رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حوارات المنتصرين.. العقيد متقاعد حمدي أمين: أبهرنا السوفيت بإسقاط 3 طائرات فانتوم فى 5 دقائق

حرب اكتوبر
حرب اكتوبر

تمنيت أن أكون صحفيًا فى «الأهرام» لكنى التحقت بـ«الدفاع الجوى» تأثرًا بوفاة عبدالناصر

بتواضع كبير وابتسامة خافتة، لا يزال العقيد متقاعد حمدى أمين عبدالعزيز، أحد أبطال قوات الدفاع الجوى خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣، يتذكر حضور الخبراء العسكريين السوفيت إلى مصر، والوقوف فى حضرته ليتعرفوا على تفاصيل المعجزة التى صنعها مع جنوده بإسقاط ٣ طائرات فانتوم إسرائيلية خلال أقل من ٥ دقائق.

وعلى مدار ٣ ساعات، كما يتذكر البطل، ناقش العسكريون والفنيون السوفيت معه، فى ذهول كامل، ما اعتقدوا أنه يستحيل تحقيقه وفقًا للدراسات المعتمدة فى ذلك الوقت، دون أن ينسوا أن هذا البطل كان هو نفسه من أسقط أول طائرة إسرائيلية فى حرب أكتوبر على أرض سيناء، حيث كانت كتيبته ضمن كتائب الدفاع الجوى القليلة التى عبرت القناة، ووصل إجمالى الطائرات التى أسقطها إلى ٩ طائرات.

يتذكر العقيد حمدى أمين عبدالعزيز، فى حديثه إلى «الدستور»، تفاصيل التحاقه بالقوات المسلحة قبل حرب أكتوبر بثلاث سنوات، مشيرًا إلى أنه تخرج فى «شعبة الإلكترونيات» بكلية الهندسة جامعة القاهرة فى عام ١٩٧٠، ولم يكن يفكر وقتها مطلقًا فى الالتحاق بالعمل العسكرى أو حتى الهندسى، وسط طموحه بأن يصبح صحفيًا بجريدة «الأهرام»، التى رفضت تعيينه لعدم إتمامه الخدمة العسكرية.

يقول البطل إن وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى سبتمبر ١٩٧٠ غيّرت اتجاه حياته، لأنه شعر وقتها بأن عليه أن يتحمل مسئولية إتمام المشوار الذى بدأه «ناصر»، وقرر مع عدد من زملائه الالتحاق بالقوات المسلحة كضباط عاملين لا مجرد ضباط احتياط، وقدم أوراقه إلى الكلية الفنية العسكرية، ليلتحق مثل كثير من المهندسين وقتها بسلاح الدفاع الجوى الجديد، الذى كان بحاجة إلى ضباط يفهمون فى الإلكترونيات.

وخلال إجراء كشف الهيئة للالتحاق بالسلاح، وجد البطل أمامه لجنة تتكون من عدد من الضباط الكبار، الذين أصبحوا من قادة الجيش المصرى فيما بعد، على رأسهم اللواء محمد على فهمى، أول قائد لقوات الدفاع الجوى المصرى، الذى حمل بعدها رتبة المشير وتولى رئاسة أركان حرب القوات المسلحة المصرية، وكذلك اللواء محمد حسنى مبارك، الذى حمل بعدها رتبة الفريق وتولى قيادة القوات الجوية، ثم رئاسة الجمهورية فيما بعد.

بعد الالتحاق بسلاح الدفاع الجوى، يقول العقيد متقاعد حمدى أمين عبدالعزيز إنه تم إرساله فى بعثة دراسية إلى الاتحاد السوفيتى، ليدرس صواريخ «سام ٣» المضادة للطائرات، التى درسها لمدة ٦ أشهر، قبل أن تظهر صواريخ جديدة أكثر تطورًا هى «سام ٦»، التى درسها لمدة ٧ أشهر أخرى، وكانت من الأسلحة الحديثة التى لم يكن يجرى تصديرها إلى خارج الاتحاد السوفيتى، إلا أن مصر حصلت عليها وقتها، ثم حصلت عليها سوريا لاحقًا.

ويضيف أن الجيش المصرى نجح أيضًا فى الحصول على وحدات حديثة من صواريخ «سام ٣»، من الاتحاد السوفيتى، ومن خلالها استطاعت قوات الدفاع الجوى حرمان العدو الإسرائيلى من استطلاع القوات المصرية غرب القناة.

ويذكر البطل أنه تم استكمال تسليح القوات من خلال إدخال منظومات حديثة من الصواريخ السوفيتية «سام ٦»، حتى عام ١٩٧٣، وكانت مهمة قوات الدفاع الجوى وقتها بالغة الصعوبة، لأن مسرح العمليات لم يكن يقتصر فقط على جبهة قناة السويس، بل كان يتسع ليشمل توفير الدفاع الجوى لجميع الأهداف الحيوية «السياسية والاقتصادية والقواعد الجوية والمطارات والقواعد البحرية والموانئ الاستراتيجية».

قبل ٣ أشهر فقط من حرب أكتوبر المجيدة، يتذكر البطل أنه عاد من الدراسة بالاتحاد السوفيتى، ثم التحق بإحدى الكتائب بالجيزة للتدرب على كيفية تتبع الطائرات واستهدافها بالصواريخ، وبعدها تم ترحيله مع زملائه إلى الجبهة.

وعن كواليس إسقاط ٣ طائرات فانتوم إسرائيلية، يقول العقيد متقاعد حمدى أمين عبدالعزيز إن ذلك حدث قبل عبور القوات قناة السويس، حين كان يتناوب مع قائد الكتيبة على دوريات الحراسة، فى ظل استمرار القصف الإسرائيلى.

ويضيف: «رغم أننا تعلمنا فى الاتحاد السوفيتى أنه لا يجوز الاشتباك إلا مع طائرة واحدة فقط فى وقت واحد، فإننى، وبمساعدة شعبان، أحد الجنود المعاونين الذى كان أفضل فى استخدام الصواريخ من مدربيه السوفيت أنفسهم، تمكنا من تحقيق المعجزة وإسقاط الطائرات الثلاث فى وقت واحد».

ويوضح البطل أن إطلاق صواريخ «سام ٦» كان يتم من أعلى دبابات مخصصة لذلك، وعبر جهازى رادار، الأول استكشافى والثانى لاستقبال البيانات وتتبع الطائرات، مشيرًا إلى أن إسقاط الطائرات الثلاث كان خلال ٥ دقائق فقط وعبر إطلاق صاروخين على كل منها، وهو ما أدهش الخبراء السوفيت وقتها. وعن أبرز ذكرياته فى أيام حرب أكتوبر المجيدة، يقول العقيد متقاعد حمدى أمين عبدالعزيز إنه لا يمكنه أن ينسى ظروف تعرفه على المقدم محمد حسين طنطاوى، الذى حمل بعدها رتبة المشير وتولى وزارة الدفاع المصرية لمدة ٢٠ عامًا، وذلك فى يوم ١٢ أكتوبر، وقبل ساعات من بدء معارك ثغرة الدفرسوار، عندما حاولت طائرة إسرائيلية مهاجمة موقع كتيبة المقدم طنطاوى، إلا أن كتيبة الدفاع الجوى نجحت فى إسقاطها. ويوضح أن ذلك ربطه بعلاقة خاصة مع المشير طنطاوى، رحمه الله، حتى إنهما سافرا معًا لأداء فريضة الحج فى عام ١٩٨٢. كما يتذكر البطل أحد المواقف العصيبة التى مر بها أثناء الثغرة، عندما هجمت عليهم دبابات العدو الإسرائيلى بشراسة، فاضطر إلى ترك دبابته وإخفائها فى مكان منخفص، ثم البحث عن حفرة لإيوائه، إلا أنه لم يجد مكانًا له لازدحام الحفر، فظل مستلقيًا على ظهره، يشاهد القنابل والقذائف وهى تنفجر فى كل مكان، وينطق الشهادة أكثر من مرة، حتى إن إحدى القذائف طالت دبابته وحطمت رادارها وسقط الحطام بين قدميه، غير أنه لم يصب بأى سوء.