رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

برلمانية عن منطقة «ليكونى»: الجهل وإساءة فهم الدين وراء ضياع حقوق المرأة الإفريقية

منطقة ليكونى
منطقة ليكونى

حضرت افتتاح أحد المشروعات التنموية، الذى أشرفت عليه ميتشى جمعة مبوكو، ممثلة منطقة «ليكونى» فى البرلمان الكينى عن حزب «الحركة الديمقراطية»، والتى تقف وسط الناس وهى ترتدى عباءة سوداء تشبه أمهاتنا بشكل كبير، وتتحدث مع الناس كأنها منهم لا من سكان الأبراج العاجية، كما هو الحال مع من هم فى منصبها.

وقالت السيدة «ميتشى»، التى لا تتذكر أنها نائبة برلمانية إلا عندما ترى الحرس المخصص لها عند نزولها الأماكن ذات معدلات الإجرام العالية، إنها واجهت صعوبات عديدة أثناء الانتخابات البرلمانية التى نجحت خلالها فى حصد المقعد البرلمانى.

وأوضحت عضو البرلمان الكينى، لـ«الدستور»، أنه «فى مجتمع يتمتع فيه الرجال بالقيادة المهيمنة، يصبح الأمر تحديًا فى بعض الأحيان، خاصة مع تقاليد وناس ما زالوا يعتقدون أن المرأة لا تستطيع القيادة، وذلك لأسباب عديدة، من بينها الفهم الخاطئ للدين».

وأضافت: «الأغلبية العظمى من سكان مومباسا لم يرتادوا المدارس الدينية، وبالتالى يصعب عليهم تفسير الدين بشكله القويم الصحيح، لذا تجد إساءة لفهم بعض الآيات، مثل: (الرجال قوامون على النساء)، والتى تُستخدم كثيرًا لإحباط معنويات المرأة، والتأثير على ثقتها فى نفسها، سواء فى القيادة بصفة عامة أو السياسة على وجه التحديد».

وأرجعت إساءة تفسير الدين فى هذه النقطة إلى الأسس الاجتماعية السيئة من جهل وقلة تعليم، مع انعدام وجود المدارس فى كثير من المناطق، بسبب الفقر وتوزيع موارد الدولة على فئة قليلة من المجتمع، مع بقاء السواد الأعظم فى الفقر، متابعة: «بشكل عام، الجهل هو سبب قلة النساء اللاتى يَقدنّ ويتقلدنّ مناصب، لأنه فى مومباسا مثلًا الغالبية العظمى من النساء تلقين فقط التعليم الابتدائى، ومن درسنّ فى مراحل تالية نسبة ضئيلة، ولا يمكن أن تقود المرأة دون أن تتعلم بالطبع».

وواصلت: «لكننا الآن فى وضع أفضل من ذى قبل، مع وجود برامج وضعها الرئيس الكينى لمراقبة ومواجهة غسل الأموال وتلقى الرشاوى، كما أننا نمتلك تاريخًا طويلًا من تصدر المرأة العمل السياسى والقيادة النسائية بصفة عامة، وفى المقدمة تأتى الحاصلة على جائزة نوبل الملقبة بـ(أم البيئة)، وانجارى موتا ماتاى».

كان من الضرورى معرفة مستوى التعليم الذى تلقته «ميتشى»، فقالت إنها حاصلة على بكالوريوس فى تخصص العلاقات الدولية والسلام والصراعات، وتخرجت تحديدًا فى جامعة «موى»، كما حصلت على دبلوم من جامعة «نيروبى»، وشهادة فى الإدارة، ما أهّلها للقيادة رغم صغر سنها مقارنة بمن تقلدوا نفس منصبها، مشيرة إلى أنها ولدت عام ١٩٧٢.

سألتها: «عادة ما يُنظر إلى مجال السياسة، خاصة العلاقات الدولية والسلام وإدارة الصراعات، على أنه للرجال فقط، فلماذا قررتِ اختياره؟»، فأجابت: «لقد كنت مهتمة جدًا بهذا المجال لأننى ولدت فى فترة انتشار عنف بالبلاد، إضافة إلى انتشار العنف السياسى أثناء أى انتخابات نشهدها، لذا تولدت لدىّ رغبة قوية فى معرفة المزيد عن هذا الملف، وكيف يمكننى أن أقدم من خلاله ما فيه صالح كينيا، وأن أخوض مفاوضات وأكون سببًا فى تحقيق المصالحة والسلام.. أن أعرف كيف يمكن تحويل العنف إلى طاقة بناء».

العلاقات العاطفية السوية أمر نادر الحدوث فى كينيا، ما أثر كثيرًا فى بناء المجتمع، الذى عادة ما يبتعد أهله عن الزواج، ولا يميلون لتكوين أسر ثابتة، وذلك لأسباب عدة.. حقيقة توجهت بها إلى عضو البرلمان الكينى، وسألتها: «ماذا كان رأى زوجك عندما تم انتخابك؟».

أجابت السيدة والسياسية الكينية: «شعر بأننى أصبحت أقوى منه.. شعر بهذا للأسف، لأنه كان هو أيضًا فى معترك السياسة، لذا انتهى زواجنا بالطلاق بسبب هذه السياسة، فقد كان دائم الشكوى من عملى وعودتى متأخرة بعد الندوات السياسية التى أسافر إليها أحيانًا، فى أماكن بعيدة عن محل إقامتى، فلم أتحمل هذا وكان علىّ الاختيار، فاخترت عملى».

سألتها: «هل يمكن أن يكون التأخر فى العودة إلى المنزل فقط هو سبب الطلاق، خاصة أنك مسلمة متدينة، والطلاق هو أبغض الحلال فى الإسلام؟»، فردت السيدة التى يبلغ أكبر أبنائها ١٨ عامًا: «بالطبع لا، فقد ذكرت أن السياسة بمجملها هى السبب». وأوضحت: «عندما كنت عضوة فى أحد أحزاب المعارضة الكينية، كان هو عضوًا فى حزب موالٍ للحكومة، وكان الحزبان فى مناقشة حول أراضى الدولة ووضعها، ولم تنتهِ المناقشة فى مكانها، واستمرت معنا حتى بعد عودتنا للمنزل، حيث تشاجرنا بسبب اختلاف آرائنا، ورأى كل منا أن وجود الآخر فى صفوف متقابلة يضر بسمعة الآخر السياسية»، متابعة: «أتذكر جيدًا آخر مناقشة لنا قبل الانفصال، ففيها طلب منى تغيير مسارى المهنى وترك العمل العام، لكنى قلت له إننى سأظل فى السياسة، وإذا لم يستطع استيعابى علينا الانفصال، وقد كان». وأرجعت زواجها مرة أخرى من رجل ثانٍ إلى أن «الزواج والسياسة كلاهما مهم جدًا بالنسبة لى، لأنه من المهم جدًا بصفتى امرأة مسلمة أن أنجب أطفالًا، وهذا جزء من نيل احترام المجتمع، وسبب فى الحصول على سبيل للقيادة فى مجتمع، فلا يمكن لأهل (ليكونى) أن يتقبلونى بسهولة إن كنت غير متزوجة، كما أننى أريد أن يكون أطفالى حولى فخورين بما قدمته لوطنهم وبالتطوير الذى صنعته عندما أعتزل السياسة، فأنا أنثى قبل أن أكون عضوة برلمانية».

واختتمت حديثها بالإشارة إلى برنامجها الانتخابى، وتضمنه الكثير من النقاط المتعلقة بمشكلات الفتيات، لأن «الفتيات أكثر فئات المجتمع معاناة، فالفقر يضطرهن إلى العمل ساعات طويلة فى مهن غير آدمية، ويعانين مشكلات الزواج المبكر وختان الإناث، ولا يتلقين الدعم الطبى أثناء الحمل والوضع والرضاعة بعد زواجهن، والأسر غير القادرة تفضل تعليم أبنائها الذكور عنهن، وهو ما جعلنى أفتتح الكثير من المدارس المشتركة فى منطقة خدمتى».

انتهى حوارنا بدعوتى على غداء مكون من أرز مصنوع من جوز الهند، وبطاطا بصوص جوز الهند أيضًا، وبعض قطع اللحم، وكل هذا صنعته النائبة البرلمانية بنفسها، «فشمرت أكمامى» وبدأت الأكل بيدى، فمن غير اللائق هنا فى «مومباسا» استخدام الملاعق!

وما إن انتهينا من الغداء، نظرت لأجد السيدة التى رأيتها فى الصباح تصدر الأوامر والكل يتبع تعليماتها، واقفة فى المطبخ تُعد الشاى لزوجها، لأجد نفسى أقول بصوت خافت: «النساء نساء سواء كنّ نائبات برلمانيات أم فلاحات بسيطات!».