رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المهاتما غاندى

لقد قررت الأمم المتحدة فى عام ٢٠٠٧ أن يكون الثانى من أكتوبر من كل عام يومًا عالميًا لـ«اللا عنف»، وهو يوافق الذكرى السنوية الـ١٥٢ لميلاد الزعيم الهندى مهاتما غاندى الذى يعتبر الرمز العالمى للسلام، حيث دعا للمقاومة السلمية ضد المحتل البريطانى، وجعلت الأمم المتحدة من هذا اليوم يومًا لإحياء ذكرى غاندى ورسالته من أجل رفض العنف وتوعية الشعوب وتأمين ثقافة السلام والتسامح والتفاهم واللا عنف، وجعلت الأمم المتحدة مقولة غاندى شعارًا لهذا اليوم، وهى «إننى على استعداد لأن أموت فى سبيل قضايا كثيرة، ولكننى لست على استعداد لأن أقتل فى سبيل أى قضايا».

وإذا أردنا تعريف العنف وأسبابه سنجد عددًا من التعريفات، منها تعريف عالم الاجتماع جوهان جولتن الذى يُعرِّف العنف بأنه ضرر يمكن تجنبه عند الوفاء بالاحتياجات الأساسية للإنسان «البقاء وتعزيز الرفاهية والهوية»، وهذا يعنى أن أسباب العنف تعود للظروف المحيطة بالإنسان، وهناك تعريف آخر وهو أن العنف سلوك عمدى موجه نحو هدف سواء لفظيًا أو غير لفظى ويتضمن مواجهة الآخرين ماديًا ومعنويًا ومصحوبًا بتعبيرات تهديدية.

ومن المعروف أن العنف بجميع أنواعه مرفوض من كل الأديان السماوية والأعراف والمجتمعات، وتأكيدًا لهذا الرفض، أصدر معظم الدول قوانين لمحاربة العنف ومواجهته والحد منه.

إن ما قام به الزعيم الهندى غاندى من تعبئة الشعب للمقاومة السلمية كان له دور كبير فى استقلال الهند عام ١٩٤٧ بعد احتلال بريطانى استمر أكثر من قرنين من الزمان، حيث دعا لمقاطعة البضائع الإنجليزية من الأقمشة واستبدالها بصناعة منسوجات محلية، كما دعا لمسيرة طويلة من قلب الهند إلى سواحلها لجلب الملح، فى تحدٍ لضريبة الملح التى فرضها الاستعمار البريطانى والتى تسببت فى غلاء فاحش لسعر الملح، واستطاع غاندى تعبئة الشعب الهندى وقيادته للمقاومة السلمية، ومن أقواله «إن اللا عنف هو أقوى قوة فى متناول البشرية، فهو أعتى من أعتى سلاح من أسلحة الدمار تم التوصل إليه من خلال إبداع الإنسان».

يزداد العنف فى زمننا الحالى ويأخذ أشكالًا عديدة، منها الآثار المدمرة للمناخ، والدمار الناتج عن النزاعات والصراعات المسلحة، والمهانة والذل نتيجة للفقر، والظلم النابع من انتهاكات حقوق الإنسان، والجراح الغائرة التى يسببها خطاب الكراهية وعدم قبول الآخر.

ويجتاح العنف العالم الآن، عن طريق الحروب والصراعات التى أدت إلى نزوح ولجوء ملايين من البشر للدول المجاورة والبعيدة هربًا من القتل والدمار، واضطرارهم للمعيشة فى مخيمات تفتقد للحياة الآدمية والمياه النظيفة والأدوية والعلاج، مع انتشار وباء كورونا. 

ولقد تسببت جائحة كورونا فى ازدياد العنف الأسرى ضد المرأة والأطفال لثلاثة أضعاف، وفق تصريحات الأمم المتحدة، هذا بجانب التمييز ضد المرأة فى معظم الدول على مستوى العالم وجرائم التحرش والاغتصاب كنوع من أنواع العنف المجتمعى.

وفى الأسابيع الأخيرة نجد ارتكاب البعض لجريمة التنمر ضد الآخر، ومنها الإهانة التى تعرض لها ذوو الإعاقة البصرية على يد أحد المهندسين من الاستهزاء بهم، مما أغضبهم فتقدموا ببلاغ للنائب العام، لتقديم الجانى إلى المحاكمة.

الجدير بالذكر أنه يجب التفرقة بين جرائم العنف والإرهاب، والمقاومة المسلحة المشروعة ضد المحتل لاستعادة الأوطان التى تكفلها كل الاتفاقيات الدولية، ومن هنا نتضامن ونساند المقاومة الفلسطينية المسلحة والمقاومة الشعبية بكل أشكالها ضد الجرائم التى يرتكبها المستعمر الغاصب والمحتل الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى، التى تعتبر إرهابًا وجرائم حرب ضد الإنسانية. 

وفى نهاية المقال، أود أن أشير إلى أن الاتفاقيات الدولية والدستور المصرى تكفل حق التعبير والاحتجاج السلمى بكل أشكاله من وقفات واعتصامات، هذا بجانب حق الإضراب السلمى الذى تنص عليه المادة ١٥ من الدستور المصرى، كما أشير أيضًا إلى الاتفاقيات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة «وأهمية توقيع مصر ودول العالم عليها»، ومنها الاتفاقية «١٩٠» الخاصة بالقضاء على العنف فى عالم العمل والصادرة فى ٢١ يونيو ٢٠١٩ التى تؤكد أن ظاهرة العنف والتحرش فى أماكن العمل تُشكِّل انتهاكًا وإساءة لحقوق الإنسان وتُشكِّل تهديدًا لتكافؤ الفرص، وتتنافى مع العمل اللائق الذى تقره مواثيق العمل الدولية كحق من حقوق الإنسان، كما أن العنف والتحرش فى أماكن العمل ظاهرة تؤثر على صحة الشخص النفسية والبدنية والجنسية وعلى كرامته، وقد تحول دون وصول النساء إلى سوق العمل والبقاء فيها وتؤثر سلبًا على تنظيم العمل. ومن الاتفاقيات الدولية، أيضًا، اتفاقية «١٨٩» الصادرة ٢٠١٨ بشأن حماية العاملات فى المنازل.

كما أود أن أؤكد على أهمية إنشاء مفوضية عدم التمييز، وإصدار القوانين الخاصة بتغليظ العقوبات ضد جرائم العنف.