رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايات عزّام عن كرامات الأفغان

نعرف أن الكرامات، منحة يختص بها الله بعضًا من أوليائه، لأنهم عرفوا الله، فأبصروا طريق الحق، وكرمهم سبحانه، بشيء من معجزاته.. لكن كيف يتوفر ذلك لمن استباحوا الدم الذي حرّم الله، ونصبّوا أنفسهم صنفًا فوق كل البشر، مع أن الله خلقنا سواسية، لا فضل لعربي منا على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح.. ولذا فليس كل ما يُروى حقيقة، وليس كل ما نسمعه نصدقه.. ففي العسل يكمُن السُم.
أقول ذلك بمناسبة، طلب البعض ـ بعد نشر مقال الأسبوع الماضي ـ ضرب أمثلة مما جاء في كتاب د. عبدالله عزّام (آيات الرّحمن في جهاد الأفغان)، الذي ألفه عما أسماه، كرامات المجاهدين في تلك البقاع البعيدة، معتمدًا رخصة رواية الحديث الضعيف في الفضائل بالشروط، التي ذكرها المحدّثون عند رواية الحديث الضعيف.. وأعتقد أن سرده لبعض الكرامات التي قد تصل إلى مرتبة الأسطورة، نابع من عاطفته الجياشة ورغبته في تحبيب الجهاد والشهادة في سبيل الله ـ كما يرى هو ـ إلى الناس.. وليضفي مصداقية على ما سوف ينشره، ذكر أنه سأل الشيخ عبدالعزيز بن باز، مفتي الديار السعودية ـ رحمه الله ـ عن الموضوع، فوافقه على مذهبه في ذلك، كما ذكر أنه سأل الدكتور عمر الأشقر، فأجابه بأن أهم شيء هو صحة الرواية، فإن كان الرواة صادقين، فيجب أن نُعلنها، سواء وافقت عقول الناس أم لم توافق.. مع أن جميع من جاء ذكر كراماتهم، أنكروا تمامًا صحة ما جاء بكتاب د. عزّام، الذي برّر دوافع سرده لهذه الكرامات بقوله، (وإني لأعلم كذلك أن هذه الكرامات، تفعل فعلًا عجيبًا في إثارة حماس المجاهدين، وتعطيهم دفعًا قويًا على الطريق، إذ إنهم يحسّون أن الله معهم، وأن يد الله هي التّي تُدير المعركة)!.
وبعد استعراض ضافٍ لكرامات الصحابة الأوائل والتابعين، ومناقشة أسباب كثرة ظهور الكرامات عند المسلمين المتأخرين، مقارنة بجيل صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يشرع في سرد قصص هذه الكرامات التي أنقل بعضها، تلك التي كان لها مفعول السحر في تجنيد الشباب العربي، في معارك أسست للإرهاب في المنطقة العربية بالذات.
قال عبدالله عزّام: حدثني عمر حسني في سنة 1980، أنه جاء جيش كبير من الرّوس، معه سبعون دبابة وبعض الآليات، تُظلله اثنتا عشرة طائرة، وكان عدد المجاهدين 115 مجاهدًا.. وقعت معركة شديدة، وأخيرًا هُزم العدو بعد أن دمّرنا اثنتي عشرة دبابة، واستشهد منّا أربعة شهداء، منهم (ابن جنه جل)، ومعناه بالعربية (ابن ورد الجنّة)، فدفناه في أرض المعركة، وبعد ثلاثة أيام جئنا ونقلناه إلى بيت والده ليدفنه في المقبرة.. جاء والده وقال: يا بني إن كنت شهيدًا فأرني آية (علامة) أنك شهيد، فإذا بالشهيد يرفع يده ويُسلّم على أبيه، وبقي مصافحًا والده مدة ربع ساعة، ثم نزعها ووضعها على جُرحه.. قال والده: (كادت يداي تُكسر وهو يضغط عليها)!.
ثم كتب عزّام، (حدثني أرسلان، قال: كنا نعرف أن الطائرات ستهاجمنا قبل وصولها، وذلك عن طريق الطيور التي تأتي وتحوم فوق معسكرنا قبل وصول الطائرات.. فعندما نراها تحوم نستعد لهجوم الطائرات).. نفس أرسلان قال له، أن في مكان اسمه أرجوى رقم 23، هاجمنا الشيوعيون، فقتلنا خمسمائة وأسرنا 83 شخصية، فقلنا لهم ما سبب هزيمتكم ولم تقتلوا منا سوى شهيد واحد.. قال الأسرى كنتم تركبون على الخيل، وعندما نطلق عليها تفر ولا تُصاب.
أما عبدالجبار نيازي فقال له: مرّت دبابة ـ وأنا أرى ـ على مجاهد اسمه (غلام محيي الدين) وبقى حيًا.. فيما أخبره عبدالصمد ومحبوب الله بأن الشيوعيين أقاموا مخيّمًا في سهل مدينة (قندوس)، فهجمت عليهم العقارب ولدغتهم، فمات ستة وهرب الباقون.. كانت العقارب تحارب مع المجاهدين، بينما لا تلدغهم الأفاعي، إذ حدّث عمر حنيف الدكتور عزّام، بأن الأفاعي جاءت مرارًا تبيت مع المجاهدين في فراشهم، ومنذ أربع سنوات لم تلدغ أفعى مجاهداً، رغم كثرتها.. هؤلاء المجاهدون الذين لا تخترق الرصاصات أجسادهم، طبقًا لرواية جلال الدّين ـ ولا أعرف من هو جلال الدين هذا ـ بأنه رأى الكثير من المجاهدين معه، يخرجون من المعركة وألبستهم مُخرّقة من الرصاص، ولكن لم تُصب أجسادهم رصاصة واحدة!.
استغل د. عزّام ما هو شائع عن الريح الطيّب لدم الشهيد، والنور الذي يكتسي وجهه، وروى في كتابه، عن النور الذي يصعد من جسد الشهيد.. (ومن بين الشهداء، واحد اسمه عبدالغفور دين محمد.. كان النّور ينبعث منه كل ليلة يرتفع إلى السماء ويبقى لمدة ثلاث دقائق، ثم ينزل.. وقد رأى النور جميع المجاهدين).. وحدّثه نصر الله منصور، قال: حدثني حبيب الله، المسمّى (ياقوت)، قال، استشهد أخي وبعد ثلاثة شهور رأته أمي في المنام فقال لها: كل جروحي برأت إلا جرح في رأسي، فأمرت أمي أن نفتح القبر ـ لاحظ أن ذلك بعد ثلاثة شهور من موته ـ وكان قبر أخي بجانب قبر آخر، فظهرت حفرة ظهر من خلالها قبر آخر، فرأينا أفعى فوق الميت، فقالت أمي لا تحفروا، فقلت: إن أخي شهيد، ولا يمكن أن نجد أفعى.. وعندما وصلنا للجثث، فاحت العطور وعبقت في أنوفنا حتى كدنا نتخدر لشدة الرائحة، ووجدنا جرحه الذي في رأسه ينزف دمًا، فوضعت أمي أصبعها في دمه، فتعطّر إصبعها، وما زال إصبعها، رغم مرور ثلاثة أشهر معطرًا يعبق شذى طيبًا.
ومن الكرامات عند د. عزّام، أن الشّهداء يبتسمون، قال (استشهد معنا حميد الله ـ ولا نعرف أيضًا من هو بالتحديد ـ وعند دفنه وجدته يضحك، فظننت أنّي توهّمت، فخرجت ومسحت عيني، فوجدته كذلك).. وأخيرًا فإن غبار الأرض جاهد مع المقاتلين الأفغان.. يقول د. عزّام، حدثني محمد ياسر، قال: كنت أرقب معركة، أغارت فيها الطائرات على المجاهدين في منطقة مكشوفة، فدعونا الله للمجاهدين، وإذا بالغبار الأسود يغطي أرض المعركة، ونجا المجاهدون.
●●●
وبعد..
لقد خصَّ الله الشهداء بمنازل لا يصلها غيرهم، ثم وصف حالهم بعد الموت بعجيب ما يُوصف فيه ميت؛ فذكرهم فَرِحين، وذكرهم يَستَبشِرون، وبَشَّرهم بربح مُضاعفٍ لما خَلَت منه نواياهم وسرائرهم في دار الدنيا، فلم يطمعوا في مالٍ ولا في جاهٍ لقاء ما قدموا، فكان الرِّبحُ أعظَم وأَجزل.. لكن هل ينطبق ذلك على الإرهابيين الذين ملأوا الأرض جورًا وفسادًا واستحلوا قتل النفس التي حرم الله.. وكأنه لم يمر بهم حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، (لهدم الكعبة حجرًا حجرًا، أهون عند الله من قتل المسلم).. فما بالنا بمن يسفك الدماء ويهتك الأعراض ويعتدي على الحرمات، ويتجرأ على الله دون أن يرمش له جفن؟.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.