رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كاتب رواية «القداس الأخير»: مكافحة الإرهاب تبدأ من المدرسة وقصر الثقافة والمسرح (حوار)

الكاتب الشاب ولاء
الكاتب الشاب ولاء كمال

في روايته “القداس الأخير” صاغ الكاتب الشاب ولاء كمال، حكاية روائية خيالية، لكننا نراها في كثير من الوقائع الحقيقية التي جرت للعديد ممن اعتنقوا الإسلام من الغربيين عن طريق السلفية الجهادية، أو حتى المراكز الدينية في الغرب. 

عن ما تثيره الرواية من أسئلة، وغيرها من القضايا الثقافية والأدبية كان لـ«الدستور» هذا اللقاء مع ولاء كمال صاحب روايات: سكون، سيد والعصابة وكتاب أيامي مع كايروكي.

• في روايتك “القداس الأخير” اعتنقت البطلة الإسلام لكنها صارت في النهاية تكفيرية فجرت كنيستها وجيرانها الذين تربت معهم. من أين جاءت فكرة الرواية وكيف تتبعت سيرتها خاصة أن نموذج بطلة الرواية موجود في الواقع؟
أفكار الروايات عادةً لا تأتي فجأة. فهي تكون خليطاً من الأحلام، التخيلات، الأفكار الملحة، المعرفة والمعلومات المكتسبة، والتجارب الحياتية السابقة. “القداس الأخير” بالذات ولدت من كل هذا. ولكن تحديداً فكرة العملية الإرهابية التي يرتكبها أوروبي دخل الإسلام حديثاً ثم ينضم لجماعات إرهابية فقد جذبتني للغاية حينما تابعتها في نشرات الأخبار، ثم بدأت مشاهدة وثائقيات عن الأوروبيين العائدين من داعش بعد سقوطها، وكيف أن دولهم حاولت إعادة إدماجهم في المجتمع مرةً أخرى، ومن هنا كان التساؤل الملح: كيف يمكن لشخص آت من حضارة معينة، أن ينضم لمتطرفين من حضارة أخرى، ويهاجم منشأه بهذه الكراهية؟.

• هل كان لنشأة "ماري" بطلة روايتك القداس الأخير دورا في تحولها للتطرف؟ وهل يمكن التعويل على دور التنشئة في تحولات الأفراد إلى الإرهاب؟
لا يوجد ما يبرر الإرهاب، ولكننا في كثير من الأحيان ننسى أن هذا الإرهابي هو في النهاية إنسان، بمعنى أنه كان طفلاً ولد ونشأ في ظروف معينة، وخضع لأحداث ومواقف شكلت شخصيته، وجعلته الشخص الذي هو عليه اليوم، وأهلته بصورةٍ ما لاعتناق هذه الأفكار وتنفيذها. وبالتالي كانت فكرتي أن أقوم بتشريح حياة ونفسية هذه الفتاة الأوروبية، ثم صدامها مع نموذج آخر من لشخص شرقي مسلم، لينتهي بها الحال في أحضان التطرف. ومستحيل حين نراها قد أصبحت إرهابية في الثلاثين من عمرها أن ننكر أن بذرة شخصيتها تكونت في طفولتها التي تربت في الغرب، وبالتالي لا مناص من أن تسأل: هل التطرف مربوط بدين معين أم أنه قد يكون سمة في الشخص نفسه بغض النظر عن انتماءاته، وهذا ما أتى على لسان الراوي حين قال أن ماري كانت متطرفة قبل وبعد إسلامها... الرابط دائماً موجود؟

• أشرت في رواية “القداس الأخير” إلى دور المراكز الإسلامية في تجنيد الإرهابيين. حدثنا عن هذا الدور أكثر.
الرواية في الأساس عمل متخيل يتم تطعيمه ببعض التفاصيل لتصبغ عليه المصداقية. لا أعد نفسي خبيراً في أنشطة المراكز الإسلامية بالخارج ودورها في نشر هذا الفكر، ولكن الواقع يقول أن بعضاً ممن يتولون إدارة هذه المراكز قد ينتمون لهذا الفكر، أو على الأقل هي مراكز تجمع المسلمين من كافة الاتجاهات (والدول) الذين يعيشون في الدول الغربية، وبالتالي وارد أن يتم تبادل مثل هذه الأفكار هناك بشكل أو بآخر، وطالما أنه وارد أو محتمل حدوثه في الواقع، يصبح مقبولاً استخدامه في فضاء الرواية.

151

• يمكن تصنيف روايتك “القداس الأخير” بأنها من الروايات التي تتناول العلاقة بين الشرق والغرب، والتي في أغلب الأحيان تكون معقدة كنموذج بطلي روايتك، فيما يلتقي الشرق بالغرب وفيما يفترقان؟
بطلي الرواية هما في الأساس ممثلين لصراع حضاري قديم. تتفق الفطرة الإنسانية كلها في ميلها للخير وحبها للسلام، أو هكذا أتمنى، بينما يختلف البشر في إرثهم الممتد لآلاف السنوات الذي لا أظنه يتشابه في كل مكان، ولكن الحقيقة التي لا مناص منها أننا نعامل على أننا الطرف الأضعف والأقل في هذه المعادلة، وهو ما أراه امتداد للفكر الاستعماري المقيت الذي كان موجوداً حتى 70 عاماً مضت، وهذا هو محور “القداس الأخير” والكثير من كتاباتي.

• بعد تصريحات الرئيس السيسي حول المعتقد الذي نرثه كيف تري دور الفن والثقافة في مكافحة الإرهاب والأفكار التكفيرية؟
إنه الدور الأكبر والأعظم والأهم. مكافحة الإرهاب تبدأ من المدرسة، والمكتبة، وقصر الثقافة، والمسرح والسينما. أتفق تماماً مع هذا وأؤمن به إيماناً كاملاً. لذلك لابد أن نبحث مرة وألف عن الجذور، عن أصل المشكلة. ما الذي يؤدي بشخص إلى أن يحمل هذا الكم من الكراهية تجاه البشر، فيبحث عن فكرةٍ تطمئنه أن تحويل هذه الكراهية إلى فعل هو أمر مستحب، فيتلذذ بممارستها؟. لا يمكن أن يكون ذلك نتاج أفكار تخص الجهاد والجنة فحسب، هناك أسباب اجتماعية وسيكولوجية وثقافية، والفن والثقافة هما الحل. من سيقرأ كتاباً-بحق- لنجيب محفوظ أو يسمو مع أم كلثوم أو يشاهد فيلماً لداوود عبد السيد ثم يستلذ القتل؟

 

• حدثنا عن رحلتك مع “كايروكي” وحتى خروجها في الكتاب الذي يحمل عنوان الفرقة؟
بدأت رحلة “أيامي مع كايروكي وحكاية جيل أراد أن يغير العالم” عندما حضرت أحد حفلاتهم الموسيقية لأول مرة في حياتي، وكنت وقتها أبحث عن إلهام لفكرة ملحة كان تطاردني وهي رغبتي في توثيق رحلة جيلي منذ الولادة في منتصف الثمانينات حتى اليوم. فأنا أسميه "الجيل الضائع" الذي شهد وعانى الكثير، وصنع بعضاً من أهم الأحداث التي شهدتها مصر في القرنين الماضيين، ولذلك كان لابد لي أن أجيب على السؤال الذي سيأتي بعد مائة عام: من هم المصريون الذين كانوا موجودين مع مطلع الألفية؟ وحين حضرت حفل الفرقة بدا كل شيء منطقياً: الفرقة من نفس جيلي، تناقش أغانيها الكثير من الموضوعات التي أردت مناقشتها، ويستمع لهم جمهور صغير السن من الأجيال القادمة التي أردت أن أخاطبها بالكتاب. لذا بدا لي منطقياً للغاية أن أطلب منهم مساعدتي في تنفيذ فكرتي. قابلتهم ووافقوا، ومن هنا بدأت رحلة معايشتي معهم حوالي عامين. وكانت النتيجة تجربة مذهلة أعدها الأهم في حياتي الشخصية، والكتاب الذي أفخر به بشكل كبير وأشعر أني من خلاله قد قمت بدوري الوطني ككاتب ومثقف مصري: فالكتاب هو ملحمة ضخمة حول الفن والإبداع والصراعات الشخصية والهوية واللغة والتاريخ والحضارات، الحقيقة أنه أكبر بكثير مما يظن بعض الناس، مخدوعين بعنوانه، أنه سيرة ذاتية للفرقة.

download (5)
أيامي مع كايروكى

• شهد العقدين الأخيرين من الألفية الثانية انتشاراً ورواجا ملحوظا لفن الرواية. هل تري أن الرواية صارت ديوان العرب المعاصر؟
أعترض على كلمة ديوان العرب. إذا كان مقصوداً بها وسيلة فنية لتأريخ أحوال العرب فذلك أصبح الآن يتم عبر آلاف الوسائل وعشرات الفنون. قديماً كان الشعر هو السبيل الفني الأوحد ولا نعرف غيره في حضارتنا العربية والإسلامية فيما بعد، ولكن اليوم ليست الرواية وحدها هي التي تدون كل ما يكونه الإنسان العربي، السينما والمسرح والرواية والقصة القصيرة والسينما التسجيلية والتجريبية والجرائد والمجلات والفيديوهات القصيرة على تيك توك كلها تفعل ذلك. 
• هل تعاني الساحة الثقافية المصرية من أزمة نقد ولماذا؟ وكيف ترى دور الناقد في العملية الإبداعية؟
لا أظن ذلك. مصر دائماً وأبداً لديها حركة نقدية رائدة وراسخة. سواء من جيل الرواد أو المحدثين العظماء. بالطبع كل مجال به الغث والسمين، وهناك أصحاب المصلحة أو غير الدارسين أو المنافقين، وهذا موجود في كل مكان. مشكلتنا أننا كمبدعين نتحسس من النقد إن لم يكن في صالحنا، ونتهم صاحبه بالغبن فور أن نقرأه، ولكن الحقيقة أنا أعتبر نفسي محظوظاً أن نقاداً رائعين وقفوا بجانب كتاباتي دون سابق معرفة مثل د. عزوز علي إسماعيل والدكتور شريف الجيار والأستاذ الكبير محمود عبد الشكور، والأخ الأكبر سيد محمود. هؤلاء وكتابتهم عني تجعلني أؤمن للأبد بوجود الناقد الموضوعي البناء.

• ما رأيك في "موضات" القراءة والكتابة، بمعنى في فترة ما سادت وانتشرت روايات الرعب، وفي فترة لاحقة ظهرت الروايات التاريخية بكثافة، هل توقفت عند هذه الظاهرة وكيف تحللها؟
الحقيقة لا أتوقف عندها. ما أن تفهم آليات سوق النشر عالمي، سوف تكتشف أن هذا أمر طبيعي للغاية. الكتابة التجارية، التي تعتمد على قوالب وأجناس ثابتة Genres، هي أمر موجود في العالم كله، وهي الأكثر انتشاراً بطبيعة الحال، أدب الجريمة والرعب والرومانسية وحتى التاريخي، كلها تنتمي لفئة واحدة هي الرواية التجارية، مثلها مثل الأفلام البوليسية أو أفلام الكوميكس في السينما مثلاً، ولكن ما نحتاجه هنا هو أن تحدث توعية كافية للجمهور للتفرقة بين الرواية التجارية، والرواية الأدبية التي لا تخضع لتصنيف معين، حتى لا يتم الاحتفاء بأعمال فقيرة من الناحية الأدبية أو الروائية أو بكتابها باعتبارهم "أدباء"، فهم "كتاب" أو "روائيون" على أفضل تقدير، ولكنهم ليسوا بأي حال من الأحوال “أدباء”. ولا عيب على الإطلاق من وجود هذه الكتب التي تعتمد على الدعاية والإثارة، فهذا هو “أكل عيشه” كما نقول، المهم أن الناس تقرأ، هذا في حد ذاته معجزة.

• لمن يقرأ ولاء كمال ولا يفوت عمل له؟
ميلان كونديرا، هاروكي موراكامي، ديفيد ميتشيل، وغيرهم الكثيرين.

• ماذا تعني لك الجوائز؟ وهل تكتب عملا ما وعينك على جائزة بعينها؟
مستحيل أن أكتب وأنا أفكر في جائزة. أعتبر كل من يفعل ذلك يخون نفسه وكتابته وقارئه أسوأ خيانة. أما ما تعنيه لي فأظن أنها اعتراف من النظراء بأنك على دراية بأصول ما تقوم به، وأن الدارسين أو الخبراء يجدون قيمةً فيما تقدمه مثلما وجدها القراء، وهذا تقدير أظن أنه يسعد أي شخص طالما كانت الجائزة تتمتع بالنزاهة. لا يوجد كاتب عاقل لا يتمنى الحصول على جائزة نزيهة.

• ما هو كتابك المفضل؟ ولماذا؟
ميلان كونديرا. لأنه غير منظوري للحياة. ولأنه أكثر كاتب كلما قرأت له توقفت عند جملة أو فكرة وقلت: “يا إلهي هذا أنا” أو "هذا بالضبط ما أفكر فيه أو أشعر به ولا أعرف كيف أصيغه". هذه لحظة تساوي كنوز الدنيا كلها عند الكاتب والقارئ معاً. هذه لحظة التواصل الإنساني الخالصة، وهي لحظة استطاع كاتب تشيكي أن يحققها مع شاب مصري يقرأ له بالإنجليزية عبر كتاب كتب قبل ولادته منذ أربعين عاماً... أي روعةٍ تلك.

• ما هو أول كتاب شجعك على الكتابة؟
الخلود لكونديرا، الحب في زمن الكوليرا لماركيز، وبعد الظلام لموراكامي، هذه الكتب الثلاثة هي التي دفعتني لأن أتجرأ، بجنون مطلق، وأقول: أريد أن أفعل مثل هذا.

• ما أقرب بيت شعر إلى قلبك وهل ينطبق على موقف من حياتك؟
كل ما كتبه بيرم التونسي وبديع خيري يمثلني.

• ما أغرب موقف قابلته في الوسط الثقافي؟
لا أستطيع أن أقول أني قابلت مواقف غريبة. ولكن حدثت لي مفاجآت سارة لن أنساها ما حييت. أهمها حين نظم المجلس الأعلى للثقافة ندوة لمناقشة روايتي الأولى "سكون"، وأمضيت ساعتين أستمع لأستاذي نقد يتحدثان عنها في إطراء مخجل وصادم، وهما الدكتور شريف الجيار والدكتور عزوز إسماعيل، ولم أكن قد قابلتهما أبداً قبلها، هذا الاحتفاء من أساتذة أدب لا يعرفون من أنا كان بالنسبة لي عظيماً. والمرة الثانية حين كتب عني الرائع محمود عبد الشكور دون سابق معرفة أيضاً.

• من هو أقرب أبطال رواياتك/ وقصصك.. وما قصته ولماذا؟
كلهم أصدقائي، عايشتهم وسمعت أصواتهم وتأثرت بقصصهم وصراعاتهم بينما كانوا يملونها على خيالي. ولكن سيظل الأقرب إلى قلبي حتى آخر يوم هم أبطال كتاب أيامي مع كايروكي، أعضاء الفرقة الخمسة، والذين أصبحوا من أقرب أصدقائي بعد انتهاء تجربتنا في الكتاب. إنهم نموذج يدعو للفخر عن حق، وصراحتهم وجرأتهم في خوض تجربة المعايشة معي هو السبب الأكبر وراء تقديري لهم، فهم لم يبالوا بهالة النجومية أو تجميل أنفسهم أمام القراء. أزعم أنه لا توجد شخصية فنية في المجال الفني في مصر كانت لديها مثل هذه الجرأة والانفتاح عن حكي تجربتها بذلك الشكل، وهو ما أعطى الكتاب مصداقية نادراً ما تتكرر هنا. لقد تعاملت معهم من اللحظة الأولى كشخصيات روائية من لحم ودم ونقائص وميزات، دون مواربة، وهم قبلوا ذلك حتى آخر لحظة.

• هل تذكر أول شيء كتبته في حياتك؟ وما هو؟
كانت قصة طويلة كتبتها وأنا في التاسعة من عمري، حول فقاعة صابون طارت يوماً خارج النافذة ودارت حول العالم لتزور عواصم العالم الكبرى، ومع تتبعنا لها نشاهد معالم هذه العواصم وما يميزها!

• هل هناك شخصية في فيلم مفضلة لك؟ ولماذا؟
ويليام والاس في فيلم Braveheart (القلب الشجاع)، وشخصية مورجان فريمان في فيلم Seven (الخطايا السبعة)، كلاهما يمثلان جانبين متأصلين في شخصيتي: الإيمان المطلق بالمبادئ المجردة، واليأس الكامل من كل شيء.

• هل لك موقف مع كاتب أو فنان كبير تذكره دائما؟ ما هو؟
حضرت ندوة للكاتب والصحفي الكبير إبراهيم عيسى، وحين توجهت إليه ليوقع لي نسختي من روايته، أمليته اسمي، فإذا به يرفع رأسه ويسألني: “أنت ولاء كمال مؤلف كتاب أيامي مع كايروكي؟ إنه كتاب عظيم” لم أصدق أنه قرأ لي وعرفني من مجرد ذكر اسمي، وكانت إشادته الرائعة بالكتاب مخجلة وفارقة. هذه المواقف من الكبار تؤكد لك أن كل ظواهر “الشللية” والمحسوبية وغيرها إن وجدت في الوسط الثقافي المصري، فإن هناك كباراً يتسامون عن مثل هذه الصغائر ويحترمون مجهود الأجيال التالية لهم دون سابق معرفة، وهي نقطة إيمان كبيرة بالنسبة لي.

• ما هي القصة التي تحلم بكتابتها يومًا ما؟
الكثير والكثير، أولها يظل حلمي الأكبر، وهو الكتابة عن حرب أكتوبر المجيدة كما لم يكتب عنها أحد من قبل.

• لو معك تذكرتين سينما من تدعوه من شخصيات تاريخية؟ ولماذا؟
ستانلي كوبريك وماركيز، لأن النقاش بين ثلاثتنا بعد مشاهدة الفيلم سيكون أروع ما يمكن أن أشهده في حياتي!

• هل تؤمن بالسحر أو الأعمال؟ وهل مررت بموقف شبيه؟
شخصيتي التحليلية تميل ناحية تفسير كل الظواهر بصورة علمية أو طبية، ولكن في نفس الوقت أتساءل دوماً، ما الذي سيدفع شخص إلى اختلاق شيء وتصديق أنه حقيقي؟ المؤكد هو أن العالم يحمل الكثير والكثير من الأسرار التي لم نكتشفها بعد.

• إذا كتبت قصة من سطر واحد عن الموت كيف ستكون؟
ظللت أرقب الساعة مشتاقاً للقاء، وحين وصل سألته معاتباً: لم تأخرت كل هذا الوقت؟

• هل تعترف بقاعدة “أكتب عما تعرفه” أم أن المبدع من حقه خوض آفاق تجريبية حتى لو لم يعرفها؟
أتفق مع النصف الثاني من السؤال، خلط التجريب واستكشاف مساحات جديدة بما تعرفه هو التجربة الأمثل.

• بين الكتاب الورقي والإلكتروني أيهما الأقرب إليك ولماذا؟ وهل الكتاب الورقي في طريقه للزوال؟
الورقي طبعاً، ولكني كنت من أوائل من تبنوا الكتاب الإلكتروني -اشتريت قارئ إلكتروني منذ عشر سنوات- لأن كم الاحتمالات المتاحة لك مهول، وليس لدي أي موقف ضده، ولكن الكتاب الورقي أكثر راحةً للعين، وفيه مصداقية وحميمية لا يمكن إنكارها. اقرأ مستخدماً أي شيء وكل شيء، المهم أن تقرأ.

• هل عانيت صعوبات في أول طريقك مع النشر؟
طبعاً، تعرضت للنصب من دار نشر قيل لي أنها محترمة. وأضاع هذا عام ونصف من عمري في الانتظار. رفضت روايتي سكون من كل دور النشر التي قدمتها لها، ولم يكن رفضاً بالمعنى بالمفهوم، بل كان تجاهلاً تاماً. بعد أكثر من عامين وفقت في دار سما التي أذكر لها فضل نشر الرواية بدون تقاضي أي مبالغ مني أو تأخير في الوعود. الحقيقة أن النشر لأول مرة في مصر يعد كابوساً لا يحتمل. وفكرة النشر مقابل تقاضي الأموال مأساة أخرى، ما بين النصب ونشر ما لا يستحق نشره لمجرد أن صاحبه سيدفع. هذا نموذج مقيت، ودور النشر الكبرى يجب أن تمنح الفرصة لمن يستحقون عبر بذل المزيد من المجهود بالبحث عنهم، ويجب على الكتاب الصغار الإصرار على عدم اللجوء إلى الحل السهل بالدفع والنشر، هذا خطأ لو عاد بي الزمن لن أكرره أبداً، والحمد لله أن التجربة لم تكتمل، لم أكن لأسامح نفسي أبداً.

• العديد من الأعمال الأدبية تحولت إلى الدراما المرئية كيف تري الأم؟٬ وهل تحول الخيال المقروء إلى مشاهد مرئية يضيف أم يضر بالعمل الأدبي ولماذا؟
لا يضر أبداً، بل يحقق انتشاراً للعمل الأدبي ويشجع مشاهدي السينما على القراءة. إنه علامة نجاح بغض النظر عن النتيجة النهائية في السينما، فهذه النتيجة المسئول الوحيد عنها هم صناع الفيلم.

• ما رأيك في “جروبات” القراءة وهل تضيف إلي الحراك الثقافي أم هي فقاعة صنعتها السوشيال ميديا؟
بالطبع تضيف، وهي ظاهرة صحية ورائعة، خاصةً إذا ما قارنتها بآلاف المجموعات الأخرى التي تحتفي بالتفاهة في موضوعات أخرى غير ذات قيمة. أنا شخصياً تم الاحتفاء بي وبكتبي في العديد من المجموعات وساهمت في وصول أعمالي لمزيد من القراء، إلى جانب أنها مكنتني من التواصل مع جمهوري بشكل أكبر وأعمق. وجود مجموعة تتشارك الحديث حول ما تحب هو فكرة قديمة، ولكن نقلها بشكل رقمي أضاف لها المزيد والمزيد من المتابعين. وجود أي نشاط يشجع على القراءة وغربلة ما تتم قراءته أمر أشجعه وأقف وراءه بقوة.

• هل تصنع ورش الكتابة الأدبية كاتبا حقيقيا أم أنها مجرد ظاهرة من ظواهر الحياة الثقافية التي تظهر وتختفي بين الحين والآخر؟
بالطبع لها دور. ولكنها لا تصنع الكاتب بقدر ما تفيد الشخص- الذي لديه رغبة أصيلة في التعلم- بأن يعرف أسس وقواعد الكتابة، وهي مثلها مثل أي فن لها أسس وقواعد، ويجب أن تكون ملماً بها، بعد ذلك تدخل مئات العوامل التي تقرر ما إن كنت ستصبح كاتباً أم لا. موهبتك، إصرارك، وجود شيء حقيقي تريد أن تقوله، والشغف. هذه الأشياء لن تصنعها الورشة. في النهاية هي أيضاً فكرة قديمة ومعروفة مثلها مثل دراسة الأدب في الجامعة، لا يوجد ما يخيف فيها أبداً ولا تستحق ذلك الاحتقان الذي تثيره لدى البعض، اللهم إذا كانت هذه الورشة أو تلك تعدك بأن تصبح “كاتباً في خلال أسبوع”، فهذا نصب ساذج.

• تعكف علي عمل أدبي جديد حدثنا عنه وعن تفاصيله
أعكف حالياً على ترجمة كتاب جديد مع بيتي الأثير “الدار المصرية اللبنانية”، كما أعمل منذ بضعة أشهر على روايتي الجديدة. هذه عملية تأخذ وقتاً طويلاً بالنسبة لي لأني عاشق للبحث والتدقيق التاريخي، ولذلك فليست لدي أدنى فكرة متى سأنتهي منها. وبالطبع تواصل الأفكار التزاحم داخل رأسي بلا هوادة.