رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العنف المشترك بين إخوان مصر وتونس

بعد محاولة اغتياله الفاشلة، اتهم الرئيس التونسي قيس بن سعيد، أطرافاً سياسية، بالسعي لتدبير محاولات قتله، فيما مارست حركة النهضة الإخوانية في تونس بجاحتها المعهودة، وطالبت بالتحقيق فى تصريحات الرئيس ابن سعيد، بشأن محاولات اغتياله، رغم أن أيادي هذه الحركة الإخوانية تظل مغموسة بالدم، الآن وعلى مدى تاريخها، من خلال جهازها الخاص، أو السري.
ولم تكن نشأة الجهاز الخاص، داخل الحركة الإخوانية التونسية، بدعةً في تاريخ الحركات الإسلامية ولا خصيصة للحركة التونسية من الناحية التنظيمية.. كانت ميراثاً إخوانياً وصدى واضحاً لأصولها الإخوانية واتباعاً منها لسنة الآباء المؤسسين.. لكن التفكير في تحريك الجهاز، بعد عام 1984، نحو التمكين، أي قلب نظام الحكم، كان واضحاً أنه من تأثيرات تجارب مختلفة حدثت هنا وهناك.. فقد فتحت الثورة الإسلامية، التي أسقطت نظام شاه إيران القوي عام 1979، باب الأمل واسعاً أمام الإسلاميين في كل مكان، وكسرت حاجز العجز والخوف.. كما ألهمت فكرة الاندساس داخل الجيش، التي قام بها تنظيم الجهاد المصري، ووصل من خلالها إلى رأس الرئيس أنور السادات أمام الشاشات في أكتوبر 1981، الكثير من الجماعات الإسلامية في العالم ومن بينها تونس، كي تحرك طاقتها في تقوية أجهزتها الخاصة.. فإمكانية التطبيق واردة، والمثال المصري خير دليل، والأهم من التجربة الإيرانية والمصرية، كانت التجربة السودانية، التي أطاحت بالرئيس جعفر النميري، والتي شكلت مرحلة أولى، لتمكين الحركة الإسلامية من الحكم لاحقاً، في عام 1989، وهي التجربة التي كانت حركة الاتجاه الإسلامي تريد السير على خطاها.
في 1987، قررت حركة الإخوان في تونس، تحريك جهازها الخاص ـ الذي كان يسمى المجموعة الأمنية ـ لتنفيذ انقلاب عسكري يطيح بنظام الرئيس الحبيب بورقيبة، في الثامن من نوفمبر.. لكن زين العابدين بن علي كان أسرع إلى السلطة، وحسم الأمر قبل ذلك بيوم واحد، ثم عقد صفقةً مع قيادة الحركة الإسلامية، تم بموجبها إخلاء سبيل قياداتها من السجون، مقابل الكف عن اختراق الجيش والأمن، لكن الصفقة ما لبثت أن فشلت عام 1989، عندما اكتشف ابن علي أن الإخوان مازالوا يعملون سراً، للتواجد في قلب أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، وأن جهازهم الخاص ما زال نشيطاً.. حتى بلغ الصراع أوجه عام 1991، وتحولت الشوارع إلى ساحات حرب بين الدولة الإخوان.. لكن الدولة كانت الأقوى، وتفرق أعضاء الحركة الإخوانية، أيدي سبأ، بين السجون والمنافي، حتى عادوا إلى البلاد في 2011، في أعقاب سقوط نظام زين العابدين بن علي، واستأنفوا نشاطهم العلني والسري، الأمني والعسكري، كأن الزمان قد استدار كهيئته، في ثمانينيات القرن الماضي.
ونتساءل: ما هو دور الجهاز السري الخاص بالنهضة في اغتيال المعارضين الراحلين، شكري بلعيد ومحمد البراهمي، اللذين أغتيلا عام 2013.. وما علاقة تنظيم إخوان مصر بذلك؟.
بعد دخول حوالي مائة محام في اعتصام مفتوح داخل مقر المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، احتجاجاً على ما اعتبروه مماطلة من الجهاز القضائي، في النظر في الاتهامات الموجهة إلى رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، وإلى بعض المقربين منه.. نشرت هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، في سبتمبر 2019، أكثر من أربعين وثيقة، على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، تشير إلى وجود محادثات سرية ومراسلات بالبريد الإليكتروني، جرت عام 2012، بين رئيس التنظيم السري للنهضة مصطفى خذر، وأحد قياديي تنظيم الإخوان المحظور في مصر.
قالت هيئة الدفاع، إن المراسلات تضمنت معلومات كثيرة، عن تلقي مصطفى خذر مراسلات من بعض عناصر تنظيم الإخوان المصنف إرهابياً في مصر، تقدم له إرشادات بشأن طريقة بناء الجهاز السري وإدارته والإشراف عليه.. تضمنت الوثائق معلومات، عن إشراف قيادات تنظيم الإخوان في مصر، على دورة تدريبية للعمل الاستخباراتي في تونس.. وقالت هيئة المحامين (إن المراسلات بين رئيس التنظيم السري التابع للنهضة وقيادات تنظيم الإخوان في مصر، كشفت عن وجود طلب من إخوان مصر لحركة النهضة التونسية، بضرورة تشفير الاتصالات الصوتية بين العناصر الإخوانية، واختراق أجهزة الاتصال الرسمية في تونس).. كما تضمنت ذات الوثائق، معلومات بشأن تورط تنظيم الإخوان في إعداد البنية لاختراق خصومهم في تونس والعمل على تصفيتهم.
تعلقت بعض المحادثات بين رئيس التنظيم السري للنهضة، مصطفى خذر، وأحد قياديي الإخوان في مصر، بضرب الأحزاب اليسارية التي تم وصفها بـ (اليسار الفرانكفوني)، وتمت من خلالها الدعوة إلى قتل اليساريين أو إخافتهم.. كما أظهرت ذات الوثائق، وجود رسائل سرية، عام 2012، من الجناح العسكري لإخوان مصر، يوضح فيها طريقة اختراق جهاز الداخلية في تونس وإعداد المدربين.. وطلب إخوان مصر من المتعاونين معهم في تونس، تحديد القوائم التي يجب استهدافها، وتوفير المعدات اللازمة لاستهدافهم، وتنظيم الدورات التدريبية لإعداد الشخصيات اللازمة.
يرى باحثون، أن العلاقات التنظيمية بين التنظيم العالمي لجماعة الإخوان وحركة النهضة التونسية، (علاقة فرع بالأصل، وقد سبقتها علاقات فكرية ومنهجية متينة، حيث لم تقلد النهضة في تونس الأدبيات النظرية الدينية للتنظيم الدولي للإخوان فحسب، ولم تعتمد فقط على أساليب مخطط تكوين الفرد والجماعة ونظام الأسرة المعتمد، ولكنها اعتمدت كذلك، كل وسائل التنظيم الدولي في التمكين والوصولية والاندساس في أجهزة الدولة ومكونات المجتمع المدني والجامعات.. فقد كان نفس الأسلوب متبعاً تقريباً في الجامعات المصرية والتونسية، وفي أجهزة الدولة والإدارات.. كانت كلمة السر في كل من تونس والقاهرة وعواصم عربية أخرى ينتشر فيها الإخوان، هي الاندساس في شرايين الدولة).. وتعلم التنظيم الإخواني التونسي أساليب اختراق الأجهزة الأمنية من جماعته الأم في القاهرة، وساعد قادة التنظيم العالمي توابعهم في تونس، على المضي قدماً في خطة اختراق المؤسسة الأمنية والعسكرية منتصف الثمانينيات، والتي انتهت بفشل ذريع عقب أحداث انقلاب 8 نوفمبر 1987 الفاشل.
وهنا نعيد ونكرر ما سبق أن قلناه سابقاً، لأهميته.. أن العلاقات التنظيمية والفكرية بين حركة النهضة التونسية، والجماعة الأم في مصر، تعود إلى سنوات التأسيس الأولى، حين كانت تسمى الجماعة الإسلامية.. حين توجه أحد قادة الحركة، في موسم حج 1973، وبايع المرشد العام لجماعة الإخوان ـ آنذاك ـ حسن الهضيبي.. ومع تأسيس التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين رسمياً سنة 1982، على يد المرشد الخامس للجماعة في مصر، مصطفى مشهور، انخرطت حركة الاتجاه الإسلامي ـ الاسم القديم لحركة النهضة ـ عضواً ناشطاً في التنظيم، يمثلها أميرها راشد الغنوشي.. وفي شهادة له، نُشرت في مارس عام 2012،  اتهم الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي، مؤسس الحركة الإسلامية بالمغرب الأقصى، الغنوشي (بالعمل على اختراق الحركة الإسلامية في المغرب، بتكليف من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، نهاية السبعينيات من القرن الماضي، والتجسس لصالح التنظيم العالمي للجماعة).
وقد أوضح الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي، في مقال له: (إن جماعة الإخوان المسلمين كانت ترسل الغنوشي في رحلات تفقدية من أجل استجلاء الأوضاع بكل من الجزائر والمغرب، واقتراح الحلول والخطط الخاصة بالتعرف على الفصائل الإسلامية القائمة بها ومحاولة استقطابها.. وفي هذا الاتجاه، أُرسِل راشد الغنوشي إلى الجزائر، عقب اعتقال محفوظ النحناح، فأجرى عدداً من الاتصالات بالمجموعات الإسلامية هناك، على اختلاف مشاربها، ثم قدم للتنظيم تقريراً مكتوباً ومفصلاً لرحلته، في أكثر من خمسين صفحة، اقترح عليه أسماء تخلُف النحناح أثناء فترة اعتقاله).
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.