رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تعود لعام 1955.. «قصة صورة» لـ طه حسين في السعودية

طه حسين
طه حسين

"أول ما شعرت به، وما زلت أشعر به، هو الذي يجده الغريب حين يؤوب بعد غيبة طويلة جداً إلى مواطن عقله وقلبه وروحه".. هكذا قال الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي عن زيارته التاريخية للسعودية في منتصف الخميسنيات، وذلك بمناسبة افتتاح الدورة التاسعة للجنة الثقافية لجامعة الدول العربية، وكان حينها رئيسا للجنة التي انعقدت في مدينة جدة.

في صورة قديمة للأديب الراحل طه حسين يظهر فيها بملابس الحج، فقد استغل الفرصة لأداء فريضة الحج عام 1955، واستغرقت رحلته ككل نحو 17 يوما، والتي كانت لها صدع واسع في كل مكان، إذ استقبله الأمراء والأدباء والأعيان، فضلا عن احتفاء المؤسسات الثقافية والهيئات العلمية به.

وأعرب طه حسين عن سعادته بهذه الرحلة الإيمانية إلى الحجاز، فقال: لقد تركتْ زيارتي للحجاز آثارا قوية رائعة في نفسي، لا يمكن أن تصور في حديث أو أحاديث، وحسبك أنها الموطن الذي أشرق منه نور الإسلام، ونشأت فيه الحضارة العربية الإسلامية. وما أعرف قُطرا من أقطار الأرض أثَّرَ في عقول الناس وقلوبهم وأذواقهم كما أثَّرت هذه البلاد، وكما أثّرَ الحجاز فيها بنوع خاص.

وفي حوار له مع الكاتب كامل الشناوى عقب عودته من الأماكن المقدسة، قال: لقد سألونى هذا السؤال فقلت لهم: وما بالكم تقحمون أنفسكم بين المرء وربه؟ فقلت له إنى بهذا السؤال لا أقحم نفسى بينك وبين ربك ولا بينك وبين قلبك ولكن أحاول أن أقحم معلوماتى عن المفكر، الحر، الثائر طه حسين، فلقد عرفتك لا تبالى بما يقول الناس عنك.. وما أكثر ما قالوا، بل أكثر ما صنعوا، لقد اتهموك بالكفر، ووصل الأمر إلى النيابة العامة وخرجت من الاتهام برئيا نقيا.. كان ذلك منذ ربع قرن وأكثر، عندما ألفت كتابا عن الشعر الجاهلى.. لقد عرفت الشائعات.. فمن حقي إذن أن أعرف الحقائق. وأطرق طه حسين، ومسح جبينه بيده، كأنما يحاول أن ينفض عن رأسه غبارا لبعض الذكريات.

وأضاف: لقد سبق أن عشت بفكري وقلبي في هذه الأماكن المقدسة زهاء عشرين عاما منذ بدأت أكتب على هامش السيرة وحتى الآن، ولما زرت مكة والمدينة، أحسست أنني أعيش بفكري وقلبي، وجسدي جميعا، عشت بعقلي الباطن، وعقلي الواعي، استعدت كل ذكرياتي القديمة، ومنها ما هو من صميم التاريخ، ومنها ما هو من صميم العقيدة، وكانت الذكريات تختلط بواقعي، فتبدو حقائق حينا، ورموزا حينا، وكان الشعور بها يغمرني، ويملأ جوانب نفسي.