رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خبراء: أزمة الطاقة الحالية تمثل رسالة تحذير من القادم

 الطاقة النظيفة
الطاقة النظيفة

يمر العالم الآن، بأول أزمة طاقة كبرى منذ بدء التحول نحو الطاقة النظيفة، والتي لن تكون الأخيرة.
 ويضرب نقص الإمدادات أسواق الغاز الطبيعي والكهرباء على مستوى العالم من بريطانيا حتى الصين، بالتزامن مع تعافي الطلب العالمي على الطاقة نتيجة انتهاء جائحة فيروس كورونا المستجد.
المختلف هذه المرة هو أن أزمة الطاقة تأتي في الوقت الذي تمر فيه الاقتصادات الغنية بواحدة من أكثر مراحل التحول في أنظمة الطاقة طموحًا منذ عصر الكهرباء، حيث لا توجد طرق سهلة لتخزين الطاقة التي يتم توليدها من المصادر المتجددة.
وبحسب التقرير الذي أعده ديفيد بيكر وستيفن ستابتسنسكي ودان مورتو  وراشيل موريسون، ونشرته وكالة "بلومبرج" للأنباء، فإن التحول إلى الطاقة النظيفة يستهدف جعل أنظمة الطاقة في البلاد أكثر وليس أقل مرونة، لكن التحول الفعلي نحو الطاقة النظيفة سيستغرق عدة عقود، وخلال هذه العقود سيظل العالم يعتمد على الوقود الأحفوري، حتى في الوقت الذي يغير فيه المنتجون الرئيسيون للنفط استراتيجياتهم الإنتاجية  بشكل جذري.

ويقول دانيال يرجين أحد أشهر محللي الطاقة في العالم ومؤلف كتاب الخريطة الجديدة، إن أزمة الطاقة الحالية تمثل "رسالة تحذير من مدى التعقيد الذي سيشهده التحول نحو الطاقة الجديدة". 

ففي خضم التغييرات الجوهرية أصبح نظام الطاقة العالمي أكثر هشاشة وأشد عرضة للصدمات.
تشهد أوروبا الآن حالة من الفوضى في سوق الطاقة، ففي فصل الشتاء الماضي الذي كان أبرد من المعتاد، تم استنزاف مخزونات الغاز الطبيعي، في حين لم تحاول روسيا أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا تعويض هذا النقص خلال فصل الصيف، لترتفع أسعار الكهرباء والغاز الآن إلى مستويات قياسية، مع تزايد الطلب على الطاقة نتيجة تعافي الأنشطة الاقتصادية  من تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد، هذا السيناريو كان سيحدث لو أن العالم تعرض لجائحة كورونا قبل عشرين عامًا. لكن الآن أوروبا تعتمد على مزيج  مختلف من مصادر الطاقة.
وتراجع الاعتماد على الفحم بدرجة كبيرة لصالح الغاز الطبيعي الأقل تلويثًا للهواء،  لكن زيادة الطلب العالمي خلال العام الحالي أدت إلى ندرة في إمدادات الغاز، في الوقت نفسه فإن انخفاض إنتاج المصدرين الآخرين للطاقة النظيفة وهما الرياح والمياه بصورة غير معتادة، كان نتيجة بطء حركة الرياح وانخفاض الأمطار في مناطق عديدة ومنها النرويج.

 الضربة المؤلمة التي تعرضت لها أوروبا، بمثابة نذير شؤم لنوع الصدمات التي يمكن أن تضرب مناطق أخرى في العالم، ومع أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية تزايدت وأصبحت أرخص بصورة أكبر، فإن الكثير من مناطق العالم ستظل تعتمد على الغاز الطبيعي وغيره من أنواع الوقود الأحفوري كمصادر طاقة بديلة لعقود عديدة قادمة. 

في الوقت نفسه، فإن رغبة المستثمرين والشركات في زيادة الإنتاج من النفط والغاز تتراجع حاليًا.
وفي تحليل حديث قال نيكوس تسافوس المحلل الاقتصادي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن الوضع الحالي بمثابة وصفة جيدة لتقلبات الأسواق، وأضاف تسافوس أستاذ كرسي جيمس شيلزنجر لدراسات الطاقة والجيوسياسية  في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن العالم "يتحرك بالتأكيد نحو نظام أكثر هشاشة".

والحقيقة أن التحول نفسه وهو أمر حتمي للحفاظ على كوكب الأرض ليس سببًا في الأزمة، ولكن أي نظام كبير ومعقد يصبح أكثر هشاشة عندما يشهد عملية تغيير كبرى كالتي يشهدها نظام الطاقة في العالم.
يحدث كل هذا، في الوقت الذي تتوقع فيه خدمة بلومبرج لتمويل الطاقة الجديدة نمو الاستهلاك العالمي للطاقة بنسبة 60% بحلول 2050، حيث يتخلص العالم من الوقود الأحفوري ويتحول إلى السيارات وأفران الطبخ وأنظمة التدفئة التي تعمل بالكهرباء.

كما أن استمرار نمو السكان والاقتصاد في العالم سيؤدي إلى ارتفاع استهلاك الطاقة، ومع انتقال العالم إلى مزيد من رقمنة جوانب الحياة المختلفة، فهذا يعني أن أزمة الطاقة تأتي في الوقت الذي ستزداد فيه حاجة الناس إلى مصادر للطاقة أكثر موثوقية من أي وقت مضى.

وتعني زيادة الطلب على الكهرباء وتقلبات أسعار الوقود، أن العالم سيظل يعاني من الصعوبات في مجال الطاقة لعقود قادمة.  ومن المحتمل أن تتراوح تداعيات ذلك بين فترات ارتفاع أسعار التضخم بسبب مشكلات الطاقة وتزايد الفجوة في الدخول بين دول العالم، وصولًا  إلى خطر حدوث انقطاعات واسعة للكهرباء وتوقف النمو الاقتصادي والإنتاج.