رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«إيكنجي مريوط - سيرة ضاحية» على طاولة الجزويت الثقافي بالإسكندرية

سيرة ضاحية
سيرة ضاحية

يستضيف مركز الجزويت الثقافي بالإسكندرية، في الثالثة من عصر اليوم الثلاثاء، حلقة نقاشية جديدة من سلسلة أمسيات “أمكنة”، وتقام ندوة اليوم تحت عنوان "إيكنجي مريوط - سيرة ضاحية"، والتي يقدمها الكاتب الروائي الشاعر علاء خالد، مؤسس ورئيس تحرير مجلة “أمكنة”.

وبحسب الكاتب علاء خالد: "تقوم فكرة حلقة أمكنة "إيكنجي مريوط - سيرة ضاحية"، كما يظهر من عنوانها، هو محاولة كتابة سيرة لضاحية "إيكنجي مريوط" التي تقع غرب الإسكندرية، بجوار كل من مدينة برج العرب، وحي العامرية، وما طرأ عليها من تحولات، في أشكال العيش، والسكن، في العقود الأخيرة، والتي تطرح بدورها أشكالًا جديدة من التفكير والممارسات اليومية والخيال.

يعود تاريخ هذه الضاحية، إلى زمن الرومان، كانت وقتها أرضا جيدة يزرع فيها القمح والشعير، بجانب العنب، لعمل النبيذ الذي اشتهرت به المنطقة، ثم استوطنتها القبائل العربية التي جاءت مع الفتح الإسلامي، ويطلق عليها اسم قبائل "أولاد علي"، بكل فروعها وبطونها.

بدأت الضاحية في الظهور في ذاكرة القرن العشرين بعد أن اتخذها الأجانب الذين يعيشون في الإسكندرية، مكانًا للاستجمام والراحة، بسبب هدوئها وجوها الصحراوي الجاف، وبدأت تتكون نواة مجتمع لهم هناك، من أشهر منتجعاتها التي كان سببا في جذب السياح إليها، للاستجمام، فندق "ديزرت هوم"، والذي يعود لمالك سويسري بناه عام 1936.

إيكنجي مريوط كانت مكانًا لصفوة أهل الإسكندرية 

تصف دكتورة لوتس عبد الكريم، التي ترددت على الضاحية قبل الثورة، في مقال لها هذا المجتمع:
"كانت مكانًا لعلية القوم، الأجانب وصفوة أهل الإسكندرية ومصر عمومًا، حيث كانت بمثابة استراحة للسياسيين والأسرة الملكية، وهى معروفة بأن طقسها جاف صيفًا وشتاءً، حيث تقل نسبة الرطوبة إلى أقصى درجاتها معظم أوقات السنة، ويعتبرها السكندريون مشتى ومصيفًا طوال العام، وكانت فى زمن مضى من أفضل أماكن الاستشفاء فى العالم."

وتضيف عن تخطيط الضاحية المنظم، وسهرات التسلية:"كنت دائمة الزيارة إليها فى زمن جميل مضى أثناء دراستي في الليسيه الفرنسية بالإسكندرية، كانت كينج مريوط ضاحية جميلة، شوارعها أسمنتية سوداء، وأشجارها سامقة، وفيلاتها على أحدث طراز، يسكنها الإنجليز والفرنسيون ويهود الإسكندرية، ولا يدخلها الغرباء، وأذكر أننا كنا نجتمع فى أيام الآحاد مدعوين إلى حفلات الباربيكيو النهارية، ثم حفلات الرقص التنكرية أثناء الأمسيات التي كانت تقام وتصدح فيها الموسيقى، ويستمتع الجميع فى مجتمع راق غير مألوف."

ثم تختم هذه الفقرة بالأسف على توطين البدو في هذا المكان. لاأعرف ماذا كانت تقصد الكاتبة بالغرباء، هل كانت تقصد البدو، أم من جاءوا بعدهم من المواطنين السكندريين، من الطبقات الوسطى للسكن هناك. عموما يبدو أن المجتمع الأصلي بالنسبة لها هو المجتمع الراقي المكون من جنسيات عديدة، بالإضافة لعلية القوم من السكندريين وغيرهم.

 إيكنجي مريوط في عيون الشاعر الإيطالي جوسيبي أونجاريتي

انتقلت الضاحية أيضا للذاكرة الأدبية عبر الشاعر الإيطالي الشهير ابن الإسكندرية جوسيبي أونجاريتي (188- 1970) والذي ولد وعاش في الإسكندرية حتى الرابعة والعشرين، وكانت عائلته تملك فرنا يقع في حي محرم بك، المتاخم للصحراء في ذلك الوقت. شدد في كتابته عن الإسكندرية أنها المدينة التي يحدها البحر من ناحية والصحراء من الناحية الأخرى، كأنه يقول بشكل غير مباشر أن ثقافة الصحراء، المتاخمة للإسكندرية، جزء من سبيكتها الثقافية"، بل يعتبر "البحر" ضاحية من ضواحي الصحراء: "عندما سافرت إلى إيطاليا للمرة الأولى، كانت المفاجأة الكبرى التي هزّتني وشعرت بقوتها، هي الجبال. عندما رأيت الجبال، اختفى المشهد الصحراوي الإسكندري من عيني، المشهد الخفيف الذي كان قريبا إلى قلبي، الصحراء، ثم البحر، الذي كنت أتعامل معه كأنه امتداد للصحراء، أو إحدى ضواحيها".

دخلت الضاحية المخيلة الروائية بسبب قربها من "بحيرة مريوط" التي تقع ناحية الشرق منها؛ لأحد أهم كتاب القرن العشرين لورنس داريل، مؤلف "رباعية الإسكندرية"، التي تدور أحداثها في النصف الأول من القرن العشرين، حيث كان أبطال الرواية، الأجانب منهم والمصريون، يذهبون إلى البحيرة ويقبعون داخلها، بملابس الصيد، ومعهم بنادقهم وطعامهم وشرابهم، في انتظار قدوم البط في مواسم الهجرة.

وفي العصور الحديثة ظلت للضاحية هذه المسحة الفنية المرتبطة بالخيال والتأمل، عبر مجموعة من الفنانين المعاصرين، تركوا المدن، واتخذوا بيوتا ومراسم لهم فيها، منهم: الفنان عدلي رزق الله، والفنان فاروق وهبة، والنحات محمد هجرس، والفنان عادل السيوي.

بجانب هذا الجانب الفني، كان هناك الجو الصحراوي المتنسك، متمثلا في وشيجة من وشائج المكان، تلك الأديرة التي بنيت به، وفي الصحراء من حوله، والتي اتخذتها الرهبان، قديما وحديثا، مكانا للعبادة والتنسك، التي أدخلت للضاحية هذا الحضور التأملي المتنسك.