رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طلعت شاهين: كنت رسول سلام بين عفيفي مطر والأبنودي وأمل دنقل

المترجم والدكتور
المترجم والدكتور طلعت شاهين

حكى المترجم الكبير والروائي الدكتور طلعت شاهين بعض من ذكرياته لـ"الدستور"، وذلك في حوار كبير أجرته معه، ومن هذه الذكريات قصة لقائه ومعرفته بالشاعر الكبير الراحل محمد عفيفي مطر.

يقول طلعت شاهين: "تعرفت على شعر محمد عفيفي مطر وأدونيس من خلال فنان تشكيلي وشاعر عامية مجنون من بور سعيد أصلا لكن ألقت به الأقدار للعمل في قصر ثقافة قنا في بداية السبعينيات من القرن الماضي، وانتقاله إلى قنا كان عقابا له، كما قال لنا، لكن كان سعيدا بوجوده هناك حيث تجمع من حوله عدد من الشعراء والتشكيليين برز منهم أسماء ساهمت بإنجازات متميزة في مسيرة الشعر، من بينم أمجد ريان وعطية حسن وسيد عبد العاطي والفنان التشكيلي عبد الرحيم شاهين، كنت أنضم إليهم خلال الإجازات التي تتيحها لي خدمتي العسكري في منطقة جنيفة بجبهة القناة، وكان يأتيننا ببعض أشعار أدونيس ومحمد عفيفي مطر ويقوم بعض الزملاء في المجموعة بنسخها وتوزيعها علينا وأذكر أنني قرأت "المسرح والمرايا" لأدونيس منسوخا بخط عطية حسن.

ويكمل: “إلا أن علاقتي بمحمد عفيفي مطر كانت من خلال مجلة سنابل التي نشرت لي بعض قصائدي دون أن يكون هناك سابق معرفة شخصية بيننا، أرسلت القصيدة ونشرها عفيفي مطر. لكن لقائي به بشكل شخصي كان عام 1974 خلال تأبين صديقنا الشاعر علي قنديل الذي قتلته سيارة عسكرية في مدينته كفر الشيخ، ذهبنا في ذكرى الأربعين مجموعة كبيرة جدا للمشاركة في احتفالية أقيمت هناك، تضمنت معظم شعراء جيل السبعينيات، حلمي سالم وأمجد ريان وحسن طلب وجمال القصاص وأحمد سماحة وعبد الدايم الشاذلي، وتولي عفيفي مطر تقديمنا خلال الاحتفالية”.

ويضيف: "بعد انتهاء الحفل الشعري قسّمونا إلى مجموعات لقضاء الليلة وتوزعنا ما بين بيت أحمد سماحة ومركز شباب المدينة، إلا أنني فوجئت بمحمد عفيفي مطر يمسك بيدي ويقول لي "أنت ومحمد يوسف سوف تقضيان الليلة في بيتي". بالفعل خرجنا من الحفل متجهين إلى بيت عفيفي مطر الذي كان يعمل مدرسا في إحدى مدارس كفر الشيخ.

قدمت لنا زوجته ليلتها عشاء مكونا من طبق كبير من الكوارع إضافة إلى السلطات وخلافه، ثم قضينا الليلة في غرفة مكتبته في حوار حول القصائد التي سمعناها تلك الليلة، ولم يكن رأيه إيجابيا في معظمه، لكن برر ذلك بحداثة تجربة معظمنا كشباب، ورأى أن الموهبة متوفرة وهذا يعني أن معظم هؤلاء سيكون لهم شأن في مسيرة الشعر لو أحسنوا تثقيف أنفسهم وتنمية مواهبهم.

وواصل: "منذ تلك الليلة بدأت علاقتي بالشاعر محمد عفيفي مطر تتوثق، خاصة أن صديقي "عباس التونسي"، زوج شقيقة الشاعر أحمد طه، كان يعد رسالة ماجستير والكثير من المراجع التي كان يحتاجها كانت في مكتبة عفيفي مطر الخاصة، واستغل تلك العلاقة للحصول عليها فكنت أسافر إلى كفر الشيخ بشكل متقارب للحصول على بعض الكتب وإعادة ما انتهينا من قراءته.

واستطرد: “لم أكن أكتب على نسق شعر محمد عفيفي مطر مثل بعض الزملاء، لكنه كان يرى أنني أوظف التراث الشعبي في شعري بشكل أعجبه، وكنت آخذ عليه غموضه في الكتابة، لم يغضبه هذا بل صرنا صديقين تجمعنا أرضية ثقافية مبنية على عشق التراث الشعبي الذي وظفه هو أيضا في شعره إلى جوار التراث الثقافي العربي القديم”.

وتابع: "ولأنه كان يعرف أنني من قرية أبنود، فاجأني في يوم من الأيام بطلب أن ألعب دور "رسول سلام" بينه وبين عبد الرحمن الأبنودي وأمل دنقل لإنهاء قطيعة حدثت بينهم لأسباب لم يذكرها لي، لكنه أكد لي أنه على استعداد للاعتذار للأبنودي وأمل إذا تطلب الأمر ذلك. تحدث مع عبد الرحمن الأبنودي الذي وافق على لقاء محمد عفيفي مطر دون أن يتحدث في سبب الخلافات بينهما فيما رفض أمل دنقل المصالحة. كانت تُقام كل يوم خميس في تلك الفترة أمسية في كافيتريا "أسترا" بميدان التحرير، تحولت الآن إلى مطاعم هامبورجر وبيتزا، تبدأ عند منتصف الليل وتمتد حتى الصباح، اتفقنا على اللقاء هناك. في يوم الخميس دعتني عطيات الأبنودي للغداء معهم، عندما ذهبت إلى هناك وجدت المذيع التليفزيوني محمود سلطان وقضينا الوقت في حوارات شتى إلى أن حانت العاشرة مساء، خرجت مع الأبنودي من الزمالك وسرنا على كورنيش النيل حتى وصلنا ميدان التحرير وعبرناه إلى كافيتريا "أسترا"، عندما وصلنا كان عفيفي مطر يجلس برفقة بعض الشعراء الشباب، لا أتذكرهم الآن، ما أن دخلنا حتى وقف ومد يده لتحية الأبنودي الذي رد التحية بحرارة وجلسا معنا دون كلمة عتاب واحدة، وبدأنا في متابعة فقرات الأمسية التي كان ينظمها الفنان البورسعيدي الراحل "عبد الرحمن عرنوس".

ويستدرك: "سافرت بعدها أنا إلى إسبانيا وأيضا سافر هو إلى العراق، وكان كل منا يتابع الآخر وأخباره عبر أصدقاء مشتركين، وحدث أن دُعي محمد عفيفي مطر للمشاركة في أنشطة ثقافية مصرية بعد حصوله على جائزة العويس، وقبل أن يذهب إلى الفندق طلب من مرافقه أن يتصل بي ويخبرني بمكان إقامته، والتقينا في نفس الليلة وأعرب لي عن رغبته انتهاز فرصة وجوده في التعرف على إسبانيا بعد انتهاء برنامج النشاط المشارك فيه، فرافقته إلى أحد المكاتب السياحية وقمنا بحجز رحلة له مدتها أسبوع كامل يطوف خلالها المدن الرئيسية في الأندلس،.

واختتم: “امتدت علاقتنا بعدها بشكل طيب، وكنت ألتقي به خلال زياراتي إلى مصر، وكثيرا ما دعاني إلى شقته التي كان يقيم بها في مصر القديمة لكن ظروف سكني في مدينة 6 أكتوبر كانت تمنعني من تلبية دعوته، وكنت أكتفي بجلساتنا في الأتيليه أو زهرة البستان مع أصدقاء آخرين”.