رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«المحدال»..كتاب فضح إسرائيل وكشف كيف نجحت مصر في خداعها خلال حرب أكتوبر

حرب أكتوبر
حرب أكتوبر

قبل أن يستفيق الإسرائيليون من أسوأ صدمة فى تاريخ اليهود المعاصر، وقبل أن تبدأ محاولاتهم لتزييف التاريخ وتسويق بضاعتهم المزيفة عبر أخطبوط وسائل الإعلام الدولية، صدر كتابٌ عن حرب أكتوبر فى عام 1974 بعنوان "المحدال" أو التقصير.

 وحول هذا الكتاب وبالتزامن مع انتصار أكتوبر المجيد، والذي تحتفل مصر بالذكري الثامنة والأربعين له هذا العام، قال الكاتب أحمد الصغير في تصريحات لــ"الدستور": تنبع أهمية هذا الكتاب من عدة أسباب أهمها أن من قاموا بكتابته هم سبعة من الصحفيين العسكريين الإسرائيليين الذين رافقوا القوات الإسرائيلية أثناء المعارك فكانوا شهودا عيان على الأحداث، كما أنهم يمتلكون – بحكم عملهم الرسمى – من المعلومات السياسية و العسكرية الكثير وحضروا كثيرا من اجتماعات القادة الإسرائيليين العسكريين و السياسيين قبيل وأثناء وبعد الحرب.

كما أنهم كتبوا هذا الكتاب بدوافع الصدمة و المرارة و الإحساس بالهزيمة الساحقة والإذلال مما دفعهم إلى الكشف عن كثير من الحقائق قبل أن يستفيق الإسرائيليون و يحاولون إخفاء ما يستطيعون إخفاءه من مشاهد السحق.

و تابع "الصغير" موضحا، تعرض الكتاب لأحداث الحرب الكبرى، قصة خط بارليف و قصة الثغرة و ما غيره المصريون فى مسلمات الحروب السابقة، كما أفاض الكتاب فى وصف مشاهد الجندى المصرى وجها لوجه ضد الدبابة الإسرائيلية، وأعاد الكتاب الاعتبار التاريخى لحرب الاستنزاف المصرية و كيف ساهمت بشكل رئيسى فى مشهد أكتوبر، كما تعرض الكتاب فى أكثر من موضع لأعداد الخسائر الإسرائيلية البشرية.يكتظ الكتاب بالمعلومات والتفاصيل التى لا يتسع المقام هنا لذكرها جميعا.

مصيدة الحمقى 


هذا هو العنوان الذى أطلقه مؤلفو الكتاب على أكبر حملة خداع فى التاريخ أو حملة الخداع التى نفذتها مصر ضد القيادات السياسية و العسكرية و المخابراتية الإسرائيلية، و قد بدأت تلك الخطة بتولى السادات لحكم مصر 1970 و في عام 1972 كانت قد وصلت لمرحلة متقدمة ثم وصلت ذروتها يوم الحرب ذاته.

 و  في السطور التالية هذا بعض ما ورد فى الكتاب نصا عن تلك العملية المعقدة: (...إن الشعار الذى أطلقه جمال عبد الناصر( ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ) لم ينته بموته، بل تبناه حرفيا وريثه فى الحكم أنور السادات لكنه فى بعض الأحيان لم يعمل بهذا الشعار للقيام بعملية تضليل لم يسبق لها مثيل فى التاريخ.

كان السادات فى السنوات الأولى من حكمه يحدد من حين لآخر مواعيد و تواريخ لبدء الحرب ويضطر بعد ذلك إلى أن يوضح لشعبه سبب عدم تنفيذه لجداوله الزمنية، كانت كل خطبه المتعلقة بالحرب متشابهة، و هكذا توقف المسؤلون الإسرائيليون بكل بساطة عن الأخذ بها بجد !

فى العام الذى أسماه السادات عام الحسم 1971 و فى الأيام الأولى من أكتوبر بدأت مصر مناورات للعبور و تحريك فرقة مدرعات بمساندة سلاح الجو وبتغطية من الصواريخ وكانت حواس القيادة الإسرائيلية ساعتها منتبهة ومحفورة في ذاكرتها حرب الاستنزاف التى راح ضحيتها نحو 400 قتيل إسرائيلي و أكثر من ألف من المصابين. 

ثم ألغى السادات فى العام نفسه و من جانب واحد وقف إطلاق النار واستكمل استعداده للحرب وتلقت مصر قاذفات قنابل طراز "تو 16" مزودة بصواريخ جو أرض، كان رأيى دايان ساعتها أنه ربما تكون الحرب على الأبواب ووضع الجيش فى حالة تأهب قصوى، ثم ألغى السادات الحرب وحمل السوفييت مسؤولية تأجيل الحرب فى خطاب علنى .

 وتابع الكتاب، بعد ذلك بدأ السادات اتباع أسلوب المناورات الكثيرة لإدخال السكينة فى روع الإسرائيليين، فأجرى المصريون عام 1972 سلسلة من المناورات نفذوها حرفيا تحت أعين الإسرائيليين وعرضها التليفزيون الإسرائيلى، وفى 25 مارس 1972 شكل السادات حكومة مصرية جديدة وجاء فى التصريحات الرسمية أن مهمة الحكومة الجديدة هى إعداد مصر للحرب وفى اليوم ذاته نشرت صحيفة الأخبار المصرية مقالا افتتاحيا جاء فيه ( إننا نسير نحو معارك كبرى مع إسرائيل ).

منذ ذلك اليوم تقريبا لم يمر يوم واحد إلا و نشرت صحيفة من صحف العالم خبرا يتعلق بالحرب القريبة التى تنوى مصر شنها على إسرائيل، وفي العام نفسه نفذ المصريون مناورة ضخمة قرب القناة شملت العبور بكل تفاصيله على مرأى من جنود الجيش الإسرائيلى فى تحصيناتهم شرقي القناة حظيت بملاحظات ساخرة من قبل الخبراء العسكريين فى تل أبيب رغم إعلان حالة التأهب فى إسرائيل بمناسبة إجراء تلك المناورة.

كيف نجحت مصر في خطة خداع إسرائيل؟


ويضيف الكتاب، نجح المصريون  فى إطار عملية الخداع فى نهايات سبتمبر 1973 عندما لوحظت مرة أخرى تحركات للجيش المصري في إقناع إسرائيل أن القصد هو مناورة، حيث حركت مصر الفرق المصرية الخمسة التى كانت على الخط الأول لإجراء المناورة وهى التي عبرت، نشر المصريون أخبار علنية رسمية أن المناورة باسم ( صلاح الدين القائد العربى الذى هزم الصليبيين ) وهكذا – للمرة الأولى – لم يوضع الجيش الإسرائيلى فى حالة التأهب القصوى.
والأمر المذهل أنه بمراجعة الفيلم الذى أذيع من عام على شاشات التليفزيون الإسرائيلي، أن المصريين نفذوا عمليا فى 6 أكتوبر 1973 و بدقة متناهية عبور القناة تماما مثلما تدربوا عليه فى بروفتهم السابقة.

و كشف الفريق أول إسماعيل على ، وزير الحربية المصرى بعد الحرب عن طرق التضليل التى اتبعها المصريون فى تلك الفترة، فقد سرب "إسماعيل" إلى صحيفة الأهرام أن ضباطا و جنودا مصريين ينوون السفر إلى مكة فى نهاية رمضان، ونشر أن وزير الدفاع الرومانى سيزور القاهرة 8 أكتوبر، وقال أن التكتم وصل لدرجة أن الموعد المقرر لبدء القتال لم يكن مطلعا عليه بعد تحديده الأول سوى شخصين فقط الرئيس السادات وهو شخصيا.

 وقال كنت أعرف أن العدو يراقبنا بصورة دائمة، لذلك كنت أرسل لواء إلى الجبهة للمشاركة فى المناورة، ثم أعيد فى الليل كتيبة واحدة ليحسب العدو أن القوات خرجت لإجراء المناورة و عادت بعد انتهائها.
وأخّرت إرسال عتاد العبور قدر الإمكان لأنه كان واضحا أن إخراج العتاد من المخازن سيلفت النظر،  نقلت أجزاء الجسور المعدة لعبور القناة إلى جوار الضفة فى اللحظة الأخيرة فى عتمة الليل وهى مغطاة بالبقول وجرى إخفاؤها فورا فى أماكن معدة سلفا.

صباح يوم العبور

فى الساعة 8 من صباح السبت 6 أكتوبر 1973 وصلت تقارير لرجال الاستطلاع فى التحصينات ــ تحصينات بارليف ــ أن الرعاة المصريون و قطعانهم يشاهدون من خلف القناة، وأن الفلاحين يزرعون حقولهم، وأن الجنود المصريين يتجولون على ضفة القناة و هم عزل من السلاح وبعضهم منهمك فى الغسيل أو الصيد.
كان هناك وضع غريب، ففى اللحظة التى بدأ فيها القتال كان جنود مصريون يقفزون فوق الحاجز فى الجانب الغربى ويتجولون هناك و كأنهم لا يعرفون بما يحدث. ويوم السبت كرر مذيع إذاعة القاهرة تلك الشفرة البسيطة مرتين الساعة الآن الثانية و خمس دقائق .