رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العَلمانية والدين

يُروّج الأصوليون دائمًا: إن العَلمانية- بفتح العين- تتعارض مع الدين، والسؤال الذى يفرض نفسه هنا: هل العَلمانية حقًا تتعارض مع الدين؟ وهل العَلمانية تعنى الكفر والإلحاد؟ يجيب عن هذا السؤال الدكتور خالد منتصر بالقول: «العَلمانية ليست الإلحاد لسبب بسيط، وهو أن العَلمانية ليست دينًا أو عقيدة، ولكنها آلية ومنهج تعامل دولة مع السياسة والاقتصاد والحكم والتعليم.. إلخ، العَلمانية ليست ضد الدين، بل هى ضد تحكم وتدخل رجال الدين فى الحكم، بل على العكس لا توجد حماية حقيقية للأديان إلا فى الدول العَلمانية.. الدولة الدينية تحمى دينًا واحدًا وتضطهد الأخرى، أما الدولة العَلمانية فهى تحمى كل الأديان وتقف على مسافة واحدة منها.. العَلمانية ليست ضد الدين ولا تحتقره. ولكنها ضد من يحتكره ويدعى أن لديه التفسير الوحيد والتوكيل الحصرى».

ومن يقرأ التاريخ المصرى بموضوعية سيجد أن مصر الفرعونية كانت رائدة العَلمانية منذ فجر التاريخ، فمصر كانت مليئة بالمئات من الآلهة، وكان لكل قرية ولكل إقليم الإله الخاص به تحت رعاية الإله الواحد للدولة المركزية «آمون»، ثم تم دمجه فيما بعد مع الإله «رع»، ولم يحدث فى التاريخ المصرى أن نشبت أى معارك بين أنصار كل هذه الآلهة.

إن مُفَجر العَلمانية هو العالم الفلكى البولندى نيقولا كوبرنيكس «١٤٧٣- ١٥٤٣م» عندما أعلن عن أن الأرض تدور حول الشمس، ومن ثم لم تعد مركزًا للكون، وبالتالى لم يعد الإنسان مركزًا للكون، الأمر الذى ترتب عليه عدم إمكان الإنسان امتلاك الحقيقة المطلقة، ومن هنا جاء تعريف الفيلسوف المصرى المعاصر الدكتور مراد وهبة للعَلمانية بأنها «التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق»، فالعَلمانية تعنى العَالَم المتزمن بالزمان، ومن هذه الزاوية تُقال العَلمانية على العالم الزمانى والنسبى، ويؤكد وهبة أن العَلمانية ليست هى فصل الدين عن نظام الحكم، لأن هذا الفصل معلول للعلمانية التى هى العلة فى هذا الفصل، ومعنى ذلك أنه عندما يكون أسلوب تفكيرك علمانيًا يكون فى إمكانك قبول فصل الدين عن نظام الحكم، وعكس ذلك ليس بالصحيح، ومن هنا فالعَلمانية هى: أسلوب فى التفكير قبل أن تكون أسلوبًا فى السياسة، ألم يَحِن الوقت لتحرير مصطلح «العَلمانية» من التشويه المتعمد الذى ألحقه به الأصوليون والمتطرفون؟.. إن العَلمانية لا تعنى الإلحاد، ولكنها تعنى الإيمان بالحرية والعدل والمساواة وحقوق الإنسان.

فلا وجود لدولة وطنية دون عَلمانية، ولا حرية دون عَلمانية، ولا ديمقراطية حقيقية دون عَلمانية، ولا حقوق إنسان دون عَلمانية، ولا حداثة دون عَلمانية، ولا تقدم دون عَلمانية، ولا حل للتوترات الدينية فى شرقنا ومصرنا إلا بالعلمانية، العَلمانية هى الحل.