رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. علي جمعة لـ«الدستور»: قادة الجماعات الإرهابية مفسدون فى الأرض

علي جمعة
علي جمعة

نستفيد من التراث فى مناهجه ولا نقف عند مسائله وتجديد الخطاب الدينى نهايته الأخلاق

آية «قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى» تؤكد جواز التوسل بالأولياء والأنبياء 

الطريقة الصديقية الشاذلية تقوم بواجباتها فى التعليم والتربية والتدريب والنشاط الإنسانى

 

رأى الدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق شيخ الطريقة الصديقية الشاذلية رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب رئيس مجلس أمناء مؤسسة مصر الخير، أن التصوف يمثل ٩٥٪ من الدين الإسلامى، مشددًا على أن الصوفية قادرة على مواجهة التطرف.

وقال «جمعة»، فى حواره مع «الدستور»، إن المراجعات التى أجريت مع الإرهابيين فى تسعينيات القرن الماضى تحتاج إلى مراجعة، ولا تصلح للاستخدام حاليًا، مشيرًا إلى أنه «لا يذهب إلى الجماعات الإرهابية عدديًا إلا واحد فى الألف من مجموع المسلمين الذى بات نحو مليارى شخص».

 

■ بداية.. هل الانعزال عن الناس من التصوف؟

- لا.. فالصوفى يخالط الناس ويفعل الخير ويتعاون على البر والتقوى ولا يتعاون على الإثم والعدوان، ويُطعم الطعام ويفشى السلام، ويطبق أحاديث الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم.

الصوفى هو شخص ربانى يدعو الله سبحانه وتعالى ويذكره ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكل ذلك فيه خدمة للمجتمع وخدمة للكون.

■ ما دور التصوف فى تجديد الخطاب الدينى؟

- الناس الآن متعطشة إلى الحب ونبذ الكراهية والعنف، امتثالًا لقول النبى، صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ فى شىءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَىءٍ إِلَّا شَانَهُ»، والتصوف يطبق مفهوم هذا الحديث.

تجديد الخطاب الدينى نهايته الأخلاق، والنبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخْلاقِ»، والتصوف هو الإناء الذى توضع فيه الأخلاق.

أكثر من ٩٥٪ من آيات القرآن ومن أحاديث النبى، صلى الله عليه وسلم، عن الأخلاق المرتبطة بالعقيدة، ومن هنا نعلم أن التصوف يمثل ٩٥٪ من الدين.

■ ما الفرق بين العهد والبيعة عند الصوفية؟

- أود أن أؤكد أولًا أن الصوفية يلتمسون طريقهم إلى الله، وهم مقيدون بالكتاب والسنة، كما قال سيد الطائفة الإمام الجنيد، فهم يلتمسون ما فى الكتاب وما فى السنة المطهرة من علاقة الأستاذ بالتلميذ، من علاقة الشيخ بالمريد، من علاقة القائد بأفراد كتيبته وهكذا.

وأما عن البيعة، فالنبى، صلى الله عليه وآله وسلم، بايع بيعة الرضوان، والبيعة موجودة فى الفقه الإسلامى من أجل مبايعة الإمام، كما بايع المسلمون على الإمامة العظمى سيدنا أبا بكر الصديق ثم سيدنا عمر ثم سيدنا عثمان.

وأما عن العهد، فهو متعلق بتنظيم العلم، إذ يتقدم فيه الشيخ، ويكون له تلامذة ومريدون، ويأخذون عليه عهد الله أن يلتزموا بأوامر الله، وأن يجتنبوا محارمه، وأن يقيموا فرائضه، وأن يكثروا من الذكر والفكر.

■ ما حكم التوسل بآل البيت؟

- التوسل موجود فى الكتاب والسنة، وجماهير العلماء يرون أن التوسل بالأولياء وبالأنبياء وبالصالحين أمر جائز لأنه نوع من أنواع طلب الدعاء من هؤلاء، سواء كان هذا الدعاء استغفارًا كما قال ربنا «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ»، فالأمر كله بيد الله، لكن عندما نتوسل إلى الله بالنبى، صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا فيه نوع من أنواع هضم النفس والتواضع.

كل نسب وسبب مقطوع يوم القيامة إلا سببه ونسبه صلى الله عليه وآله وسلم، والله سبحانه وتعالى أوصانا بعلقة حميمية طيبة بين المسلمين وبين أهل بيت النبى، صلى الله عليه وآله وسلم، فقال «قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَىٰ» ومن هنا فإن التوسل بالأولياء، ومنهم آل البيت الكرام، جائز ولا حرج فيه.

وفى السنة، ورد أن سيدنا النبى، صلى الله عليه وسلم، لما دفن فاطمة بنت أسد، أُم سيدنا على رضى الله عنهما، قال: «اللهم بحقى وحق الأنبياء من قبلى اغفر لأمى بعد أمى»، رواه الطبرانى.

وحديث سيدنا عثمان بن حنيف، رضى الله عنه، قال: «إن رجلًا ضريرًا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال له (ادع الله أن يعافينى)، فرد النبى: (إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير)، فقال (فادعه). فأمره بأن يتوضأ ويحسن الوضوء ويدعو بهذا الدعاء: (اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة يا محمد إنى أتوجه بك إلى ربى فى حاجتى لتُقضى اللهم شفعه فى). قال سيدنا عثمان: (فعاد وقد أبصر)».

■ ما ردك على من يتهمون المتصوفة بالابتداع والزندقة؟

- إنها تهم ساذجة وباطلة، لأن أغلب علماء الأمة الإسلامية من المتصوفة وهذا يعلمه القاصى والدانى. 

■ كيف نقرب الناس من التصوف؟

- عندما يعلم الناس أن التصوف هو مراعاة درجة الإحسان التى توجد فى حديث جبريل سيحبون التصوف، فعن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: (يا محمد أخبرنى عن الإسلام)، فقال له: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا)، قال: (صدقت)، فعجبنا له يسأله ويصدقه».

وقال السائل للنبى: «أخبرنى عن الإيمان»، فرد النبى: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، فقال: «صدقت»، ثم قال: «فأخبرنى عن الإحسان»، فقال النبى: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، قال: «فأخبرنى عن الساعة»، قال: «ما المسئول بأعلم من السائل»، قال: «فأخبرنى عن أماراتها»، قال: «أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون فى البنيان. ثم انطلق فلبث مليًا»، ثم قال النبى: «يا عمر، أتدرى من السائل؟»، فقال عمر: «الله ورسوله أعلم»، قال: «إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم».

هذا الحديث يوضح أن التصوف هو غاية الدين، وأنه ليس الطبل والزمر والأكل والشرب، إنما هو محاولة لوضع قواعد السير فى طريق الله، والتى تتمثل فى قلة الأنام وقلة المنام بالخلوة أو الاعتكاف، وهو ما فعله النبى، صلى الله عليه وسلم، فى الليالى ذوات العدد بغار حراء، وقلة الكلام وقلة الطعام، ويساعد الإنسان فى ذلك كله الذكر والفكر وعدم الالتفات لا إلى كرامات ولا إلى خوارق بل الله مقصود الكل.

إذا عرف الناس هذه الحقيقة فإنهم سيعرفون حقيقة الصوفى، وأنه ذلك الذى يسير فى طريق الله بما أمر الله.

■ مَن الأفضل الشيخ المشهور أم المستور؟

- ليس هناك تفضيل، فهذا أمر الله سبحانه وتعالى طبقًا للإمكانيات التى يهبها الله لكل أحد، لأن كل واحد له رزقه عند الله، فهناك شيخ يتصدر بتوفيق الله سبحانه وتعالى، وهناك شيخ يعمل فى سكينة وفى خفاء التقى الخفى، فهذا أمر الله سبحانه وتعالى فيما بين من يتصدر للناس وبين من يفعل وكلاهما على خير.

■ كيف يتعامل الشيوخ مع المريدين الذين يتاجرون بالكرامات؟

- فى الواقع متاجرة بعض المريدين بكرامات الشيوخ طبيعة مغروسة فى قلوب الناس، ويجب على الشيخ أن يربيهم على عكس ذلك.

■ ما ردك على من يقولون إن الصوفيين مشغولون بالروحانيات لا الفقه؟

- عندما قالوا للإمام الرعينى: «ألف لنا فى التصوف»، ألف لهم فى البيوع، وهذا يرد على هذا الفهم الخاطئ الموجود عند البعض.

■ كيف يستقطب الإرهابيون الشباب؟

- لا يذهب إلى هذه الجماعات عدديًا إلا واحد فى الألف من مجموع المسلمين الذى بات نحو مليارى شخص، وصوت هؤلاء عالٍ وهم يُستغلون من قبل من معه المال ويريدون الفساد فى الأرض، ولذلك من كان مشربه عنيفًا ولا يستطيع أن يخرج من هذا العنف فإنه يكون من أولئك الذين ينحرفون إلى تلك الجماعات.

■ هل مراجعات التسعينيات مع المتطرفين صالحة للاستخدام؟

- لا، فكل عصر وكل فكر له وقته، ولذلك فهذه المراجعات السابقة تحتاج إلى مراجعات، فلا ينبغى أن نطبقها الآن.

■ ما رأيك فى محاولة بعض الدول تأهيل المتطرفين نفسيًا؟

- ينبغى علينا أن نستفيد من كل التجارب الخاصة بالتأهيل النفسى للمتطرفين التى يجريها باحثون متخصصون.

■ ما رأيك فى الشباب الذين يهربون من مشكلاتهم إلى التصوف؟

- هذا أمر وارد لكنه ليس شائعًا، والطرق الصوفية تقبل الجميع من غير تمييز، فهى لا تميز بين صاحب القضية والعبادة وبين من كانت عنده مشكلة، فتقبل من أتاها هربًا ومن أتاها طلبًا.

 

■ ما المشروعات التى تنفذها جمعية «مصر الخير» حاليًا؟

- جمعية مصر الخير تنفذ ١٧٠ مشروعًا تنمويًا، وتجاوزت الأموال التى تصرف فى هذا المجال- تحت رعاية وزارة التضامن ومعونة الوزيرة- أكثر من ١.٣ مليار جنيه، ونسعى إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين ليعم الخير جميع أرجاء مصر. 

■هل يمكن للصوفية مواجهة التنظيمات المتطرفة؟

- نعم، لأن الصوفية ستعلم الإرهابيين كيف يفهمون ويلتزمون، وسيدركون أن هناك جانبًا فى الدين يتعلق بالقلب والعبادة والطاعة، وحينها سترق قلوبهم لذكر الله.

 

■ ما الدور الذى تقوم به الطريقة الصديقية الشاذلية؟

- الطريقة الصديقية الشاذلية تقوم بواجباتها فى التعليم والتربية والتدريب وفى النشاط الإنسانى الذى يدعو إلى التنمية والبناء. 

■ ما حكم الفن؟

- الفن نشاط جميله جميل وقبيحه قبيح.. حلاله حلال وحرامه حرام.. ولذلك نحن مقيدون بالقواعد الشرعية المرعية فى كل تصرفاتنا الإنسانية.

■ كيف نتعامل مع التراث؟

- هناك فرق ما بين المسائل وبين المناهج، فنحن عندما نستفيد من التراث نستفيد من مناهجه ولا نقف عند مسائله، والفرق أن المناهج متجاوزة للزمان والمكان والأحوال والأشخاص، أما المسائل فهى موغلة فى هذه الأربعة، ومن هنا فإن تعاملنا مع التراث له قواعد وله فن، ومن هذا الفن ننطلق ونستفيد من المناهج ونضيف إليها ما يتناسب مع العصر ثم نبنى ولو مسائل تخالف الزمان لكنها لا تخالف المناهج. 

■ ما تقييمك لتأثير الصوفية فى المجتمع حاليًا؟

- الصوفية الآن، تحت قيادة الدكتور عبدالهادى القصبى، رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، حققت إنجازات كبيرة، فلديها قاعدة بيانات وتستخدم الأدوات العصرية.