رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرحيل المفاجئ للشاعر حسن رياض

ربما لأن أزمة حسن رياض الصحية كانت مفاجئة، ولم تطل قط، بل لقي ربه بعدها بليلة واحدة؛ كان توديعه حميمًا فوق ما تُوصف توديعات المُلْهَمِين.. الشاعر المرموق عانى من جلطة دماغية حدثت له إثرها غيبوبة، واحتاج إلى عناية مركزة لم تكن متوفرة، غير أن عددًا من الكتّاب والمثقفين المعتبرين، أخص من بينهم النبيل شعبان يوسف، نقلوا الأمر عاجلًا إلى وزيرة الثقافة، وتدخلت فور علمها، ووفرت له ما يناسب وضعه الصحي الحرج، وتابعت الموقف من مكان قريب، لكن الحالة المتأخرة أصلًا كانت تفاقمت، وكان النعش بانتظار صاحبه فيما كتبت الأقدار.
بالمناسبة، أنا لا يعجبني نظام التأمين الصحي للشعراء (كمثال للمبدعين الآخرين)، فالأوضاع العامة المتردية، بجوار الهضم السرمدي المستغرب لحقوق أصحاب الأقلام، تجعل الأمور تتطلب دائمًا سعيًا مرهقًا إلى المسئولين للإنقاذ، إذا نجح مثله فغالبًا يكون الوقت قد فات، يكون الشاعر المعتل ذهب بعلته إلى مولاه الكريم، وسط زغاريد الملائكة ونحيب أقربائه والعارفين به!
مهما يكن الشاعر المأزوم صاحب عضويات فنية وأدبية قيمة، وصاحب تاريخ متميز، فإنه يواجه نفس المصير الأسود.. الموت، لكنه الموت الذي سببه المباشر إهمال وعجز فاضحان.
نفس ما جرى تقريبًا مع الشاعر محمود مغربي في الجنوب منذ سنوات جرى مع حسن رياض هذه الأيام بقلب القاهرة.. تعب مفاجئ بلا شاطئ ترسو عنده سفينة المتعب، لكنها رحلة شاقة من استجداءات ونداءات، وركض إلى المستشفيات العامة بفشلها، لا الخاصة بتفوقها، لأن الشعراء فقراء في أغلبيتهم، وهذا حديث آخر مهم..
كان حسن رياض شاعرًا كبيرًا، دخوله مجال الشعر الغنائي طغى على قصائده، غير أنه كتب شعرًا غنائيًا تحلى بروح القصيدة القوية، لا بشروط سوق الأغنية، وهي شروط خفيفة مثيرة للسخرية! 
قليلون من شعراء العامية المصرية الذين كتبوا الأغنية نجحوا فيها ولمعوا مع نجومها، وأما الكسب المادي فقد ظل باستمرار يلزمه تفرغ أكبر وخضوع مُرٌّ لتحكمات صُنَّاع الغناء لا يليق بالشاعر المحترم، حجر زاوية الموضوع، وقد كان حسن ناجحًا ولامعًا بغير أن يخضع، وكان ابن البسطاء العابرين بالحياة، وابن الهم الصادق، ولم يكن ابن ريبة لكن يقين.
أغانيه، لم تكن كثيرة لكنها ذائعة ومؤثرة، ملأت السوشيال ميديا من بعده، وكنا نحب أن تملأها في وجوده بنفس القدر، لمحمد منير وعلي الحجار وإيهاب توفيق ومحمد فؤاد ووليد توفيق ومي فاروق والشيخ مشاري راشد العفاسي وأمل وهبي وطارق فؤاد وسيمون وعصام كاريكا وأحمد الطويلة «الأخير من رفقاء أحلامه الأولى، احترف أمدًا قصيرًا، ثم عاد محافظًا على شكل الهاوي وجوهره».. وغير هؤلاء الكبار والرائعين، بجانب أسماء توازيهم في عالم النغم.
يجب السعي حالًا إلى تكريم صاحبنا، بصورة لائقة، لعلنا ننصف مشواره النابغ الثري!