إلا أن أثرها ما زال محيطًا بي، وأي إنجاز أقوم بتحقيقه دائمًا ما تظهر صورته أمام ذهني.

الكوتش عبد الوهاب

 متى قررت الدخول إلى عالم البرمجة والتوسع فيه على أرض الواقع؟

فور تخرجي من مرحلة الثانوية عام 1997، قررت الالتحاق بكلية الحاسبات والمعلومات في جامعة القاهرة، كانت الكلية في ذلك الوقت جديدة لا يعرفها أحد، جميع من حولي تعجبوا من قراري، ولكن في النهاية أثبت لهم أن وجهة نظري كانت صحيحة.

بمجرد دخولي جامعة القاهرة، استقبلني العميد حينها ووفر لي جميع الإمكانيات التي تناسب ظروفي الصحية، وسمح لي بعد صعود السلالم لحضور المحاضرات وتم توفيرها في مكان أستطيع الوصول إليه بسهولة، وفي العام الرابع داخل الكلية أثبت تفوقي بجدارة.

جاءت لي رئيسة القسم بالكلية، الدكتورة سلوى الجمل، بعد انتهاء المحاضرة، ورشحتني للمشاركة باسم الكلية في مسابقة طلبة الجامعات للبرمجة بالجامعة الأمريكية عام 2000، واستطعت حينها الحصول على المركز الثالث على مستوى مصر، كان يُعد ذلك إنجازًا كبيرًا، كونها أول مرة للمشاركة.

بعد التألق في التجربة الأولى.. كيف طورت مهاراتك للمسابقات الأخرى؟

في عام 2001، عملت على تطوير مهاراتي البرمجية جيدًا، لخوض التجربة مرة أخرى لكن على مستوى أعلى، وبالفعل اشتركت في المسابقة العربية والإفريقية حينها 3 مرات متتالية حتى عام 2003، وحصدت المركز الأول على شمال إفريقيا والدول العربية، الذي فتح لي فرصة التأهل إلى المسابقة العالمية.

وبمجرد وصولي مرحلة المسابقات العالمية، اعتبرها الجميع إنجازًا بصرف النظر عن النتيجة، فقد أصبحت مصنفًا ضمن الفرق عالية المستوى، مثل نادي كرة القدم الذي يصعد إلى كأس العالم للأندية ويحقق إنجازًا حتى وإن لم يحقق اللقب.

بداية من عام 2003، عملت بجدية على تطوير المهارات التي تناسب التنافس عالميًا وليس محليًا أو قاريًا فقط، ولكن حينها كنت قد تخرجت من الجامعة، فأصبح غير مسموح لي المشاركة كطالب في الجامعة، لذا بدأت في المشاركة كمدرب، ومن هنا اختلف الوضع تمامًا عن ما كان في السابق، لأن المدرب يُقاس قدراته على حسب عدد وصول الفرق الخاصة به للعالمية.

الكوتش عبد الوهاب

نجحت في مسابقات الطلاب والمدربين.. أين كانت بدايتك كمدرب؟ 

خضت رحلة التدريب داخل جامعة القاهرة منذ عام 2003 حتى عام 2011، وفي الوقت ذاته كنت أدرب فرق كليات الجامعة الأمريكية والأكاديمية البحرية، حتى أصبحت مدربًا لأغلب فرق مصر المتخصصة في البرمجة.

وفي عام 2013، انضمت لي فرق من الدول العربية الأخرى مثل سوريا والأردن ولبنان وفلسطين وتونس والمغرب وعمان والكويت، ما جعلني أساعد في انتشار فكرة مسابقة طلبة الجامعات، وحاليًا أعمل على نشرها بكثافة في الدول الإفريقية.

استطعت من خلال عملي كمدرب برمجة أن أحصل على أول جائزة لي عام 2012، والتي صُنفت من خلالها ضمن 100 أفضل مدرب حوال العالم، ومن هنا عُينت في إدارة المسابقة العربية والإفريقية لطلاب الجامعات، كرئيس للجنة العلمية للبطولة، ونسقت مع مختلف الجامعات العربية على المشاركة والتنافس بعد السفر إليهم مرات عدة وتدريب طلابهم على ذلك.


كيف يتم اختيار أفضل مدرب في مسابقات البرمجة؟

المسابقة عبارة عن خمس ساعات يعُرض فيهم مجموع من المشكلات لم نكن على دراية بهم من قبل، ويتراوح عددهم من 10 لـ15 مشكلة، كُل فريق يوجد معه حاسب آلي واحد، ويعمل على حل هذه المشكلات حتى وإن كانت ليست لها علاقة بالحاسب الآلي، لكن بشرط أن نستخدمه في حلها.

تتضمن المسابقة شرحًا للمشكلة ومعلومات عنها، ويتطلب منا كتابة برنامج يعبر عن الحل الأمثل لها، وهناك مسائل عدة يتم طرحها مثل شخص يبيع منتج معين، ويمر على مجموعة من العملاء بسيارته، يكون السؤال هنا ما هو ترتيب العملاء الذين سيمر عليهم بالترتيب حتى يوفر أكبر وقت ممكن.

على سبيل المثال، يعطوا لنا تصميمًا عن منزل، ويطلبوا منا تحديد المكان المناسب لوضع "الشبابيك"، حتى يدخل ضوء الشمس بكثافة إلى المنزل، بحيث يتم توفير استهلاك الكهرباء على قدر المستطاع، أو تكون عبارة عن خريطة مدينة، ويتطلب منا نقل طريق السيارات من مكان لآخر من أجل خفض كمية الانتظار في المرور.

وحين ننتهي من حل المشكلات، نرسلها إلى الحكام الذين يمتكلون قدرًا كبيرًا من المعلومات عن المشكلة، ثم يدخلونها إلى البرامج الخاصة بنا، ويستعلموا عن المدة الزمنية التي استطعنا فيها الوصول إلى حل، والفريق الذي يحل أكبر عدد من المشكلات يكون هو الفائز بالجائزة.

الكوتش عبد الوهاب

كيف حصدت الجائزة الدولية للبرمجة ضمن 21 مدربًا فقط حول العالم؟

جائزة "Senior Coach Award" في المسابقة العالمية للبرمجة، التي حصلت عليها مؤخرًا، يحصدها المدرب الذي يستطيع أن يجعل الفرق الخاصة به تصل إلى المسابقات العالمية على مدار 15 سنة مختلفة، بعد أن يتخطوا مرحلة مسابقات الجامعة والمسابقات المحلية والإقليمية.

فرق طلبة البرمجة التي قمت بتدريبها على مدار السنوات الماضية، استطاعت أن تحصد المركز الأول على مستوى أفريقيا 7 مرات، ومرتين على المستوى العالمي، بجانب المراكز المختلفة التي حققوها في المسابقات الأخرى.

الشئ المميز في الطلبة الذين أقوم بتدريبهم، أن مشاركاتهم في المسابقات فتحت لهم مجال التوسع في العمل على أرض الواقع، وتواصلت معهم الشركات العالمية من أجل توفير فرص عمل لهم، فهناك عدد كبير من الطلبة يعملون في فيسبوك وجوجل وأمازون ومايكروسوفت وبوكنج، ما يقارب عددهم من 40 شخصًا داخل كل شركة حاليًا.

الرئيس السيسي يكرم الكوتش عبد الوهاب

بعد وصولك للعالمية.. ما هي طموحاتك المستقبلية في مجال البرمجة؟

أطمح في الفترة المقبلة المشاركة في المسابقة العالمية ذات المستوى الأعلى، وهي المخصصة للمدربين الذين يجعلون الفرق الخاصة بهم تشارك في المسابقات العالمية على مدار 20 سنة مختلفة، وهذه المسابقة لم يحصدها سوى 6 مدربين فقط على مستوى العالم.

أحاول جاهدًا العمل على تطوير مهاراتي خلال الخمس سنوات المقبلة، للمشاركة في هذه المسابقة وحصدها حتى تضاف إلى سجل بطولاتي، وأرغب أيضًا في التوسع بشكل أكبر داخل الجامعات الإفريقية، ومساعدة طلابها على التنافس في العالمية.