رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى زعماء الوفد.. محطات من حياة زعيم حزب الوفد مصطفى النحاس

مصطفي النحاس
مصطفي النحاس

تحل غدًا ذكرى زعماء الوفد الثلاثة خالدى الذكر سعد زغلول ومصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين، الذين وافتهم المنية فى شهر واحد، فقد رحل سعد والنحاس فى 23 أغسطس وسراج الدين فى 9 أغسطس، واقترن الثلاثة الكبار بثوابت حزب الوفد العريق التى تنتصر للدولة الوطنية وسيادة القانون والحرية والديمقراطية، وحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية.

ويحتفل حزب الوفد، برئاسة المستشار بهاء الدين أبو شقة، غدًا الإثنين، بذكرى زعماء الأمة الثلاثة سعد زغلول ومصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين.

ويبدأ الاحتفال غدًا في تمام الواحدة ظهرًا أمام ضريح سعد زغلول وسط القاهرة، ويستمر بزيارة ضريحي مصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين بمنطقة البساتين.

ويلقي بهاء الدين أبو شقة، كلمة بهذه المناسبة يتناول فيها السيرة الذاتية والسياسية والتاريخية للزعماء الثلاثة والمواقف الوطنية التي اتخذها حزب الوفد تحت قيادتهم.

وفي السطور التالية نلقي النظر علي محطات من حياة الزعيم التاريخي لحزب الوفد مصطفى النحاس.

وولد مصطفى النحاس فى 15 يونيو 1879 في سمنود بالغربية، لأسرة متوسطة الحال فقد كان والده يعمل فى تجارة الأخشاب ولديه مغلق خشب صغير، التحق النحاس بكتاب القرية صغيرا فحفظ القرآن وتعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب، إلا أن والده لم يكتف بهذا فكلف أحد المدرسين لتعليمه اللغة الفرنسية، وعندما بلغ العاشرة من عمره ألحقه والده بمكتب تلغراف سمنود بعد أن شُغف الصغير بذلك الجهاز الآلي الذي يستخدمه "عبدالحميد حافظ أفندي" لإرسال الإشارات، واستطاع أن يحفظ الإشارات في سرعة كبيرة، وكان من الممكن أن يظل به لولا أن القدر ساق إليه الوجيه محمد صالح باشا أحد كبار المستشارين فى مصر والذى شاهده فى مكتب التلغراف واكتشف ما يتمتع به من ذكاء حاد، وأقنع والده ان يذهب به إلى القاهرة ليلتحق بأحد المدارس الابتدائية هناك.

 التحق فتى سمنود بالمدرسة الناصرية الابتدائية بالقسم الداخلي عام 1890، وامتحنه الناظر ليحدد السنة الدراسية لمستواه، وبالفعل لحق بتلاميذ الصف الثاني وكان عليه أن يبذل مجهوداً أكبر من زملائه حيث بقي على نهاية السنة الدراسية ثلاثة أشهر، واستطاع التفوق عليهم، وسُمح له بالإعفاء من مصروفات القسم الداخلى هو وزميله محمد فهمي ياقوت لتفوقهم بناء على طلب أمين باشا سامي.

وانتقل الى الخديوية الثانوية عام 1892 واستمر تفوقه فيها ورفض رغبة اللورد كتشنر في نقل عدد من طلاب المدرسة إلى المدرسة الحربية وعندما حاول الموظف إقناعه أن طلاب المجانية لابد أن يلتحقوا بالحربية رد عليه النحاس قائلاً: (ما طلبت أنا المجانية عن فاقة، ولا سألتها عن عوز؛ ولكن ناظر المدرسة هو الذي شاء ذلك مكافأة للمتقدمين، وجزاء للمتفوقين).

أنهى المرحلة الثانوية بتفوق، والتحق بكلية الحقوق محققا تفوقا فى جميع مراحله الدراسيه، وحصل على الليسانس 1900، تزعم زملاءه لرفض العمل كـ "كتبة" في النيابات بمرتب خمسة جنيهات، فاجتمع به وكيل مدرسة الحقوق وبعض الموظفين الإنجليز ومندوب الوكالة البريطانية ليعرفوا أسباب احتجاجهم ومطالبهم، ونجح بعد مداولات طويلة في اقناعهم بتعيين الخريجين في وظيفة "معاون نيابة" بمرتب عشرة جنيهات، ولم يقبل بهذه الوظيفة حيث إن كل همه كان زملاءه، واتجه إلى العمل الحر.

بدأ مشواره فى المحاماه بمكتب السيد محمد فريد زعيم الحزب الوطني خلفا لمصطفى كامل ولم تدم فترة العمل معه طويلا فقد قرر النحاس الانفصال وفتح مكتبا فى المنصوره لمباشرة القضايا الأهلية والشرعية والمختلطه وظهرت مواهبه فى المحاماه مبكرا مما دفع عبدالخالق باشا ثروت مدير إدارة المحاكم بوزارة الحقانية لاختياره قاضيا فى محكمة قنا عام 1903، وظل يعمل بها قرابة 6 سنوات ثم نقل إلى الوجه البحرى وعمل فى القاهرة وطنطا لمدة تصل إلى 9 سنوات كان فيها مثالا للقاضي النزيه العادل. 

بداية التعارف بين الزعيمان الكبيران سعد زغلول ومصطفى النحاس فى 1909 كان وقتها النحاس عضو بالحزب الوطنى. 

قضى مصطفى النحاس 15 سنه فى القضاء ضاربا أروع الأمثلة على النزاهة والتمسك بالعدل والحق الذى كان عنده قدس الأقداس، دخل ميدان السياسة بدافع من وطنيته الصادقة وايمانا منه بحق مصر فى الحرية والاستقلال .

بدأ سعد زغلول يؤلف الوفد المصرى فى نوفمبر 1918 استعدادا للسفر الى بريطانيا، كان النحاس أحد ثلاثة من المنتمين إلى الحزب الوطنى الذى وقع عليهم الاختيار ليكونوا ضمن أعضاء الوفد، ومنذ ذلك الوقت أصبح النحاس سكرتيرا عاما للوفد ملازما لسعد يأخذ ويتزود منه، وكان أقرب الشخصيات لقلب سعد لقوة شخصيته وذكائه وشهرته القانونيه، ولذلك اختير الرجل الأول للوفد بعد سعد.

 قدم النحاس استقالته من منصب القاضى ليتفرغ للقضية الوطنية بعد اندلاع ثورة 1919، وعاد مرة أخرى للمحاماه لتكون مصدر رزق لأسرته، وعندما اعتقلت السلطات سعد والنحاس وآخرين ونفتهم الى جزيرة (سيشل) إلا أن الثورة لم تهدأ وأمام تلك الثورة العارمة قررت إنجلترا أن تطلق سراح المعتقلين؛ بل ومنحت مصر دستور 1923 وهو الدستور الذى جعل السلطة للشعب وليست للملك.

وبعد وفاة سعد فى 23 أغسطس 1927 اجتمع الوفد واختاروا مصطفى النحاس رئيسا لحزب الوفد وأصبح منذ ذلك الوقت زعيما للأمة. 

وفى 17 نوفمبر من نفس العام عند افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة لمجلس الأمة، انتخب النحاس رئيسا للمجلس خلفا لسعد وقام النحاس بتشكيل الوزارة سبع مرات كانت أولها فى 16 مارس 1928 وكانت ائتلافيه ولم تدم طويلا إذ انحلت بعد ثلاثة أشهر من تكوينها، أما الوزارة الثانية فكانت فى يناير 1930، الثالثة فى 9 مايو 1936 ثم تشكلت الوزارة للمرة الرابعة  أغسطس 1937، الخامسة فى 4 فبراير 1942 أما الوزارة السادسة في 26 مايو 1942،  والأخيرة تشكلت فى 12 يناير 1950 وأقيلت فى 27 يناير 1952 على إثر حريق القاهرة.

وفي 23 أغسطس 1965، رحل عن عالمنا مصطفى النحاس عن عمر 85 عاما فى الإسكندرية ثم نقل الجثمان إلى القاهرة فى جنازه شعبيه مهيبه اخترقت شوارع القاهرة من جاردن سيتى الى ميدان العتبة وشارع الأزهر وميدان الحسين وردد مشيعى الجنازة (ماتت من بعدك الزعامة يا نحاس) وطويت بذلك صفحة لرجل من صفوة من أنجبت مصر من رجال السياسة فى القرن العشرين.